ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Saturday 24/03/2012/2012 Issue 14422

 14422 السبت 01 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

      

وردت مفردة القيم في القرآن الكريم في عدة مواضع. وقد وصفت هذه المفردة الدين الإسلامي في جميع تلك المواضع حيث قال جل في علاه في سورة الروم الآية «30»: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ . وفي سورة الأنعام الآية «161» قال سبحانه وتعالى: قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . والمراد بالدين القيم: الدين المستقيم القائم الثابت وهو التمسك بالشريعة المشتمل على الفطرة السليمة.

ولا شك أن الإسلام قد احتوى على جميع القيم الإنسانية السوية حيث نجد ذلك في مواضع عدة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. وعلى سبيل المثال نشير إلى بعض القيم العامة الشاملة التي وردت في القرآن الكريم ففي سورة النحل الآية «90» قال عز من قائل: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . وفي سورة المائدة الآية «2» قال رب العزة والجلال: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ .

ومن المؤسف حقا أن أبناء الأمة الإسلامية قد تخلوا عن كثير من تلك القيم الإسلامية الخالدة. وبالمقابل فإن بعض هذه القيم قد أخذها الغرب وتبناها خاصة في القرون الأخيرة ومنها على سبيل المثال: العدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان وحرية التعبير وتطبيق النظام والمحافظة على الوقت والإخلاص في العمل وغيرها، وليس أدل على ذلك من مقولة المفكر المصري الكبير محمد عبده عندما زار أوروبا فوجد القيم الإسلامية سائدة عند القوم فقال كلمته المشهورة: (وجدت في الشرق إسلاما ولم أجد مسلمين أما في الغرب فقد وجدت مسلمين ولم أجد إسلاما).

وقد ظهر في أواخر القرن الميلادي الماضي ما سمي بصراع الأديان أو صراع الثقافات. ويمثل هذا الصراع في حقيقة الأمر صراع قيم دينية أو اجتماعية أو ثقافية عملت بعض الأطراف على تأجيجها لأهداف سياسية أو عنصرية أو غير ذلك. وقد روج لها في وسائل الإعلام في الغرب بشكل كبير مما جعل بعض الجماعات والطوائف والأقليات في مواقع مختلفة من العالم تتأهب لمواجهة تلك الصراعات وتعمل على تأكيد الهوية والذات مما تسبب في حدوث عمليات إرهابية وأعمال عنف أودت بحياة كثير من الضحايا والممتلكات.

وفي الحياة العامة نجد أن القيم تأخذ حيزا مهما في حياة الشعوب. وبالرغم من أن هناك اختلافا بين القيم بين الشعوب إلا أن هذه الشعوب تعمل على تبني تلك القيم وتحافظ عليها وتجعلها من الأشياء الثمينة التي تفاخر بها وتتوارثها جيلا بعد جيل لعدة قرون حتى تصبح هذه القيم بمثابة المعايير التي تحدد السلوك المرغوب لهذه الشعوب. وليس بالضرورة أن قيم شعب من الشعوب هي قيم مرغوبة عند بقية الشعوب بل إن بعض هذه القيم ترفضها وتزدريها شعوب أخرى. فانحناء اليابانيين عند السلام يمثل قيمة جيدة عندهم أما عند العرب والمسلمين فهي قيمة مرفوضة.

ويمكن أن نعرف القيم بأنها: أنماط من السلوك يفضلها الناس وتحكم تصرفاتهم في أي ثقافة من الثقافات. وتجدر الإشارة إلى أن القيم تتطور وتتغير وتضعف وتقوى عبر العصور نتيجة لتطور الحياة بشكل عام واختلاف أحوال الشعوب بين فترة وأخرى مثلها في ذلك مثل بقية الأمور الحياتية المختلفة. وينبغي أن نؤكد هنا إلى أن القيم ليست مقصورة على القيم الاجتماعية فقط بل تشمل جميع مناحي الحياة مثل الدين والاقتصاد والسياسة والتجارة والإعلام والطب وغيرها. وبالتالي فإن لكل حقل وتخصص ومهنة قيما مرغوبة.

وفي ظل العولمة وتطور التقنية والاتصالات فقد بدأت بعض القيم عند بعض الشعوب تغزو الشعوب الأخرى وتؤثر في ثقافاتهم. فلو نظرنا إلى الملابس مثلا لوجدنا أن الملابس المعروضة في أحد المراكز التجارية الكبيرة في جدة والرياض مثلا معروضة في مراكز تجارية مماثلة في نيويورك ولوس أنجلوس في الولايات المتحدة. كما أن مطاعم الوجبات السريعة المنتشرة في الغرب بدأت تغزو أسواق الشرق بشكل منقطع النظير. ولم يقتصر انتقال القيم في هذين المجالين فقط بل شمل جميع المجالات كالإعلام والصحافة والتربية والتعليم والفن والرياضة وغيرها.

ومن المؤكد أن القيم الواردة ليست كلها قيما جيدة فمنها الغث والسمين مثلها في ذلك مثل البضائع المستوردة الأخرى حيث نجد الأصلي والتقليد والجيد والرديء. ومن هذا المنطلق يأتي دور الرقابة ومن ثم اختيار المناسب منها الذي لا يتعارض مع القيم الدينية والاجتماعية والأخلاقية أمرا ضروريا. ولا يختلف اثنان بأن التحكم بهذه القيم أصبح في الوقت الراهن صعبا وقد يكون خارجا عن نطاق السيطرة والتحكم لأن الغزو الثقافي أصبح شرا لا بد منه في زمن الإنترنت والفضائيات والجوالات. وأعتقد أن شعوب العالم الثالث بدأت مرحلة التطبيع لتلك القيم الواردة من الشمال ولم يعد بالإمكان المقاومة لأن المقاومة تعني التغريد خارج السرب أو السباحة باتجاه التيار الجارف. والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

Yousefms@ipa.edu.sa
 

القيم والشعوب
منصور بن صالح اليوسف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة