ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Saturday 24/03/2012/2012 Issue 14422

 14422 السبت 01 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أحترم كثيراً كل الذين يعملون من أجل أن يكون للزهور لون ورائحة في ربيع الرياض، لكني لا أرى في الزمن الحاضر أن الربيع أحد فصول السنة في أغلب مناطق جزيرة العرب، فنحن نعيش في منطقة تتكون من فصلين كلاهما متطرف في أجوائه، ويأتي بينهما فصل ثالث سمته الغبار، وكأن انبعاثه الكثيف نتيجة للصراع المحتدم بينهما قبل إعلان نهاية فصل بارد وجاف وبدء فصل آخر لا يقل عنه جفافاً ولكنه حار وملتهب.

كذلك كان تاريخنا الحديث، تحكمه فصول متشددة من تطرف ديني وآخر ثقافي، ويفصلهما غبار إعلامي كثيف ينتهي عادة إما بالصمت أو معاقبة الثقافي، كان آخرها ذلك التطرف المسكوت عنه في ما يعرف بسورة التفاح والتي طرحها أحد مشايخ الصحوة لأسباب دعوية، وقد أحدثت عواصف لا حدود لها في داخل وخارج الحدود المتعارف عليها، وكان الرد الثقافي عليها من باب السخرية في تأليف ثقافي لسورة البطريق، تبعتها مطالبات إعلامية بفصل الناقد الساخر عن عمله ومعاقبته، وربما تم فصله حسب الأخبار غير الموثوقة.

في معمعة تلك الأحداث كانت كارثة مراهق في طور ثقافي مختلف مدوية بسبب فعلته الشنيعة في حق سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والتسليم، ثم خضوعه للمحاكمة لقاء خطئه غير المبرر، كأحد وجوه التطرف الثقافي في المجتمع السعودي، بينما لم يخضع الطبيب والداعية والوجه الإعلامي إلى مساءلة عندما تحدث عن زواج الرسول عليه الصلاة والسلام من خلال رؤية سيكولوجية متطرفة، وكان السكوت أيضاً سيد الموقف، كما كان في مواقف عديدة قد يحظر حصرها في هذه المقالة.

حسب وجهة نظري يدخل هؤلاء جميعاً في المحظور، ويستحقون المساءلة والمحاكمة، فما فعلوه يفتح أبواباً لا حصر لها للسخرية من المقدسات، ولو كان ذلك في سبيل الدعوة لله عز وجل، لكن ما يظهر من بين ذرات غبار المعركة أن الخطأ من خلال منظور ديني جائز، وقد يكون له أجر ولو كان الخطأ محاولة تأليف سورة قرآنية، وهو ما يعني أن المنظومة التاريخية والتي عُرفت تحت مسميات كثيرة منها سلطة رجال الدين قد بدأت في التشكل مؤخراً، وذلك لاتقاء هجمات المثقفين ونقدهم الجريء من خلال المطالبة بإيقافهم بالعقاب والفصل، والجدير بذكره أن مفهوم رجل الدين الخارج عن القانون ليس له وجود في تاريخ الإسلام في الماضي، فقد كانت المناظرات في العقائد تجري في مجالس السلاطين.

منذ بدأ ما يُطلق عليه بالربيع العربي يحاول بعض علماء الدين أو رجاله احتكار الحقيقة وتقديمها للجمهور في وجوه متطرفة، هدفها إسكات الثقافة ثم إعدامها أمام الناس، لكن ما يخفى عليهم أن المعركة بين الديني والثقافي لم تكن وليدة الأمس، فقد بدأت منذ القدم، ولا تزال محاورها تدور بين مد وجزر، لكن الفرق بين ما يحدث في مجتمعنا وبين المجتمعات الأخرى أن هناك بوناً شاسعاً بينهما في البيئة المحلية، مثلما هو الحال بين فصل الشتاء والصيف، ولا توجد إلى الآن نقاط التقاء إلا من خلال زوابع الغبار الكثيف، في حين لا تبدو المسافة بعيدة بينهما في الدول العربية الأخرى، وتكاد تكون متطابقة في دول العالم المتحضر.

ومن أجل أن يتوقف فصل الغبار ويعود فصل الربيع لأجوائنا لابد من العمل على إصلاح البيئة وإيقاف مصادر التلوث فيها، وقد سرني اجتماع أخير للجنة العليا لحماية البيئة بمدينة الرياض برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سطام بن عبدالعزيز تناول فيه قضايا رئيسة متعلقة بالبيئة في مدينة الرياض، شملت الأنشطة ذات الأثر البيئي في جنوب مدينة الرياض، وإجراءات نقل مصنع الأسمنت إلى خارج المدينة، والإجراءات اللازمة لتحسين جودة الهواء في مدينة الرياض، والمعايير البيئية المصاحبة لعملية إنشاء المشاريع الكبرى، وضوابط التقييم البيئي للمشاريع التنموية في الرياض، ومياه الصرف الصحي، وبرنامج إعادة الغطاء النباتي في منطقة الرياض.

لكن كيف تتوقف فصول الغبار الكثيفة بعد معارك سور التفاح والبطريق وبعد كوارث الكاشغري والحبيب؟، وهل الحل أن يقضي الديني على الآخر، أو العكس، وذلك أقرب للمستحيل، فهما الفصلان الرئيسان، ولا بديل عنهما، لكن من أجل الاستقرار فتشوا عن الربيع الثقافي مرة أخرى من بين عواصف الغبار، وابحثوا عن طرق جديدة من أجل التواصل بين الديني والثقافي، على أن يكون البديل قانونا لا غبار فيه على حدود حرية التعبير، وينطبق على الجميع من دون استثناءات أو اعتبارات فئوية أو دينية أو ثقافية.

 

بين الكلمات
غبار وغبار
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة