ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Monday 02/04/2012/2012 Issue 14431

 14431 الأثنين 10 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

المازوكية أعزائي لمن لا يعرفها هي عكس السادية وهي ما كانت تسمى فيما مضى “شبقية مؤلمة ساكنة” وتمركزت أو تمحورت تعاريف علماء النفس على العامل الجنسي فقط في تعريفهم للمازوكية والسادية إلا ما ندر،

وتأخذ المازوكية عدداً من الأسماء فالبعض يسميها بالمازوشية وآخرون بالمازوخية وجميع ما تقدم ترجمة لأصل الكلمة باللاتينية MASOCHISM.

وتعرّف المازوكية عدد من قواميس اللغة وقواميس المصطلحات الطبية والنفسية على وجه الخصوص، ولا ضرورة للخوض في جملة تلك التعاريف فكثير منها يحصرها في العامل الجنسي واستعذاب الألم والتلذذ به، فما يهم القارئ اليوم هو التعريف الذي يتناسب مع طبيعة المقال الذي ربطت فيه بين الثقافة العربية أو المثقف العربي والمازوكية، إلا أنني أجد نفسي مضطراً على الأقل لسوق تعريف واحد على الأقل لتوضيح وتبيان ماهية المازوكية، فالقاموس الفرنسي (كيلي، 1975م) يُعرف الماوزكية باللغة الفرنسية بأنها الشذوذ الذي يلزم الشخص على البحث عن الألم، وهو ميل إلى البحث عن الفشل والحزن والتلذذ به. انتهى التعريف.

نتساءل بعد ما سبق من تعريف للمازوكية ليس فقط عن ربطها بالمثقف العربي بل عن حال المثقف العربي اليوم وما وصل إليه، وماذا صنع وماذا أنتج، وما الذي توصل إليه ثم ماذا قدم للأجيال القادمة، وما هو الشيء الجديد الذي أبدع فيه، وأخيراً أي موقع ارتضى لنفسه به بين مثقفي العالم وهو يراهم وقد ذاع صيتهم وانتشرت أسماءهم بما قدموه من علم ومعرفة أفاد أمتهم والأمم جمعاء.

مؤسف بحق حال المثقف العربي اليوم الذي تنازل عن موقعه الريادي بين أقرانه في العالم وجميعنا يعلم أن القيادة تنشأ من الريادة، وأن على مثقفينا أن يمارسوا دوراً ريادياً لكي يصبحوا مؤهلين لقيادة الثقافة العربية. لقد أصبح هم وشغل المثقف العربي الضوء وكيف يُسلط عليه وما يتبعه من شهره فبات يعيش على ما تُفرزه تلك الشهرة وهو بذلك يسعى لها دون النظر للوسيلة فالغاية لديه تبرر الوسيلة مهما كانت، فابتعد بالتالي عن سمو الثقافة وعلومها التي تضع الأمة العربية في موقعها الريادي القيادي واهتم بسطحيات الأمور التي تُهمش دور الفكر وتعلي دور الغرائز والانفعالات فتحول موقع الأمة من الريادة إلى المؤخرة وجعل منها أدواتَ فتن وبؤر صراعاتٍ مهلكة تسهم في تأجيجها قوىً إعلامية ثقافية متربصة معادية تكاد لا توفر فرصة أو تفوت مجالاً تستطيع من خلاله الولوج للثقافة العربية لتحقيق مرادها الذي لا يخفى على القارئ الكريم.

يلجأ كثير من مثقفينا اليوم لاستخدام نمط المتسولين، كالذين يعيبون أنفسهم ليتسولوا على عاهاتهم بعد ذلك على قارعات الطرق، فكثرت الروايات الهابطة والكتب الخاوية والمحاضرات الخالية من علم أو معرفة، وأصبح تسول بيعها وترويجها أهم منها ومن محتواها، وأصبح تسابق الكثير منهم للظهور الإعلامي أهم وأعلى مرتبة من موضوع النقاش فلا يتم تقديم فكرة ولا مناقشة حدث ولا إظهار علم أو كشف معرفة بل الظهور فقط على حساب جميع ما تقدم.

التخلف الثقافي الذي تعيشه الأمة العربية اليوم يستدعي المثقف العربي أن يظهره ويعريه لا أن يتستر عليه ويتحرج منه، عليه أن يحشد جهوده بجسارة بالغة لإظهار ذلك التخلف بشفافية واقتدار حتى نضع نحن وغيرنا أيدينا على مكامن الخلل في فكر الأمة من أجل البدء بتصحيحه والعمل على معالجته. يلزم المثقف العربي اليوم أن يُجري مقارنة بين حال الأمة الثقافي والمعرفي وحال باقي الأمم فيقتبس من الحضارات الأخرى ما يُفيد رفعة شأن الثقافة العربية، ويستحضر تجارب الدول الآخرى ليجلب أسرار ومفاتيح المعارف والعلوم وليس في ذلك عيب أوقصور. على أن يكون المقتبس معرباً أو يُعمل على تعريبه كي تتأصل المعرفة في ثقافتنا وتتأطر بلغتنا العربية التي تواجه أشرس حملة مسعورة للقضاء عليها ونفيها وتحييدها.

لقد كانت العرب ماضياً تقتبس العلوم وتُعربها وتقدمها ثم تعمل على تطويرها، فمع الاقتباس المعرفي يكون اعتماد المنطق العقلي. المنطق العقلي كمقوم ومنم رديف للحياة، ينطوي على التحقق، والتفكر والتأمل، والتدبر والتبصر، بذلك يرجح الاجتهادَ لسلامة الرأي، ويرجح العملَ لرصانة الأداء. إنه يربط الأمور بعللها فلا يدع مجالا لنزق وشطط، ويعري الواقع على علاته، فلا يدع مجالا لتورية وتحريف. والمنطق العقلي، من بعد ذلك، يكون موضوعيا ومنهجيا في التصحيح والتقويم والتحسين باطراد.

هذا ما أراه دوراً ريادياً على المثقف العربي أن يلعبه وعساه بهكذا تمكين لنفسه وتفعيل لدوره في جميع أوطانه، يرود أمته ريادة حضارية من منظور يحضن ضمن الوطن المواطنينَ كافةً في تواؤم وتضامن، على تكافؤ ودون تمييز يفارق بين الناس فيما الناس فيه سواء، لا أن يستعذب الألم ويتلذذ بالذل والهوان ويشكو الحال والمآل فيُصبح مازوكياً هامشياً يبكي عليه تاريخه قبل ذاته ثم يتباكى عليه جيل قادم سيعتمد على ما قدمه له ذلك المازوكي المثقف.

إلى لقاء آخر إن كتب الله.

dr.aobaid@gmail.com
 

المازوكية والمثقف العربي
د.عبدالله بن سعد العبيد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة