ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Thursday 29/03/2012/2012 Issue 14427

 14427 الخميس 06 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

      

منذ أن اكتشف الإنسان سر قوة الجماعة، التي يتكاتف فيها أفراد المجتمع من أجل خلق النموذج الأقوى من الحالات الفردية، والقادر على تحقيق ما لا يستطيع الأفراد تحقيقه؛ وهو (أي الإنسان) قد أصبح منغمساً في المساومات، التي تفرضها قوى التجاذبات المختلفة في المجموعة الواحدة، أو قوى مجموعة إزاء المجموعات الأخرى (بعد تطور العمل الجماعي البشري). وبتدرج يشبه تعلم الطفل مراحل المشي، بدأ الإنسان في إدراك تلك المساومات في داخل كل حلقة من حلقات تكون المجتمع؛ فكل صاحب مهنة يعي أن عليه زيادة إتقانه لما ينتج من أجل التغلب على المنافسين، والطفل يقتنع بأن عليه أن يرضي والديه، ومعلميه لاحقاً في المدرسة، وأقرانه أحياناً في أدوار اللعب والتسلية، لأجل السير في حياة طبيعية متزنة. لكن الأكثر قسوة على النفس، هو عندما يرى المرء بأن أفراد أسرته أو الأقربين هم من يمارس تلك المساومات، ويتفننون في الابتزاز للحصول على الثمن الذي يقبضونه لقاء اقتناعهم الطوعي بالسير في خط تواؤمي معه، والرضا بوضع المرء الذي اختاره، واحتضانه لحب ذاته، وليس حب ما يقدم إليهم أو إلى غيرهم. مع تغير الأجيال تغيرت القيم؛ فهذا الجيل الرقمي لم يعد مؤمناً بكثير من القيم والأولويات، التي كانت سائدة قبله، بل لم يعد مقتنعاً بضرورة الانخراط فيها، ولو بحد أدنى مقبول في معايير المجتمع. أما الجيل التقليدي السابق لما قبل طفرة الجيل الرقمي (من تربوا على قيم الأربعينات والخمسينات الميلادية)، وكذلك من اتكأوا عليها فيمن أتى بعدهم، فلا يؤمن لا بالتطور الذي جرى في الحياة في الجيل اللاحق، ولا بالطفرة الرقمية. وقد أدى ذلك إلى أن أصبح جيلنا تائهاً بين الحقبة التقليدية المتغلغلة في مفاصل الحياة، والحقبة الرقمية الطاغية، وغير المعترفة بما لا يدخل في منطقها. من يعرف «الهمام» و»القرم» و»الشقردي» في أزمنة قريبة مضت؟ لمن لا يعرف تلك المصطلحات، وهم قلة – فيما أظن – من يعرفونها؛ «الهمام» هو ذلك الشخص الحريص، أو بالأحرى المتعجل، وربما يصل إلى أن يصبح «مطفوقاً»؛ لكنه ينجز الأشياء بسرعة تفوق ما يحتاجه الآخرون لإنجازها. وعادة لا يكون آبهاً بمشاعر الآخرين، وما قد يسببه لهم من أذى؛ لكن حياة الناس في شبه الجزيرة العربية آنذاك كانت قاسية، إلى الدرجة التي لا يؤبه فيها بمثل تلك الكماليات (أحاسيس الناس ومعاناتهم النفسية). ومصطلح «القرم» يُطلق على الشخص، الذي يضحي منأجل سعادة الجماعة، ضمن مفاهيم الكرم والشجاعة العربية، وكذلك في صفات ثانوية مثل حماية الدخيل، ونصرة الضعيف، والاهتمام بالجار ونساء الحي، إلى غير ذلك من القيم، التي يحتاجها المجتمع للحفاظ على تماسكه، وانتماء أفراده إلى الكيان، مهما كانت طبقاتهم، وظروفهم، التي يمرون بها. أما «الشقردي»، فيُطلق على الشخص، الذي يؤدي مهام متعددة في وقت واحد، ودون تبرم أو ضجر مما يؤديه من أعمال. بل إن شروط إطلاق هذا المصطلح تتطلب أن يكون من يوصف بذلك هو من يقدم عروضه للقيام بخدمة الآخرين على أكمل وجه. ومع تلك الخدمة والإنجاز يتميز «الشقردي» بالخفة والسرعة؛ إذ لا يمكن أن يوصف شخص بدين أو بطيء متكاسل بتلك الصفة، كما يترافق ذلك كله مع خفة الدم والابتسامة، أو بشاشة الوجه. ماذا بقي من هؤلاء؟ هل تعد أي من تلك القيم المذكورة أعلاه إيجابيات في هذا العصر الرقمي؟ في الواقع إن أغلب أفراد هذا الجيل سيفتحون عيونهم دهشة، متسائلين: ويش يحس فيه ذا؟

الرياض
 

رؤية
لكل شيء ثمن.. تقليدي أم رقمي؟
أ. د. فالح العجمي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة