ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Thursday 29/03/2012/2012 Issue 14427

 14427 الخميس 06 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

عن منصور النقيدان وكتابه الجديد
سعد بن محارب المحارب

رجوع

 

-1-

لا أظنني الوحيد الذي سمع بمنصور النقيدان ومشاري الذايدي وعبد الله بن بجاد العتيبي في لحظة واحدة. بدا الثلاثة لبعض الوقت متقاربون في مسارهم، ومواقفهم، وكتاباتهم.

بمرور الوقت، وتشعب تجربة ما بعد التحول، ذاب وهم التشابه وبدا كل منهم مستقلا عن صاحبيه.

مع متابعة القراءة تكوّنت لديّ استنتاجات تخص كتابة منصور النقيدان يمكن توزيعها على ملمحين؛ أما الأول فمحاولته طبع كتابته بطابع بحثي، وغلبة المنهج التاريخي على هذا الطابع، ويتجلى هذا الملمح في شيوع الإحالة والتوثيق في كتاباته، ومسعاه المتكرر لوضع الظواهر التي يكتب عنها ضمن سياق تاريخي.

وأما الثاني فهو الشكل الأدبي لكتابته وخصوصا الدفء العاطفي الذي يجلل عموم ما يكتب.

أشعر كثيرا وأنا اقرأ له بوفائه لكل تجربته في كل مراحلها، وبتفهمه العميق لاختيارات الإنسان حيث كان وكانت ظروفه.

أظن عندما أقرأ لمنصور أنه متسامحٌ مع خياراته بما فيها ما تحول عنها، ورفيقٌ بنفسه وغيره بغض النظر عن الاتفاق والاختلاف.

عندما يكتب عن المشايخ و»الإخوة» في مرحلة ما قبل التحول يكتب بحبر من لازال يحبهم ويعجب بهم ويتفهم خياراتهم رغم أنه لم يعد يشاركهم هذه الخيارات.

ويتعاظم هذا الظن عندي إذ ينقلني في بعض ما يكتب إلى اللحظة التي كانت؛ مكررا بمهارة إحساسه الأول بها.

حاله حال من يعود إلى العيش فيها بكثافتها التي تضم شكل المكان وحدّ الزمان وتفيض بالمشاعر وترسم الملامح؛ لا حال من يستعيد حدثا في لحظة ولت ليحلل وينقد ويستشهد.

بكلمة، يكتب عما كان وكأنه يكون.

هذان الملمحان يظهران –مع غلبة الأول- من خلال كتابه الجديد «الملوك المحتسبون: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية (1927-2007م)».

2- -

الاحتساب فعل يقع بالضرورة ضمن مساحة اجتماعية، وغالبا ما يلامس الاختيار الشخصي، ويأتي نزوله باسم حماية الدين وحفظ الأخلاق ليلغي احتمال التكافؤ بين المحتسب والمحتسب عليه، ويضعف إمكانية الفصل بين النصيحة والتوبيخ، ويزداد الأمر تعقيدا في الحالات التي يكون محل الاحتساب مما يسعه الخلاف الفقهي.

ومن هنا يثير لدى قطاعات اجتماعية واسعة ردود فعل مشحونة ومنفعلة.

تنشطر هذه إلى تأييد حماسي يرى في الاحتساب ضمانة أخلاقية وحافظا أمينا لدين الناس وضميراً يقظاً يقاوم غفوات الضمائر، في مقابل ممانعة لا تقل حماسة ترى فيه وصاية فجة وتغليباً مستفزاً لسؤ الظن.

أظن، ولا اقطع، أن هذه الصورة المحملة بحساسية عالية وتعقيد كثيف، جعلت كثيراً من الكتّاب والباحثين الجادين يتجافون عن الكتابة في هذا الشأن؛ إذ الكتابة فيه دخول إلى معركة عظيمة الخسائر.

أدت هذه السلبية إلى أن تفرغ ساحة الكتابة عن أمر الحسبة في المنابر العامة للكتابة الحماسية المتوترة دفاعاً وهجوماً، فإما المجاملة تهويناً وتغاضياً أو التحامل تهويلاً ومبالغة.

خروج هذا الكتاب عن هذين المسارين هو أول، وأكبر، مزاياه. ففيه سترى تفهماً عميقاً لأن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم تكن في أي يوم مجرد جهاز يقدّم خدمة للمجتمع؛ وإنما شكلاً تنظيميا لأداء شعيرة يبتغى بها وجه الله عزّ وجلّ.

وأن أعضاء الهيئة لم يتعاملوا مع ما يقومون به أبدا بوصفه وظيفة عامة لقاء رواتب ومميزات بل بذلاً لكل ما وسعهم من جهد وتضحيات لحفظ حرمات الله وصيانة المجتمع المسلم.

يجاور هذا تفهم مماثل لنظرة الدولة السعودية للهيئة بوصفها ركنا لا غنى عنه في فلسفة الحكم وإدارة الدولة؛ فلا مجال لمناقشة استمرارها، ولا مستقبل للدعوة إلى إلغائها.

كما سترى فيه رصداً يكشف أن انتقاد بعض ممارسات الهيئة مسار يوازي عمرها المديد، وأن التعبير عن ذلك مساحة شغلها عديد من الناس بأساليب مختلفة قبل أن تتبناه الصحافة بعقود طويلة.

-3-

افتتح المؤلف كتابه بتقديم أفصح فيه أن هذا الكتاب جمع لحلقات ملف صحافي نشره في جريدة «الوقت» البحرينية على إحدى عشرة حلقة خلال عام 2007م، وقال إنه لم يضف إليه شيئاً حتى موعد صدوره في هذه الأيام.

إلا أن الواقع أنه خالف هذا الكلام بإضافة فقرة على صفحتي 119 و120 تخص أوامر ملكية أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز تضمنت دعماً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في مارس من عام 2011م.

ولو كان لي أن أقترح عليه لاقترحت أن يضيف حلقة جديدة في خاتمة الكتاب تضم أبرز التطورات في موضوع كتابه في السنوات الخمس الأخيرة؛ التي فصلت نشر الحلقات عن نشر الكتاب.

استعرض المؤلف في الفصل الأول مفهوم الحسبة وواقعها في محطات متداخلة منذ عهود الإسلام الأولى وحتى الدولة السعودية الثالثة.

أما الفصل الثاني فكان سرداً تأريخيا لمسيرة الهيئة عبر ثمانية عقود، كاشفا أن الاحتساب كان حاضراً في نجد منذ 1901م خارج إطار التنظيم، ثم مراحل تأسيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة المكرمة في عام 1926م، وفي المدينة المنورة في عام 1927م, قبل إنشاء رئاسة عامة للهيئات في عام 1953م، وقد تم ضم جميع الهيئات تحت إدارتها المركزية في عام 1976م، وصدر نظامها في عام 1980م، ولائحته التنفيذية في عام 1986م.

ومضى في سرده ليشمل أبرز التحولات والأحداث، وكذلك الانتقادات التي وجهت للهيئة والردود عليها، حتى منتصف أغسطس من عام 2007م.

وفي الفصل الثالث استعرض المؤلف مجالات عمل الهيئة التي حددتها اللائحة التنفيذية مستندا إلى موقعها على الإنترنت، وإلى حوار أجرته صحيفة الرياض مع رئيسها الأسبق الشيخ إبراهيم الغيث.

وأبرز في الفصل الرابع علاقتها بكبار العلماء والقضاة.

وعرض في الفصل الخامس لانعكاس تفاوت تفسير نظام الهيئة على عملها.

وخصص الفصل السادس لتعميم رئيس هيئة الأمر بالمعروف الذي نشرته صحيفة الوطن في مارس من عام 2002م المتضمن إرشادات لأعضاء الهيئة.

وسجّل في الفصل السابع سرداً للموقف الصحافي النقدي للهيئة بداية من مارس 2002م.

ورصد في الفصل الثامن كلمات ومواقف الملوك السعوديين منذ عهد الملك عبد العزيز –رحمه الله- في دعم هيئة الأمر بالمعروف وتيسير السبل لها لأداء واجبها.

وخصص الفصل التاسع لسرد تجاوزات اتهمت بها هيئة الأمر بالمعروف من عام 1991م إلى يوليو من عام 2007م.

وأبرز في الفصل العاشر استعراضا لاعتداءات وقعت ضد الهيئة من أبريل 1920م إلى يوليو 2007م.

وعرض في الفصل الأخير لروابط على الإنترنت لاثنتي عشرة مادة مصورة حول هيئة الأمر بالمعروف.

-4- وبعد، فإن الأمل أن يكون هذا الكتاب مع ما سيلقاه من ردود أفعال مؤيدة ومعارضة، ومع ما سيسجله القرّاء من استدراكات وتصويبات، بداية لنقاش أقل توترا حول جهاز لعب - وسيظل يلعب - دورا مؤثراً في مشهدنا الاجتماعي.

نقاش ننظر فيه إلى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نظرة موضوعية تلتمس الحق والعدل؛ نكون فيه، وبه، شركاء في البحث عن الخير لمجتمعنا لا خصوماً نتصيّد الأخطاء ونبالغ في تقديرها.

 

رجوع

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة