ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Friday 23/03/2012/2012 Issue 14421

 14421 الجمعة 30 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

تحدث الناس كثيراً عن الحكمة وما زالوا، وسيظلون سيبحثون عنها فوق قمم الجبال وتحت الثرى وفي داخل الكهوف، وسيتغنون بها كما شاؤوا. وظلم الناس بعضهم بعضاً في نسبة الحكمة إلى فئة دون أخرى، بل جردوا أقواماً من مساهمتهم في مسيرة الحكمة العالمية، وهي مسيرة طويلة وهامة، حتى أنهم في أوقات معينة قد نسبوا ذلك إلى الجينات البشرية، وهذا ما يخالف العقل والمنطق وهما أساس الحكمة وأداتهما الهامتين، ولهذا، فليس من الإنصاف إخراج جزء من البشرية من مساهمته في مسيرة الحكمة العالمية.

هناك من يجعل مبدأها من مصر وعلى يد الحكيم هرمس، وهناك من يربطها باليونان، وآخرون يجعلون العرب منبع الحكمة وأسيادها، ولكن الكثير لا يختلف في حكمة الصينيين والهنود وغيرهم. وأوربا في العصور المتأخرة ربما حملت راية الحكمة، في رأي البعض، إلاّ أن أسماء يونانية ستظل عالقة في أذهان الكثير، ومن أولئك أفلاطون الذي قام مقام سقراط بعد أن مات مسموماً، وهو الذي رحل إلى مصر وأخذ من أصحاب فيثاغورس. ومن آرائه: إن الرياضة بالسعي المعتدل تعمل على تحليل الفضول، وهو ما أثبته الطب الحديث، ويقال إنه أمر الملوك بإقامة بيوت الحكمة لتعليم أولادهم، فكانوا يتخذون البيوت المذهبة والمزخرفة ويصورون فيها أصناف الصور المستحسنة التي ترتاح لها النفوس، ثم يتعلم فيها الصبي، فإذا حفظ علماً أو حكمة صعد يوم عيد على منبر، وقد اجتمع إليه كبار القوم فيتكلم بالحكمة التي حفظها على رؤوس الأشهاد وعليه التاج، ثم يسمى حكيماً.

وذات يوم صعد ابن الملك إلى المنبر وقد عنى أفلاطون بتعليمه، وصعد معه أفلاطون، فلم يورد الغلام شيئا لأنه كان تلميذا بليداً، فأسقط في يد أفلاطون، وقال: يا معشر الناس من ينوب عن ابن الملك فقام أرسطو طاليس، وكان يتيماً مجالسا لأفلاطون وأبدع أرسطو في القول، والتفت أفلاطون إلى الملك وقال: هذه الحكمة ألقيتها على ولدك وحفظها هذا اليتيم، فما حيلتي في الرزق والحرمان؟

ومن حكم أفلاطون، قوله: لا ينبغي أن تفعل شيئا إذا عبرت به غضبت، فإنك إذا فعلت ذلك كنت أنت القاذف لنفسك. ويقول: عقول الناس مدونة في رؤوس أقلامهم وظاهرة في اختياراتهم، وقيل له: بما ذا ينتصف الإنسان من عدوه، قال: بأن يزداد فضلاً في نفسه. وقيل لـه: فلان يعرف الشر، قال: فإذاً لا يعرف الخير، يريد أن الإنسان لا يعرف الشر إلاّ بمعرفته للخير، وقال: من القبيح أن نمتنع عن الطعام اللذيذ لتصح أبداننا، ولا نمتنع عن القبائح لتصفو بذلك أنفسنا.

وأرسطو، قال في الحكمة الشيء الكثير، ومن ذلك قوله للإسكندر: كن عبداً للحق، فعبد الحق حر، وكن نصيح نفسك فليس لك أرأف بك منك، وإذا أشكل عليك شيء فاضرع إلى الله تعالى يبلغك هذه الغاية، فإنه يفتح لك المرتجى، وإذا فاتك شيء فاعلم أن ذلك لسهو عرض لك في الشكر على ما أفادك. وقال: إن لكل شيء صناعة، وصناعة العقل الاختيار. وغيرها كثير.

وبعد هذا القول عن الحكمة والحكماء، لعلنا نقف هنيهة عند وقعها علينا، فلاشك أنه وقع إيجابي، لكن العمل به هو المشكلة الكأداء، فالكثير لا تخفى عليه الحكمة لكن المآسي تنبع من عدم العمل بها.

وعالمنا العربي في وقتنا الحاضر يدرك الحكمة ويعقلها، لكن: هل يعمل بها؟ لو كان يعمل بها لما رأينا قتل الأبرياء هنا وهناك، إما من خلال التفجيرات أو قتل الشعوب، وتخريب الديار والاقتصاد. فعندما تحل الشهوة محل العقل تغيب الحكمة وتتوارى بين النجوم في كبد السماء، ولعل الحكمة تعود من حيث ذهبت وتحط رحالها في عالمنا العربي لنسترشد بها عملاً لا قولاً، لكنها تشترط غروب الشهوات، وهذا ما يصعب على أنفسنا زحزحته من مكانه.

 

نوازع
الحكمة والحكماء
د.محمد بن عبد الرحمن البشر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة