ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Tuesday 27/03/2012/2012 Issue 14425

 14425 الثلاثاء 04 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في المحافل والمنتديات والمعارض والمهرجانات والأسواق والملتقيات التي أتشرف بحضورها، مشاركاً أو مباركاً، أسمع حسيس التذمر من طلائع الشباب، الذين يودون أن يكون لهم الصدر في الأمكنة، والصدارة في الممارسة: وجوداً فاعلاً أو رؤية متنفذة، في سائر التظاهرات الثقافية، ثم لايعدّون تلك الرغبات من باب الأثرة ولا من باب احتكار الحقيقة.

وأولئك المتذمرون من أطياف شتى، نختلف مع بعضها كل الإختلاف أو بعضه، ولا نقترف خطيئة الإقصاء ولا الإستعداء، مادام الجميع في إطار الإختلاف المعتبر، الذي يراعي الثوابت والمسلمات المسنودة بالنص القطعي الدلالة والثبوت.

إشكاليتي الميؤوس من حلها، مع هذا اللفيف الفسيفسائي أنني بحاجة إلى أن يُعرِّف كل شاب بنفسه المرة تلو الأخرى، فأنا في كثير من التظاهرات الثقافية كـ(المتنبي)، (غريب الوجه واليد واللسان). لقد انقرض جيلي ومن أجايل أو كاد، ولما أزل أجالد وأجاهد، لأكون حاضراً، مكتمل الأهلية، وحسناً يفعل المتنفذون، حين يزجون بي في أتون الفعاليات: متحدثاً أو مديراً أو مداخلاً. ويقيني أن الذين قعدت بهم الشيخوخة، أو إنتابتهم عوارض الأمراض من لداتي، يودون لو أسعفتهم ظروفهم الصحية، ليشهدوا منافع لهم، ولكنها الحياة الخؤون، وسنن الكون التي لاتتبدل ولاتتحول، وكم تنتابني رجفة التأمل والتألم، وأنا استعرض الحشود، ثم لا أجد من بينهم من أكلت معه وشربت، واختلفت معه واتفقت، وحاججته وحاججني، وافترقت بنا السبل على صفاء ومحبة، وحين اتحسس عنهم كإخوة يوسف، أجد من أخبارهم مايبعث على الرحمة، فمنهم من تخلت عنه قدماه، ومنهم من خلطت أوراقه عوارض (الزهايمر)، ومنهم من قضى نَحبه، ونحن على أثارهم سائرون.

وثقافة الحشود تضع رجلاً مثلي، بوصفي مخضرماً، أدركت البدايات، وتوغلت في مرحلتي التأسيس والإنطلاق في حيرة من أمره، فالشباب الذين تلقوا الرايات، وملؤوا الفراغات، يودون استعجال النتائج، والاستئثار بالمباهج، ولاسيما أنهم في زمن مُشرَّع الأبواب على كل الثقافات، مترع الأوعية بكل المتناقضات، حتى لقد أصبحت المعارف والمذاهب والظواهر في متناول اليد، لاتصدها رقابة، ولا تغتالها سياسة، ولايسيطر عليها احتساب، وزمن تتفلت فيه الأشياء، وتتدفق فيه المعارف، تصعب فيه الصدارة فضلاً عن السيطرة.

لقد نشأت في زمن شحيح، الناس فيه كالأسرة الواحدة، محدودة المأكل والمشرب، فهم متجانسون في آمالهم وآلآمهم وإمكانياتهم وأجوائهم. يفوضُون أمرهم إلى سلطاتهم الثلاث: السياسية والدينية والمجتمعية، حتى لاتجد أحداً يجروء على الكلام غير المباح، وإن لم يدركه الصباح، يقرأ، ولا يقرأ من الكتب إلا متون المذهب، وكتب الرقائق. ولقد تلقيت من الضوابط، ووعيت من الشروط، مال سَمِع بها جيل اليوم لملّ الحياة.

ومع هذا فقد توارثنا تمجيد الماضي بكل تصحره وتسلطه. وعقدة الماضوية امتداد لعقدة الأبوية:- {إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وإنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ}، والماضي الذي خلفناه وراء ظهورنا، مليء بالجد والعزمات، فنحن فيه إما: عاملون أو متعلمون، ومع شظف العيش، واعتمادنا على أنفسنا في كل شيء، لاتسمع منا شاكياً، ولا ترى متذمراً. نحمد الله على السراء والضراء وحين البأس، وكم ينطوي جيلي على ذكريات، لو فُزِّع عنها، لأثارت كوامن الشفقة والإستغراب. (والذكريات صدى السنين الحاكي).

أقول قولي هذا بين يدي حديث، كنت أسمعه، يتردد في كل مؤتمر، ويعاد في كل لقاء، وقد يأخذ أشكالاً تضيق بها الصدور ولاتنطق بها الألسنة. فالشباب الذين أنسوا من أنفسهم رشداً، يودون لو ابتدروا المناسبات، وتمتعوا بالحقوق، ونعموا بالجوائز، واستأثروا بالخيرات التي تهمي كالسحاب على النخل والقتاد، فهم إذ يمتلكون المواهب، ويشاطرون أمتهم بالكلمة الشاعرة والعبارة الجميلة والخلق الرفيع، فإن حقهم أن يتلقوا الراية باليمين، تلك دعواهم، وعلى المتمنعين أن يقولوا:- (هاتوا برهانكم). ويقيني أن معهم شطراً من الحق، وشيئاً من المبالغة. ومن العدل أن تبتدر الوزارات المعنية، وبالذات وزارة الثقافة والإعلام، ووزارة التعليم العالي ذلك التذمر، فإن كان ثمة حق مضاع، وجب إحقاقه، وإن كانت التذمرات والمطالبات مجرد إهتياجات عاطفية، فليس هناك مايمنع من التنوير، ومن المفيد استحضار ذلك التململ المخيف الذي نراه رأي العين بادياً في أروقة الجامعات، وفي الحشود الثقافية، وعلينا أن نستحضر قول الشاعر:

(أرى خلل الرماد وميض نار.. وأخشى أن يكون لها ضرامُ)

فالطلبة الذين عبروا عن معاناتهم وتطلعاتهم، لايختلفون عما نسمعه ونراه في المناسبات، كالمعارض والمهرجانات وسائر المناسبات من شباب شبوا عن الطوق. وهذه الشكايات التي يتفوه بها الشعراء الشباب والقصاص والروائيون والنقاد، لايمكن أن تنطلق من فراغ، فطائفة منهم يريدون سعودة التظاهرات الثقافية: تجمعاً وإسهاماً. وإن كان ثمة رغبة لدعوة رموز الثقافة العربية، فليكونوا مستمعين مشاهدين مطلعين على ماينطوي عليه مبدعونا وموهوبونا من إمكانيات لاتقل بحال عما هم عليه.

لقد شرفت بدعوات كريمة لحضور الكثير من ورشات عمل الحشود الثقافية، للإسهام في إعداد برامج لتلك الفعاليات، وكان همُّ الجميع مُنصباً على إبراز أدبنا وثقافتنا، وتجسير الفجوات مع الثقافات العربية، وأخذ الحيز في سوحهم بمثل ما أخذوه في سوحنا. لقد كنا على علم بآداب الأمة العربية، نعرف شعراءهم ومفكريهم وأدباءهم ومبدعيهم، ولاتخفى علينا خافية من دقيق أمورهم وجليله. في حين أننا نعيش غياباً مخلاً بالأهلية، ولقد أشرت إلى شيء من ذلك، عندما كتبت عن مشاركاتي في فعالياتنا الخارجية. والشباب الذين يتذمرون، ويودون ابتدار الفعاليات، يضيقون ذرعاً من الإقصاء غير المتعمد، يصيبون كبد الحقيقة. فنحن أحق بشأننا، وأحسبنا تجاوزنا مرحلة الوصاية، وحق لنا أن نبتدر شأننا الثقافي كله، وألا يستأثر به غيرنا، تحت أي تبرير، وحق لنا -أيضا- وقد توفرنا على الندية- أن نقول بملء أفواهنا: (إن بني عمك فيهم رماح).

ومن ذا الذي لا يود أن يكون مكتمل الأهلية في كل لقاء. ولكي نكون على بينة من أمرنا، دعونا نعيد قراءة برامج اللقاءات والمهرجانات والملتقيات والمعارض، ونرى المساحة المتاحة لأدبنا وفكرنا ومبدعينا، وعندئذ نجد العذر كله لشباب يضيقون ذرعاً بالتهميش. وإذا دعُوا فإنما يدعون للإستماع، وكأنهم لايجدون مايقولونه في مثل هذه الحشود. وكأني بهم كأولئك النفر الذين (تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ). لقد مللنا تغريد الطيور من كل جنس على دوحنا، وحق لنا أن نقول: (أحرام على بلابله الدوح.. حلال للطير من كل جنس)

 

البراعة في إدارة ثقافة الحشود..!
د. حسن بن فهد الهويمل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة