ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Sunday 25/03/2012/2012 Issue 14423

 14423 الأحد 02 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

عندما أعلن عن قيام الجبهة الإسلامية العالمية لقتال الصليبيين واليهود والأمريكان، سئل أحد القياديين في تنظيم القاعدة عن مدى واقعية هذا الإعلان مبديًا تخوفه من مخاطره وآثاره السلبية ليس على التنظيم فحسب وإنما على كل الحركة الإسلامية، وعموم المسلمين في العالم وجاءت الإجابة تدور حول:

إن هؤلاء لا يعرفون إلا منطق القوة، نعم أعرف مخاطر هذا الخيار وأعلم صعوبة تحقيق النصر في ذلك الصراع، وربما يحتاج هذا النصر جيلاً أو أجيالاً بعدنا، ولكن يكفي أننا نجعل شعلة الجهاد متقدة ليتسلمها من بعدنا ليكمل الطريق.

والمتأمل في هذه الإجابة سيكتشف وجود خلل ما في فهم فريضة الجهاد، وهذا الفهم الخاطئ لفريضة الجهاد يقدم لنا جهاداً مراداً لذاته يدخل في حيز الفعل والممارسة بعيداً عن حسابات القدرات، أو اعتبار النتائج بمعزل عن حسابات المصالح والمفاسد. وهذا الفهم الخاطئ لفريضة الجهاد يحتاج لمناقشة عميقة لأنه بمثابة المقدمة التي تتولد عنها الاختيارات والممارسات الخاطئة، وهو ما سنقوم به عبر أربعة مطالب هي:

المطلب الأول: الجهاد الحقيقة الغائبة

نظرة الإسلام للحرب:

لم يغفل الإسلام عن أنه دين جاء لينظم حياة البشر لا الملائكة، البشر بكل نزعاتهم الخيرة وأيضاً الشريرة.

لم يحلق الإسلام في سماء الخيال متطلباً سمواً بشرياً - لا ينال - للصر على الظلم والكف عن الانتصار من العدوان، ولم يوغل في المثالية ويطلب من الناس إدارة الخد الأيسر ليتلقى لطمات المعتدي بعد أن يفرغ من خدهم الأيمن بل هذا ضد الفطرة ومنافٍ للمنطق ومستعصٍ عند التطبيق.

ولم يكن للإسلام يوماً كأولئك الذين يمارسون أبشع الحروب ويفتنون في القتل والتنكيل والذبح والتدمير، وهم يترنمون بأن دعوتهم هي دعوة المحبة والحرية والإخاء والسلام.

كان الإسلام واقعياً في رؤيته لحقائق الحياة والنفوس والاجتماع الإنساني وما قد تحفل به من صراعات ونزاعات وما قد ينجم عنها من حروب، فالإسلام نظر إلى الحرب في ذاتها كأمر تدعو إليه طبيعة الاجتماع البشري فلم يحاول إنكارها، ولا أن يعارض مقتضيات الفطر فيها، ولكنه اعترف بها كوسيلة لابد منها لدفع العدوان وتقليم أظافر الطغيان وكبح جماح المفسدين.

اعترف الإسلام بالحرب لأنه يعلم أن طبيعة البشر وسنة الاجتماع كثيراً ما تفضيان إلى التنازع والبغي، والتنكر للحق والاعتداء على الحريات والفتنة في الدين والإسلام شريعة عملية إصلاحية لا تغمض عينيها عن الواقع، ولا تسترسل وراء الخيال، ولو لم يقرر الإسلام الحرب ويعترف بها لتكون وسيلة من وسائل المقاومة ودفع العدوان، وإزالة العقبات عن طريق دعوته إلى الخير العام لقضت عوامل الشر والفساد التي تؤازرها قوى الطغيان والعناد على هذه الدعوة وهي في مهدها ولحرمت الإنسانية أن تجتني ثمراتها الطيبة في معاشها ومعادها.

قال تعالى: {..إنّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم} البقرة249

وقال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً}الحج40

جاء الإسلام بالجهاد لدفع تلك الأخطار وتجاوباً مع هذ الاعتبارات، ومقدماً للكون أنموذجاً جديداً لم يكن مألوفاً لديه.

حقيقة الجهاد بين المخطئين والمبطلين:

ورغم وضوح الفارق بين الجهاد في الإسلام ومفهومه لدى الآخرين، إلا أن هناك من يطمس معالم هذا المفهوم تارة عن سبق إصرار وترصد لدى البعض، وتارة في غمرة الحماس، والغضب والثورة عند آخرين.

وسواء كان طمس معالم الجهاد يأتي من قبل المطبلين له أو من قبيل المخطئين فيه فإن النتيجة واحدة وهي تقديم مفهوم مغلوط عن حقيقة الجهاد للإسلام قد يترسخ مع استمرار شبهات المطبلين وتتابع أخطاء المخطئين.

ومن هنا لزم البيان والتوضيح لتلك الحقيقة الغائبة للجهاد عن هؤلاء وأولئك.

الجهاد الحقيقة الغائبة:

لأنه ما من أمة من الأمم إلا وهي لا تستغني عن الجهاد فلقد لبى الإسلام تلك الحاجة فقد ورد (الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة) وما دام الجهاد حقيقة واقعة وقائمة إلى يوم القيامة فيجب إبانة تلك الحقيقة بما يكشف عن مقاصدها ويوضح معناها وجوهرها، فالجهاد في الإسلام له فلسفة إنسانية عميقة، ومقصد نبيل، ومعانٍ متعددة وضوابط حازمة حكيمة وجزاء عظيم وأجر جزيل.

حقيقة الجهاد:

الجهاد معانٍ متعددة متسعة:

إنه لمن الظلم البين حصر معنى الجهاد في سبيل الله في مباشرة القتل والقتال وامتشاق الحسام في وجه الخصوم فمفهوم الجهاد أشمل من ذلك وإن كان بالضرورة يدخل في معناه مجادلة الأعداء، فالمتأمل في الدلالة اللغوية والشرعية للجهاد في سبيل الله لابد وأن ينتهي إلى أنه يشمل معاني عديدة متنوعة ولكن اشتهر لدى العامة أن الجهاد إذا أطلق فلا يقصد بإطلاقه إلا مجاهدة الكفار على حد تعبير ابن رشد.

فالجهاد لغةً مأخوذٌ من الجهد والتعب. وشرعاً: المبالغة في إتعاب الأنفس في ذات الله تعالى وإعلاء كلمته التي جعلها الله تعالى طريقاً إلى الجنة وسبيلاً إليها وبذل الجهد في إقامة المجتمع الإسلامي.

ومما يدل على اتساع معنى الجهاد وتنوع مدلولاته أحاديث عديدة لم تقصر معنى الجهاد على القتال فحسب، ومن هذه الأحاديث:

- ما رواه أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم».

- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر».

- وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدرون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل».

- وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال: أحي والداك؟ قال: نعم قال: ففيهما فجاهد.

- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله. وأحسبه قال: وكالقائم الذي لا يفتر وكالصائم الذي لا يفطر.

فهذه الأحاديث جعلت من ضرورات الجهاد: الجهاد بالمال والجهاد باللسان والجهاد برعاية الوالدين من الضياع جنباً إلى جنب الجهاد باليد والقتال وبذل النفس والنفيس، ومن الطبيعي أن تتنوع أشكال الجهاد لتنوع الأعداء فهناك جهاد الكفار والمحاربين باليد واللسان والقلب وجهاد الفساق باليد واللسان والقلب وجهاد الشيطان بدفع ما يبثه من شبهات وترك ما يزينه من شهوات ثم هناك جهاد النفس لحملها على محاسن الأخلاق والترقي في مقامات الإيمان والعلم والعمل بالأحكام وتنقيتها من الخبائث والمدنسات.

وإذا كان الجهاد في سبيل الله بالنفس في الأصل من فروض الكفاية ولا يتعين إلا في حالات محددة كاجتياح العدو لأرض الإسلام أو على من يشهد القتال أو عينه الإمام أفهذا يعني أن الانشغال الأكبر للأمة سيكون من نصيب الجهاد بمعناه الشامل الذي يمكنها من بناء حصونها من الداخل، لتصير أكثر مناعة وقدرة على مدافعة الأعداء وتحقيق الغايات.

الجهاد تحرير لا استعباد، حرية لا إكراه:

والجهاد بهذه الطريقة يمثل حركة تحرير للإرادة الإنسانية من كل ضروب العبودية لبني الإنسان، وقد كان الصحابي ربعي بن عامر رضي الله عنه فقهياً بهذا المعنى، حيث قال لقائد جيوش الفرس عندما سأله: ماذا جاء بكم؟ فقال: إن الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة الناس إلى عبادة الله الواحد القهار، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. ذلك هو الإعلان الإسلامي عن مقاصد هذ الدين وعن مقصد الجهاد فيه.

فالجهاد هو لتحرير الناس وإطلاق إراداتهم لا لاستعبادهم وسحق شخصياتهم، وهو لإقامة العدل بين الناس واحترام كرامتهم، لا لظلمهم والجور عليهم والجهاد جاء لتتسع الحياة وتنفرج وتتهيأ لهم قنطرة إلى الآخرة لا ينصرفوا إلى ملذاتها وينعموا في شهواتها وهم عن الآخرة معرضون وإنما ليقيم لهم التوازن الدقيق بين طموحاتهم في الدنيا ومتطلبات الآخرة على ضوء قوله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}.

إن مهمة القتال في الإسلام أن يزيل كل أشكال العبودية لغير الله، أن يكسر كل القيود المفروضة على عقول الناس ألا يبقي لجهة أو لشخص سلطانًا على الخلق يحول بينهم وبين خيار ما تهديهم إليه عقولهم وتطمئن إليه قلوبهم.

فلاشك أن الدعوة إلى الله والدخول في الإسلام لا يكون بالقهر والإكراه، وإنما يكون طريقها الحجة والبرهان، ولو تركه الناس يسري بحجته وبرهانه، وخلوا بينه وبين العقول، ولم يضعوا في طريقه العراقيل، لما سفكت قطرة واحدة من الدم في سبيل الله ولغزت دعوته العقول، ونفذت إلى القلوب.

والإسلام يسلك في هذه الدعوة السلمية الاقناعية كل طريق تواضع عليه الناس في دعوتهم إلى المبادئ ودفاعهم عنها، وبيانهم لمزاياها من خطب في المجتمعات، ومن كتب يرسلها إلى الملوك والرؤساء ومن وفود يتلقاهم ويحسن وفادتهم ويبين لهم ما يدعو إليه.

الجهاد حكم شرعي:

جعل الإسلام من الجهاد ذروة السنام، في بنيانه لما يقزم به من دور حيوي في حفظ البنيان من هجمات الأعداء وما يقوم به من تحرير إرادة الناس للاطلاع على الإسلام بحرية دون إكراه.

والجهاد في سبيل الله بذلك يكمل منظومة الأحكام الشرعية التي جاء بها الإسلام لمعالجة الواقع وتنظيم الحياة.

وكون الجهاد حكماً شرعياً يرتب على الفور نتيجة هامة ألا وهي: أن ضوابطه ومجالاته وأحكامه التفصيلية وأسبابه وشروطه وموانعه سوف تؤخذ من مشكاة الوحي لا من دواوين الحماسة أو ثورات النفوس الغاضبة أو هوى القلوب العابثة.

وكون الجهاد حكماً شرعياً يعني عدة أمور:

1- أن الجهاد من حيث الأصل يندرج في فروض الكفايات التي إذا ما قام بها البعض من المسلمين سقط الإثم عن الباقي وهذا أمر منطقي يتسق مع رؤية الإسلام في توظيف قدرات الأمة.

2- إن الجهاد في سبيل الله قد يتعين في مواضع حددها العلماء وهذه المواضع هي: مداهمة العدو لديار المسلمين، وعلى من شهد القتال، وعند التحام الصفوف، وعلى من يعينه الإمام للقتال، ولاستنفاذ أسرى المسلمين.

3- إن الجهاد في سبيل الله كحكم شرعي تتطرق إليه الأحكام التكليفية الخمسة وهي: الوجوب والاستحباب والحرمة والكراهة والجواز.

4- إن القول بإنفاذ الجهاد يستوجب توفر عدة أمور هي: السبب الشرعي المبيح له، والشروط الشرعية المتطلبة لإنفاذه، وانتفاء الموانع التي تمنع منه، وغياب أي من هذه الأوصاف يمنع من إنفاذ الجهاد، ويخرجه من الوجوب وقد يدخل في عداد الممنوعات.

5- إن الجهاد في سبيل الله تنطبق عليه القاعدة الشرعية التي تقرر كما شرع الله الأحكام شرع مبطلاتها وروافعها.

6-إن أحكام الجهاد التفصيلية بتنوع أصناف الذين أباح الإسلام قتالهم، فلا يصح معاملة كل الخصوم معاملة الكفار، رغم وجود فارق بينهم وبين الكفار، ولذلك فإن الشريعة جعلت أحكاماً متميزة لكل صنف من هذه الأصناف.

7- إن الجهاد في سبيل الله يرتبط بأمرين هما:

أ) القدرة على إنفاذه وهو ما يوجب التأكد من توفرها لأن إهمال ذلك لا يعني سوى الدخول في مغامرات تدفع ثمنها الأمة وأبناؤها دون طائل.

ب) تحقيق المصالح المرتبطة شرعاً ودرء المفاسد القائمة والمتوقعة، والمصالح المقصودة هنا ليست المصالح الشخصية حتى لو كانت سامية.

الجهاد لنشر العلم وإعلاء كلمة الله هو منطق العدل والإحسان:

إن جهاد الطلب ثابت بالكتاب والسنة وفعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- وفعل أصحابه وإجماع المسلمين وأما تنفيذه فهو يخضع لظروف وشروط معلومة تتضمنها كتب الفقه والحديث والتفسير وهي مقررة في مناهجنا الدراسية أهمها:

1- أن تتوفر في المسلمين القدرة الكافية على تنفيذه فإن لم تتوفر فإنه يحرم لما يلزم عليه حينئذ من إبادة المسلمين على أيدي الكفار وهذه الحالة يمثلها العهد المكي حينما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في مكة قبل الهجرة مأمورين بالصبر وكف الأيدي وكان القتال محرماً في حقهم حينذاك لم يجرُّه عليه من الضرر.

2- ألا يكون بيننا وبين الكفار عهد فإن كان بيننا وبينهم عهد حرم قتالهم واحترمت أموالهم ودماؤهم، وهذا هو ما أشكل الآن على بعض الكتاب حيث قالوا إن الجهاد يتنافى مع الواقع ودخول المسلمين في المعاهدات الدولية وميثاق الأمم المتحدة وخلطوا بين دراسة أحكامه وبين القيام بتنفيذه وطالبوا بإلغائه من المقررات الدراسية في حين أن بين الأمرين فرقاً واضحاً. ولو لم ندرسه لالتبس الأمر على الجهال خصوصاً الشباب وسموا الاعتداء على المعاهدين والمستأمنين جهاداً وأوصوا المسلمين بالقيام به ولو لم يكن بهم استطاعة له ولم يتصوروا ما ينتج عن ذلك من سوء العواقب على المسلمين لأنهم لم يدرسوا فقه الجهاد وضوابطه وشروطه، وما يكون منه فرض عين وشروطه وما يكون منه فرض كفاية. ومن هو العدو الذي يقاتل والعدو الذي لا يقاتل، ومن هو الذي يصلح للمشاركة في الجهاد والذي لا يصلح وما هي سياسة تنفيذه.

3- لابد أن يكون الجهاد بأمر ولي أمر المسلمين لأن الأمر به وتنظيمه من صلاحيات ولي الأمر وبقيادته أو قيادة من ينيبه كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل ليكون الجهاد تحت راية مسلمة وليس هو فوضى وانقسامات وانتماءات واختلافات ينتج عنها الهزيمة والفشل كما قال تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }الأنفال46.

- الجهاد في سبيل الله موجود في شرائع الأنبياء السابقين -عليهم الصلاة والسلام-، وليس هو خاص في شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- فهذا موسى عليه السلام خرج ببني إسرائيل ليخلص الأرض المقدسة من أيدي الجبابرة الكفار ومن بعد موسى طلب الملأ من قومه {إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ} وانتهى الأمر بلقائهم بعدوهم {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ}.

وهذا نبي الله سليمان -عليه السلام- في حق قوم بلقيس الذين كانوا يعبدون الشمس من دون الله {فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} فالجهاد في سبيل الله شريعة قديمة وكذلك ما كان بين بني إسرائيل وبين الفرس المجوس من القتال والمداولات.

- ليس الغرض من الجهاد في سبيل الله سفك الدماء بغير حق والاستيلاء على الأموال والبلاد؛ لأن المسلمين يصيبهم فيه أكثر مما يصيب الكفار من الألم وبذل الأنفس والأموال، كما قال تعالى: {إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ}، ولكن الغرض من الجهاد في الإسلام إعلاء كلمة الله وإخراج الناس من الظلمات إلى النور ومن عبادة العباد إلى عبادة الله. كما قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أو يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى»، ولذلك تجب دعوتهم إلى الإسلام قبل قتالهم فقاتلهم لأجل مصلحتهم، ولذلك جاء في الحديث «عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل» أي يؤسرون في القتال ثم يسلمون فيخلى سبيلهم ويدخلون الجنة ولو ماتوا على الكفر صاروا من أهل النار.

- إنما يشرع القتال في حق من ينشر الكفر ويدعو إليه كما قال تعالى: {أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ} أو في حق من قاتل المسلمين وصد عن سبيل الله فمن لم يقاتل ولم يدع إلى الكفر فإنه لايقتل ولا تقتل المرأة ولا الصغير والهرم ولا العابد في صومعته لأن هؤلاء لا يقاتلون المسلمين ولأن هؤلاء كفرهم وشرهم قاصر عليهم ولا يتعدى إلى غيرهم فلا يتعرض لهم وما اختاروا لأنفسهم.

- ليس الغرض من الجهاد في سبيل الله إجبار الناس على الدخول في الإسلام كما يتصور البعض قال تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} وقال تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}، فالدخول في الإسلام لابد أن يكون عن اختيار واقتناع به. ولكن الغرض منه أن يأخذ الإسلام طريقه إلى البشرية لا يصد عنه من يريد الدخول فيه صاد ولا يقف في طريقه ليمنع الناس من الدخول فيه قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ}.

قال الإمام بن كثير في تفسيره لهذه الآية قال ابن إسحاق بلغني عن الزهري وغيره من علمائنا (حتى لا تكون فتنة) حتى لا يفتن مسلم عن دينه انتهى.

وقال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.

- جهاد المسلمين في سبيل الله أثمر خيراً كثيراً لأهل الأرض حيث قمع الطغاة والمتجبرين والمستكبرين في الأرض بغير الحق، وخلص الضعفاء من قبضتهم وأنصفهم ونشر العدل ونشر الحضارة الصحيحة في المشارق والمغارب ونشر الأمن بين الناس وما حضارة الأندلس وبغداد والشام وخراسان وما وراء النهر بخافية حيث نشأ منها العلماء الذين ملؤوا الأرض علما وحكماً مما لا تزال آثاره باقية وتشاهده بفضل الجهاد في سبيل الله. وقد سؤل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن الجهاد في مناطق الصراع الدولية التي أصبح فيها شبابنا حطباً لكل نار توقد أوخلاف مذهبي بعد أن حاول تنظيم القاعدة الولوج من باب الجهاد والخلط بين أحكام ونصوص جهاد الدفع والطلب كتالي السؤال: هل راية الجهاد في كشمير صحيحة؟

الجواب: يا إخواننا! الجهاد يحتاج أولاً: إلى راية من خليفة أو إمام, وهذا مفقود في الواقع.

ثانياً: الجهاد يحتاج إلى أن ذهاب الإنسان ليجاهد يكون فيه نفع وغنائم, ومعلوم أن في الوقت الحاضر لا يحصل فيه ذلك, طائرات تأتي من فوق, والذين تحتها كلهم تحت قوة الطائرات, لا يوجد غنم, كان في الأول الحرب برية الناس يحاربون بالسيف والرمح ويحصل فائدة وغنم.

ثالثاً: أنه يشترك في هذه الحروب أناس جاءوا لينفسوا عن أنفسهم لأنهم في بلادهم مكبوتين, فيأتون لينفسوا عن أنفسهم ثم يبثون السموم في الآخرين, ويكرهون ولاتهم لهم, فيرجع هؤلاء إلى بلادهم وهم قد مقتوا البلاد رعيتها ورعاتها, ويحصل بذلك مفاسد كثيرة,) انتهى كلام الشيخ ابن عثيمين وبدا السؤال الذي يطرح نفسه على شبابنا هل تدمير بلدنا وتشويه سمعته وتدمير اقتصاده ونشر الرعب في إرجائه جهاد في سبيل الله.

باحث في الشؤون الأمنية والقضايا الفكرية ومكافحة الإرهاب



hdla.m@hotmail.com
 

من المسائل والشبهات التي تستند عليها القاعدة للتغرير بالشباب.. شبهة الجهاد والرد عليها
د. محمد بن حمود الهدلاء

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة