ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Wednesday 28/03/2012/2012 Issue 14426

 14426 الاربعاء 05 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

الإجازات:

في بعض الأحيان نفعل الشيء ونستحسنه ونستأنس بآثاره الطيبة ثم نفعل الشيء نفسه، لكننا كمن يكرر الشيء ولا يعرف لماذا، وما هي الجدوى. مثال ذلك ما يُسمى بإجازة الربيع التي بدأت بيوم 21 مارس...

... وتنتهي في يوم 28 مارس، فتكون مدتها - بإضافة أيام الخميس والجمعة- عشرة أيام. قبلها بشهرين فقط تمتع الناس بإجازة نصف السنة الدراسية، وبعدها بشهرين تبدأ امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني ومن ثم الإجازة الصيفية التي تستمر مدة ثلاثة أشهر بما فيها إجازة عيد الفطر المبارك، وبعد ذلك بأقل من شهرين تبدأ في يوم 5 ذي الحجة إجازة عيد الأضحى المبارك التي لا تقل مدتها عن أحد عشر يوماً.

ولم أذكر إجازة اليوم الوطني لأنها قصيرة، ولم أذكر الإجازة السنوية للموظفين وإجازاتهم الاضطرارية لأن أصحابها - في الغالب - يكيّفون مدتها ووقتها مع وقت الإجازات المدرسية، أو يدخرونها لأعوام لاحقة، كذلك لم أذكر إجازات الغبار والمطر لأنها طارئة وقصيرة، وتثير من علامات التعجب أكثر مما يثار من الغبار.

إن المشكلة ليست في كثرة الإجازات، بل في طولها - باستثناء الإجازة الصيفية-. فالفرد الذي يعمل وينتج أو يبحث ويدرس يحتاج ما بين وقت وآخر إلى نفس أطول من نفس إجازة نهاية الأسبوع. ولكن لماذا في كل مرة تسعة أيام وأكثر ولا يفصل بين كل منها والأخرى سوى شهرين أو أقل؟ هل نحن شعب يتعب بسرعة أو شعب ملول؟ وهل هي وسيلة ناجحة لإدخال السرور على المواطن أو لإزالة الملل؟ لا، بل هي مؤشر على فهمنا لثقافة العمل وجدية الدراسة.

إن الرابح الوحيد من هذه الإجازات الكثيرة هي شركات الطيران، لأن طول الإجازة يغري بالسفر بقصد السياحة في الداخل أو الخارج. ولذلك نرى المساجد خالية من ثلث المصلين والشوارع من ثلث السيارات وحجوزات الطيران قد استنفدت، وإضافة إلى ذلك فإن ساحات منافذ الحدود البرية لبعض الدول المجاورة امتلأت بالمسافرين. ويتكرر ذلك في كل إجازة. هل كل الذين يسافرون في كل مرة يقضون إجازاتهم في متعة حقيقية؟ هل يستمتعون بالسباحة في البحر؟ بالتزلج على الجليد (لمن يستطيع)؟ بمشاهدة آثار ومتاحف؟ بأي شيء فيه منفعة للجسم أو العقل؟ لا. ومعذرة فأنا أتحدث عن نفسي على الأقل. على سبيل المثال: الذين سافروا إلى دبي في أثناء عطلة نصف السنة الفائت، استمتعوا - ولا شك - باعتدال الجو في فصل شتوي، ولكن معظم الوقت - إن لم يكن كله - انصرف بين جلوس على المقاهي وارتياد للمطاعم ومجمعات التسوّق، وربما شيء من التمشية ومشاهدة السينما، وفي كل ذلك ببعض الحرية العائلية التي يفتقدونها في مجتمعنا. فهل يفعلون شيئاً غير ذلك لو أعادوا الكرة في إجازة الربيع، بل حتى لو كانت هذه الكرّة في بلد آخر - في باريس على الشانزليزيه مثلاً؟ إن البحث عن التسلية والانبساط ليس له مسوّغ إلا إذا كان وسيلة للراحة من عناء عمل جاد ومنتج. أما إذا كانت قيم العمل والإنتاج والجدية في الدراسة لا تعطى الأولوية في تنظيم حياتنا اليومية فإن فتح الباب على مصراعيه - من خلال الإجازات الطويلة المتعددة - لولوج فضاءات التسلية والانبساط إنما يزيح هذه القيم إلى الوراء. إنني أزعم بأن إجازة قصيرة ليوم أو يومين مع نهاية الأسبوع وتصادف جواً ربيعياً ممتازاً أو مناسبة هامة مثل مهرجان الجنادرية أو سوق عكاظ أو مهرجاناً للتسوّق في المدن الكبرى بالمملكة، أو تنظّم خلالها برامج للسياحة الداخلية القصيرة إلى أماكن جذابة بالمملكة، أنفع وأدعى للشعور بالارتياح من ما يسمى (إجازة الربيع)، وقس على ذلك إجازة أحد العيدين بما يناسبهما.

الشباب:

الحديث عن الشباب لا يبعد كثيراً عن حديث الإجازات؛ فالموضوع يتصل أيضاً بوقت التسلية والانبساط، لكنه أشد حساسية لأنه قريب من الحياة الاجتماعية اليومية. الشباب عموماً - وأعني هنا الفئة العمرية بين 15-39 عاماً كشريحة اجتماعية تشكل نسبة عالية من السكان تقارب 43%- يتذمرون من ضيق الفضاء الاجتماعي في المجتمع المحلي، حيث لا تتوافر نواد تصلح لقضاء وقت الفراغ، ولا يسمح للعازبين منهم بدخول المجمعات التجارية ولا توجد أماكن تقدّم ألوان التسلية التي تروق لهم مثل مراكز الألعاب الإلكترونية أو دور السينما التي تعرض أفلاماً مجازة رقابياً، أو مسارح تقدّم مسرحيات أو فنوناً شعبية. ولذلك سرعان ما انتشرت ظاهرة الاستراحات على مشارف المدن كبديل عن أماكن الاجتماع والترفيه داخل المدن. لكن هذا البديل الذي يعوّض عن شيء مفقود انقلب من مجرد ظاهرة إلى ثقافة متأصَّلة تنافس بعض القيم الاجتماعية الحيوية. صحيح أنهم يستمتعون - على الأرجح - بتسلية مقبولة اجتماعياً، مثل مشاهدة الأفلام والإنترنت والمباريات ولعب البلوت والسواليف وترديد الأهازيج الشعبية، ولكنهم يفعلون ذلك يومياً في أكثر الأحيان ويسهرون إلى ما بعد منتصف الليل. فما الذي يتأثر سلباً من جراء سهر الليل طوال أيام الأسبوع؟ إنها الحياة الأسرية - لا سيما للمتزوجين منهم - وواجبات الوظيفة أو العمل. ومن دون شك فهذا ثمن باهظ لنمط من السلوك الاجتماعي لا نعلم على وجه اليقين دوافعه: هل هي نوع من رد الفعل إزاء ضيق الفضاء الاجتماعي - كما يردد الشباب أنفسهم، أم هو انعكاس طبيعي للتساهل العام تجاه ثقافة العمل وجدية الدراسة؟ في هذا السياق لا بد من الترحيب بقرار إلغاء منع الشباب من دخول المجمعات التجارية لأنه بادرة (حسن ظن) بشبابنا وحجر اختبار للمقدرة على الانضباط واحترام التقاليد الاجتماعية. وقد قيل إن بعض المجمعات - على ما أظن - رفضت السماح للشباب بالدخول هروباً من تحمّل أعباء الرقابة والتدخّل عند اللزوم. فإن صح ذلك فإنه عذر أقبح من ذنب. لقد شاهدنا في مجمعات دبي المزدحمة بالشباب ودور السينما مراقبين في كل مفترق رئيسي لديهم سلطة التدخل عند اللزوم ويحافظون على النظام ويرشدون عند الاستعلام. ويمكن - لإنجاح التجربة عندنا - ترتيب شيء مماثل بالتنسيق بين إدارة المجمع والجهات الأمنية والرقابية مع استخدام شيء من التقنية الحديثة وبطريقة لا تضايق المرتادين ولا تترك مجالاًلسوء السلوك.

 

إجازات.. وشباب
عثمان عبدالعزيز الربيعة

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة