ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Saturday 07/04/2012/2012 Issue 14436

 14436 السبت 15 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

تشكل المسافة بين الطرح النظري والممارسة القياس الذي بمقداره يتم تصور درجة التحضر في التجمعات البشرية، ولعل أكثر أزمة واجهها الإنسان كانت في قدراته العجيبة على التنظير التجريدي ثم فشله في تطبيقها على نفسه، وقد وقع في ذلك الخلل جميع النظريات التجريدية في التاريخ، كان آخرها السقوط المدوي للشيوعية بعد أن فشل منظروها في تطبيقها على الحزب المركزي، والذي ظهر في أواخر أيامه كحزب إقطاعي يملك الأخضر واليابس، بينما تعيش الأغلبية ضنك العيش والقهر، وكان في مقابل تلك التجربة المركزية الشرقية التطور التدريجي للأنظمة في الغرب والذي قادها من عصر الإقطاع إلى السيطرة على منافذ التجارة والإبداع وبراءات الاختراع في العالم في ظل خضوع النظريات السياسية والاقتصادية إلى الفحص المستمر والتعديل من أجل تضييق تلك الهوة بين النظرية والتطبيق.

كذلك وقع كثير من دعاة ورموز الإسلام السياسي في نفس الخطأ عندما رفعوا شعار الإسلام هو الحل، في حين فشلوا في تقديم الحلول التي تجعل من ذلك الشعار أدوات قابلة للتداول والتطور بين الناس، والسبب كان -ولا يزال- كثرة الإرشادات والوعظ غير القابل للتطبيق، ومن السهل جداً أن تعظ الناس في حياتهم، لكن قد تهتز صورة الواعظ كثيراً حين يمارس حياته في طريقة مخالفة لما يقدمه في دروسه اليومية، كذلك يقع في ذلك المفكر والإداري عندما يفشلان في تقليل ذلك البعد بين النظرية والتطبيق إلى أقرب مسافة ممكنة، وعندما يفشل السياسي في إخضاع تطبيقات نظريته في الحكم على جماعته المقربين. لكن الوضع العام قد يبدو متشائماً عندما لا تستطيع السلطة أو الدولة من خلال مؤسساتها تقريب المسافة بين النظرية والتطبيق، فقد تدعو ليلاً ونهاراً لمكافحة الخلل في تطبيق النظرية على فئات أدنى، لكن يظهر التناقض ويكثر اللغط والتذمر عندما يتم استثناء أخرى من تطبيقاتها.

عرف العرب الحكمة منذ القدم، وأجادوا في تقديمها في شعرهم العذب، وقد قالوا: (لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله... عارٌ عليك إذا فعلت عظيم)، وقالوا: (وان خالها تخفى عن الناس تعلم؟)، تختزل تلك الكلمات كثيراً من التحليل لتوضيح مشكلة البون الشاسع بين النظرية والتطبيق، ولعلها تعد العامل رقم واحد فيما يحدث في العالم العربي من ثورات إنسانية، فالحكاية لا تخلو من ازدياد الوعي في تقدير تلك المسافة بين النظرية والتطبيق، وقد يستحيل تطابقها، لكن يجب أن تكون على الأقل متطابقة من أجل أن يعي الناس أن هناك جهداً لتضييق الخناق على الخلل، ولو تأملنا ما يحدث في الشرق العربي لأدركنا أنهم أغلبهم وقع في المأزق الأخلاقي مثلما سقط فيه المعسكر الشرقي خلال القرن العشرين.

صدرت في الآونة الأخيرة كثير من القرارات التي تؤسس لمبدأ احترام القانون والأنظمة، لكنها مازالت تعمل في إطار ضيِّق جعل منها عرضة للانتقادات، كان آخرها قرار تأسيس مكافحة الفساد، والذي قد لا يجد النجاح لأسباب لها علاقة بالتنظيم المؤسسي، إذ لا يمكن لجهود فردية أن تقلل من التباعد بين النظرية والتطبيق، ويحتاج الأمر إلى أبعاد أخرى تجعل من الجميع يخضع للمحاسبة والمراقبة، ومن خلال الشفافية تُختصر المسافات، ونصل إلى واقع يحظى بالاحترام، ولكي تنجح النظرية لابد أن تكون صالحة للتعامل مع الواقع، إذ لا يمكن أن تنجح التطبيقات النظرية من دون أن تكون مطلباً ملحاً من الناس.

كان -ولا يزال- حل دولة المؤسسات الحل الأمثل لتطبيق سياسة الفحص المستمر وتحقيق التوازن في المجتمع، بدلاً من سياسة عنق الزجاجة التي تمر من خلالها كل الأشياء، وقد أثبت تاريخ الإنسان خطورة مثل هذا النهج على الاستقرار، وهو ما يجعل الحلول الأمثل لتقريب المسافات بين النظرية والتطبيق تخضع لمصالح فئوية، وينطبق هذا الخلل على مختلف الدوائر والمؤسسات التي تُدار من خلال عقلية فئوية بحتة، وخلاصة الأمر أن الحل الفردي كان ناجحاً في أزمنة كان يحكمها التخلف والجهل، لكن في العصر الحاضر تبدل الحال وأصبحت الضوضاء تحكم الواقع، ولا مجال إلا بإسكاتها من خلال العمل المؤسسي الذي لا تحكمه رغبات الفرد أياً كان، وذلك من أجل أن يظل الوطن مناراً تهتدي به الأمم.

 

بين الكلمات
ماذا يعني الخلل بين النظرية والتطبيق؟
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة