ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Thursday 29/03/2012/2012 Issue 14427

 14427 الخميس 06 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

للعالم المغربي أحمد العبادي أمين عام الرابطة المحمدية لعلماء المغرب دراسة قيمة تدعو إلى فتح الأبواب على الواقع كما هو، لنتمكن من إدراكه على ما هو عليه، ولنكون أقدر على تصييره ذلك الواقع الذي نحلم به؛ فكلنا نحلم بالتسامح وبالجمال وبأن تكون

البشرية متعاونة على البر والتقوى فوق هذا الكوكب، ولكن الواقع يثبت أن ثمة سوابق معرفية وبرديغمات تؤطر الأذهان، ومن خلال هذا التأطير توجه الواقع وسلوك الإنسان. وبالتالي فإنه لابد من فتح هذه المنطقة ودخولها لاستكشافها وتنقيتها وإعادة ترتيبها؛ وهي عدة أمور لا يمكن تصور تحققها بدون اعتماد مستلزماتها ومقتضياتها، وفي طليعتها الأساس المعرفي البحثي العلمي:

1- فتح رمانة المعتقدات والتصورات والسوابق المعرفية والبرديغمات، والقيم والمعايير، لا يمكن بدون ركوب مركب المعارف المساعدة، والتشمير للقيام بالبحث العلمي اللازم بالمناهج الملائمة.

2- كما لا يمكن تصور دخول هذه المجالات المركبة دون الاستثمار الزمني والنفسي والذهني والمادي الملائم، إذ هو دخول لا يمكن أن يتم دون التعاطي الميداني التفاعلي المباشر مع أهل ومكونات الحضارات المختلفة.

3- كما لا يمكن تصور القيام بتنقية، دون امتلاك ناصية المعرفة الدقيقة بالأصول والمنطلقات، إذ لا تعدو التنقية في نهاية المطاف تصفية الأمور مما يشوبها عبر الزمن وردها إلى أصول نشأتها الأولى دون تمحل ولا تكل.

4- أما إعادة الترتيب، فلا يجوز أن تكون خارج الثوابت تنصيصا وتقصيدا في مراعاة تامة للواقع وتطلباته، واعتبارا لمختلف المآلات التي قد تنجم عن هذا الترتيب أو ذاك.

ولكن حين ننظر إلى المحافل الحوارية في عالمنا اليوم فإننا لا نجدها تتجاوز خمسة أنواع رئيسية من المحافل؛ معظمها في منآة عن هذا الكدح المشار إليه: المحافل التوظيفية، المحافل الدعوية التبشيرية، المحافل الأكاديمية، المحافل التوليفية المستهدفة لتحقيق التعايش، المحافل المعرفية التعارفية.

والمحافل المعرفية التعارفية هي المحافل الأكثر ندرة، إنها المحافل التي تريد أن تستفيد من الحكمة أينما كانت؛ إذ الحكمة ضالة الباحث المحاور فأينما وجدها فهو أحق الناس بها. ونحن لا نتحدث هنا عن النص أو عن العلاقة الإيمانية به ولا عن تصديقه أو هيمنته، وإنما نتحدث عن الحكمة التي تبلورت من خلال التعامل مع النصوص في كل الديانات. فالنموذج التعارفي إذن هو أكثر قابلية للتعاطي والإثراء الإيجابيين؛ وهو نموذج نجد التعبير عنه والتوجيه إليه بصيغ متعددة ومختلفة في جل الديانات، ومن أجلى التعبيرات عنه ما نجده في القرآن الكريم في الآية 13 من سورة الحجرات {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}. وعند التأمل فإننا نجد في كل الديانات تدريبات على التعارف تختلف في شموليتها واستيعابيتها على التعارف.

ولا عجب أن النتيجة الأولى التي أعقبت الأزمة المالية التي تسارعت أحداثها منذ شهر سبتمبر 2007 والناجمة عن أزمة القروض المندلعة في الولايات المتحدة الأمريكية والتي تفشت في دول أخرى بسبب تفاعل الاقتصاديات فيما بينها، هي تقوية المحافل المعرفية التعارفية والتي أجمعت أن الإيديولوجية التحررية لا تستطيع أن تقاوم المجازفات التي تنجم عنها. ومن ثم انهارت جميع مبادئ الشمولية. وشرب من كأس الأسى كل من كان فيما مضى يمدح الإيديولوجية التي تنادي بتراجع الدولة، وصار هو أول من يطالب بإلحاح بتدخلها لإيجاد حل لهذا التدهور الذي أثاره نظامهم وممارساتهم وعجز مؤسساتهم على غرار صندوق النقد الدولي للعب دور الضابط.

ولهذا نرى العديد من الاقتصاديين والكتاب الغربيين ينادون بضرورة عودة الناس إلى القيم الدينية وذلك بالنظر إلى الانحرافات الهائلة التي قادت إليها الإيديولوجيات العلمانية المستبدة والأنظمة الإمبريالية وخيبة النظام الاستهلاكي الليبرالي.

فالحوار بين الديانات المسيحية (الكاثوليكية والأرثوذوكسية والبروتستانتية) والديانة الإسلامية يقتضي في البداية التعارف بشكل جيد فيما بينها. ويؤدي ذلك إلى ظهور تداولات ولقاءات ونقاشات، ويؤدي كذلك إلى تشجيع من هذا الطرف أو ذاك لتتعرف بشكل أحسن على الديانات الأخرى وعلى الحضارات الأخرى؛ وهنا يمكن أن نشير إلى البرامج التعليمية (مثلا تعلم التاريخ) والمناهج الجامعية (مثلا تعلم القانون المقارن) وأيضا إلى برامج الإذاعة والتلفزة والسينما ومختلف الإصدارات إلخ.. ثم يجب أن يكون الحوار هدفا لحصر جيد لنقط التوافق وإبراز القيم المشتركة والمبادئ الأساسية بشكل جلي.

وفي إطار الحديث عن الحكمة، بات اليوم من المسلمات أن العالم يعيش تبعات أسوء أزمة اقتصادية منذ ثمانين سنة وأكثر مما أدى إلى انخفاض في الناتج منذ سبعينات القرن الماضي. وحيث إن الأزمة وتبعاتها لم تنته بعد ومازال من الصعب التكهن بمدى آثارها وعمق انعكاساتها على الاقتصاد العالمي، إلا أنها زعزعت الثقة في النظم المالية للدول المتقدمة والنامية على حد سواء، وأظهرت على السطح خللا كبيرا على مستوى رقابة وتنظيم المؤسسات المالية.

ومع ذلك حسب ما يذهب إليه الدكتور عبداللطيف يوسف الحمد بقي تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على الدول العربية أقل نسبيا بالمقارنة مع مناطق أخرى في العالم، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل يمكن أن نجملها في الاندماج المحدود للدول العربية في الاقتصاد العالمي من حيث التجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي المباشر، وإلى ضعف درجات الارتباط بين المصارف والأسواق والمؤسسات المالية العربية ببقية المصارف، والأسواق العالمية. لذلك كله كان تأثر الدول العربية جراء الأزمة أقل نسبيا من تأثر بعض الدول والأسواق الناشئة في آسيا، التي تعتمد اقتصاداتها على الخارج من حيث صادرات السلع والخدمات والاستثمارات الأجنبية المباشرة والاستثمارات في المحافظ المالية، إلا أن الدول العربية تبقى غير جاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر مقارنة بالكثير من الدول النامية مثل دول جنوب شرق آسيا ودول أمريكيا اللاتينية؛ فنصيب الدول العربية من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر على مستوى العالم لم يتجاوز 4,0 في المائة؛ ورغم إمكانية استيعاب الدول العربية آثار الأزمة العالمية، فإن هذه الأزمة زادت من صعوبة التحديات التنموية القائمة والتي يمكن لهذه الدول التغلب عليها من خلال خططها وبرامجها الإنمائية والإصلاحية.

إن إدارة الخروج من الوضع الحالي الذي خلفته تلك الأزمة، يجب أن تكون في إطار مواجهة التحديات التنموية بعيدة المدى للدول العربية؛ ولعل من أبرز هذه التحديات هو تحقيق معدلات نمو عالية ومستديمة، ويكمن لب العلاج في التعليم.

فالتعليم هو المفتاح لغد أفضل ليس فقط للتقريب بين الشعوب كما مضى ولكن لإرساء مجتمع المعرفة وتحقيق التنمية؛ لكن وضع الدول العربية، رغم الإنفاق الهائل في هذين المجالين، مازال متواضعا حيث إن متوسط سنوات التمدرس في قوة العمل العربية والبالغ حوالي 5 سنوات، هو نصف سنوات تمدرس القوة العاملة في بلد مثل كوريا الجنوبية.. ونوعية التعليم هي أقل من المتوسط العالمي بدلالة نتائج تلاميذنا في المناظرات الدولية في العلوم والرياضيات؛ كما أن وضعية البحث والتطوير تحتاج إلى تحسين، حيث ننفق كمجموعة وكنسبة من الناتج المحلي الإجمالي عشر ما تنفقه الدول المتقدمة.. هذا فضلا عن تركز البحوث والتطوير في مجالات تقليدية قليلة الارتباط بالقطاع الإنتاجي ولا تحقق ميزات تنافسية جديدة في الأسواق الدولية.

 

العالم بين السوابق المعرفية والأزمة الاقتصادية وضرورة تطوير التعليم
د. عبد الحق عزوزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة