ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Tuesday 03/04/2012/2012 Issue 14432

 14432 الثلاثاء 11 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

صحافة العالم

 

التاريخ يعيد نفسه في سورية

رجوع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

جافين بروكيت*

كانت أول زيارة لي إلى الدول العربية في الشرق الأوسط في مايو 1994. وكانت نقاط التفتيش التابعة للجيش السوري تغطي كل مناطق لبنان وسورية نفسها وفي كل مكان أيضاً كانت الملصقات التي تخلد ذكرى باسل الأسد ابن الرئيس السوري حافظ الأسد والمرشح لخلافة والده في السلطة.

والحقيقة أن سورية عام 1994 كانت نتاج الحرب الباردة. تولى حافظ الأسد السلطة في فبراير عام 1971 بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية. وكان ضابط القوات الجوية السورية حافظ الأسد أول رئيس ينتمي إلى الأقلية العلوية. وكان صعوده بداية لسيطرة العلويين على البلاد وهي السيطرة التي تواجه تهديداً قوياً اليوم.

والحقيقة أن سلطة الأسد واجهت انتفاضات مناوئة لها على فترة متباعدة وفي كل مرة كان الأسد الأب ينجح في القضاء عليها بسبب الدعم غير المحدود من الاتحاد السوفيتي (ثم روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991). واشتهر نظام حافظ الأسد بالتدخل في الشؤون الداخلية للبنان المجاورة وعدائه لإسرائيل واستخدام القوة لقمع أي احتجاجات مناهضة له.

ومنذ 30 عاماً قدم حافظ الأسد النموذج للشخص الذي يخلفه وهو ابنه بشار الأسد الرئيس الحالي لسورية. ففي مارس من 1981 اشتعلت حركة المعارضة التي تقودها جماعة الإخوان المسلمين في سورية، حيث كانت هذه الجماعة تحظى بدعم شعبي ملموس نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وشنت الجماعة سلسلة من الهجمات المسلحة على مسؤولي وقوات النظام السوري في مدينة حلب أحد معاقل الطائفة العلوية.

وسرعان ما انتشر العنف في معظم أنحاء سورية. وفي بداية فبراير 1982 خاضت قوات الأسد معركة استمرت 3 أسابيع مع المتمردين في مدينة حماة القريبة من حمص. وما حدث في المدينة في ذلك الوقت يشبه تماماً ما يجري الآن. فالقوات الحكومية المتفوقة عدداً وعدة استخدمت كل ما لديها من سلاح لتدمير أحياء كاملة من المدينة التي ظلت دون إمدادات المياه والغذاء والوقود في هذا الوقت من الشتاء الثلجي السوري حيث كانت القوات الحكومية ترتكب مذبحة كاملة المعاني.

وحتى مع وصول عدد ضحايا هذه المذابح إلى 10 آلاف قتيل لم يصدر رد فعلي ملموس عن المجتمع الدولي باستثناء احتجاجات السفير الأمريكي والدعوة إلى احترام حقوق الإنسان دون أي دعوة للتدخل الدولي لوقف المذابح. وبدا الإعلام الدولي وكأنه مقتنع بتأكيدات نظام حفظ الأسد أن ما يقوم به مبرر في مواجهة جماعة إرهابية متطرفة. وبعد كل شيء، فقد كان النظام السوري هو النظام الوحيد المعروف بقبضته الحديدية. وهناك الكثيرون ممن يعيشون داخل سورية وخارجها يتذكرون دموية النظام منذ 30 عاماً ويعقدون المقارنات بينها وبين دموية النظام الحالي. وهناك سابقة أخرى يبدو أن الجميع نسيها. وقد وقعت في فبراير عام 1926 أي قبل ستة عقود من أحداث 1981. وفي ذلك الوقت كان اللاعبون مختلفون وكذلك السياق العام.

ففي عام 1926 كانت سورية دولة ناشئة تحت الانتداب الفرنسي عندما تم حرمان الدول العربية من حكم نفسها بنفسها في أعقاب انهيار الإمبراطورية العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى وتم وضع سورية تحت الانتداب الفرنسي بدعوى إعدادها للاستقلال. والحقيقة أن الاحتلال الفرنسي تبنى مبدأ «فرق تسد» في التعامل مع سورية حيث كانت هذه الدولة الناشئة تضم عدداً من الولايات العثمانية التي لم تكن قد شكلت دولة واحدة من قبل. وكان التنوع العرقي والديني والطائفي في الأراضي السورية فرصة مواتية للفرنسيين لكي يضعوا كل طائفة في مواجهة الأخرى في إطار سياستها الاستعمارية. وقد مارس الفرنسيون هذه السياسة دون تردد وكان تركيزهم على تصعيد الطائفة العلوية صغيرة الحجم ومنحها وضعاً مسيطراً في البلاد من خلال ضباطها في الجيش.

في يوليو 1925 ثارت ثورة من جانب الأقلية الدرزية في جنوب سورية. وسرعان ما تحولت الثورة إلى مواجهات عرقية ودينية شملت كل أنحاء سورية. وحشد الفرنسيون حوالي 50 ألف من جنودهم ونشروا أحدث الأسلحة التي تم تطويرها أثناء الحرب العالمية الأولى بما في ذلك السيارات المدرعة والدبابات والطائرات التي شاركت في عمليات قصف معاقل الثوار.

وشكلت العاصمة دمشق التحدي الأكبر للاستعمار الفرنسي في ذلك الوقت وفي فبراير 1926 كان الفرنسيون يستعدون للهجوم الأخير. تمت محاصرة المدينة لمنع أي متمردين أو مدنيين من الدخول إليها أو الخروج منها. وتقدمت القوات الحكومية المشكلة من أبناء أقليات سورية مدعومة بالدبابات لتمارس أبشع أنواع القمع وبخاصة ضد النساء والأطفال والمسنين.

وبعد ذلك بأسابيع وفي شهر مايو من العام نفسه نفذ الفرنسيون عملية قصف متزامنة شملت كل أحياء دمشق وكانت الخسائر بين المدنيين ضخمة. وكما حدث بعد ذلك بعقود فإن المجتمع الدولي كان ينظر ولا يفعل شيئاً. ففي ذلك الوقت كانت بريطانيا وفرنسا تسيطران على عصبة الأمم. وكان القمع العنيف أحد مستلزمات الإمبراطوريات الاستعمارية حيث كانت بريطانيا ترتكب سلوكا مماثلا في مصر والعراق اللتين كانتا تحت السيطرة البريطانية في ذلك الوقت. وبحلول أبريل 1927 كانت فرنسا قد نجحت في إجهاض ثورة سورية الكبرى دون أن يعرف العالم على وجه التحديد كم ألف بريء سقطوا قتلى بالسلاح الفرنسي. واليوم ونحن نتابع جولة جديدة من المذابح في سورية علينا أن نتذكر المذابح السابقة في الفترة من 1925 إلى 1927 ثم مذابح 1982. بالتأكيد لا يوجد طريق سهل للتحرك في مواجهة مذابح اليوم. كما لا يوجد حل ميسر للانقسام الطائفي والعرقي للمجتمع السوري ولا ميراث الصراع الذي يمثل جزءا من التاريخ السوري.

نحن الآن أمام هذا الموقف مرة أخرى، حيث نتوقع المزيد من العنف والمزيد من المعاناة وأي محاولة للتدخل الدولي ستتحول إلى فوضى دامية.

ولكن لحسن الحظ وبفضل ثورة تكنولوجيا الاتصالات فإننا قادرون على معرفة كل ما يجري على الأراضي السورية والثمن الباهظ الذي يدفعه الشعب من أجل الحصول على حريته وكرامته بحيث يستحيل تجاهل ما يجري كما يستحيل تصديق مزاعم الحكومات الغربية أنها لا تستطيع عمل أي شيء لوقف المذابح.

* أستاذ التاريخ الإسلامي والشرق أوسطي في جامعة ويلفريد لوريه (ناشيونال بوست) الكندية

 

رجوع

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة