ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Sunday 01/04/2012/2012 Issue 14430

 14430 الأحد 09 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في غزوة بدر الكبرى، وقف صلى الله عليه وسلم بين الصفوف يعدلها بقضيب في يده الشريفة، فمرَّ برجل يُدعى سواد بن غزية، حليف بني النجار، وهو خارج من الصف، لامس صلى الله عليه وسلم بالقضيب بطن سواد يسويه وقال له: استقم يا سواد، وكانت ملامسة تنبيه لا تعنيف أو عقاب، فقال سواد: أوجعتني يا رسول الله وقد بعثت بالحق والعدل، أقدني من نفسك، أي اجعلني أقتص منك، فكشف صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال: استقد يا سواد، أي اقتص مني، فاعتنقه سواد فقبل بطنه فقال صلى الله عليه وسلم ما حملك على ذلك، فقال: يا رسول الله قد حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد أن يمس جلدي جلدك، فدعا له بخير.

آه يا سواد، ليتك اليوم بيننا، لترى بأم عينك البون الشاسع بين ما كنت تتمتع به وتنعم في علاقتك مع سيد البشر صلى الله عليه وسلم، وأنت تقول له بأبي وأمي “أقدني من نفسك”، من يجرؤ على مثل هذه المقولة التي لا يمكن أن يقولها إلا ذاك الحر الواثق من نفسه، الحر الذي ربي على المطالبة بالحق، الواثق من عدالة من يطلب منه مثل هذا الطلب الذي تتوتر النفس من مجرد التفكير فيه فضلاً عن قوله أو سماعه وما يترتب عليه، قالها سواد وهو يعلم تمام العلم أنه في مأمن وأمان من أن يساء له، أو تهدر كرامته ويؤذى بدنه، أو يزج به في غياهب السجون الضيقة المظلمة، كلا لقد قالها وهو يعلم تمام العلم أنه أمام من بعث رحمة للعالمين لا يقهر عنده أحد ولا يظلم ولا يستعبد، إنه أمام سيد البشر، الذي استجاب لطلب سواد بكل الصدق وبلا تردد، إنها الاستجابة التي تتجلّى فيها عظمة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، تتجلّى في أبهى صورها، في أسمى معانيها، في أروع دلالتها، علاقة لا فرق فيها بين الحاكم والمحكوم، علاقة قوامها المساواة والإنصاف، علاقة قوامها الحق والعدل.

آه يا سواد، لو تعلم مقدار ما يعانيه من جاء بعدك، ومدى ما يقاسيه من آلام القتل والتشريد وهدر الكرامات والحقوق، على أيدي من يفترض أن تكون أولى أولوياته أن يعدل فيهم، ويحفظ لهم أعراضهم ودماءهم وأموالهم، لو تعلم يا سواد ما حصل لقلت جازماً: ما هذا ما كنا نعهده في ولاة أمرنا الذين كنا نقف أمامهم بكل ثقة وثبات، نطالب بالحق العام والخاص، ولا نخشى في ذلك إلا الله، ونعترض على ما نرى أنه مخالف أو مضر، دون تردد أو خوف، ونعرض الرأي بكل جرأة وصدق، بغض النظر عن مدى الرضا بهذا الرأي وتقبله، مدى توافقه مع رؤية ولي الأمر أو تعارضه معه، كنا أحرار رأي وإرادة، لا نرضى الضيم ولا نصبر عليه.

آه يا سواد، لو كنت بيننا لصعقت من هول الفاجعة وحجم الفجوة بين جزار اسمه بشار لا خلاق له ولا أخلاق، تسلّل في ليلة ظلماء وعبر مسرحية هزلية لم تستغرق سوى خمس دقائق غيّر بموجبها الدستور السوري ليناسب هذا الجزار الظالم وليتمكن من رقاب السوريين ويواصل مسلسل القتل الذي مارسه والده الذي ورّثه الحكم بعملية قيصرية في منتهى السخف والاستخفاف والاحتقار لعقول السوريين في تقرير مصيرهم وفق اختيارهم وإرادتهم.

يا سواد الشعب السوري شعب كريم حر شريف، قدره أن يحكمه حاكم ظالم، ونظام باغ لا علاقة له به، لذا لا عجب أن يتسلط هذا النظام على الشعب السوري ويظلمه، الشعب السوري مغلوب على أمره، لا حول له ولا قوة، طالب سلما بالتغيير والتطوير، لكن النظام قابل هذه المطالب بآلة الحرب وبمنتهى الوحشية والبغي، قابل هذا النظام شعبه باعتبارهم أعداء ألداء، ولسان حاله يقول: سأبقى جاثماً على رقابكم، إنه نظام أشد غلظة وقسوة من الأعداء الذين لم يرتكبوا معشار ما ارتكبه من مجازر في حمص وحماة وبابا عمرو ودرعا وغيرها من المحافظات الحرة التي ما زالت ترفع علم الحرية بإصرار وشجاعة.

آه يا سواد، لو كنت بيننا لساءتك حالة الانكسار والذل التي يعيشها المحكوم عليهم أن يعيشوا أذلاء فقراء ولحمدت الله أنك لم تر هذه الوجوه المتوحشة التي تتلذذ بسفك دماء رعاياها لمجرد أنها عبرت سلمياً عن اعتراضها على حالة البؤس والشقاء التي ترزح بين مطرقتها وسندانها.

 

أما بعد
استقد يا سواد
د. عبد الله المعيلي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة