ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Monday 09/04/2012/2012 Issue 14438

 14438 الأثنين 17 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

قبل أقل من عامين خطف موقع ويكيليكس الأنظار.. قوة إعلامية ضاربة ستغير لعبة السياسة الدولية..

لكن بعد بضعة أشهر حوصر الموقع وصار يحتضر، فأعلن البعض تأبينه.. ثم مرة أخرى في برهة من الزمن عاد سريعاً مفعماً بالحياة.. فما الذي يحدث، هل هي مؤامرة؟

دورة النهايات والبدايات التي تتشكل بطريقة مفاجئة في نظر المشاهد البعيد لسياق الأحداث، قد تكون في الواقع حالة صراع يمرض ولا يموت يدركه المراقبون عن كثب. أما المشاهد الكسول فيحلل وفقاً لمزاج الكرسي الذي يجلس عليه، أو يتخيل ما يحلو له من التحليلات ويركب نظرية مؤامرة لا وجود لها إلا في إيديولوجيته. ونظريات المؤامرة المركبة على ويكيليكس تعتمد على الدوافع وطرق عمل الموقع، بينما الأصل في الأحكام هو الأدلة، وأصحاب نظرية المؤامرة لا يملكون دليلاً واحداً!

كان يظهر من سيناريو الأحداث أن الهالة الإعلامية الفاقعة لويكيليكس انطفأت، ومؤسسها جوليان أسانج المزعج سيقبع منسياً بأحد السجون الأمريكية. لم يكن هذا رأي أسانج الذي قال: “ما أفعله مجدٍ.. أنت تعيش حياتك مرة واحدة. إذن، لم لا تفعل شيئا مجدياً؟”. أسانج لا يخشى الاعتقال بل يرى أن السلطات الأمريكية تخشى من يحاسبها. ففي نوفمبر الماضي بلغ الضغط الأمريكي ذروته، وعانى ويكيليكس من شح الموارد والمضايقة الشديدة من مراقبة وإيقاف وقرصنة، وحتى الطرد من مواقعه الافتراضية في الإنترنت، أو موقعه الحقيقي في أرض الواقع.. ومحاصرة أسانج القابع تحت الإقامة الجبرية في بريطانيا والمتوقع تسليمه إلى السويد، التي بدورها قد تسلمه إلى أمريكا..

في نهاية نوفمبر الذي بدا خائباً لويكيليكس وقاتما للشفافية، انطلقت عنقاء ويكيليكس من جديد، حين حاز الموقع على جائزة ووكلي الأسترالية لأبرز إسهام صحفي، مبررة بأن القائمين على ويكيليكس أظهروا وفاء لأنبل تقاليد الصحافة “العدالة عبر الانفتاح”.. والموقع سبق أن نال جائزة من منظمة العفو الدولية.. وفي ديسمبر شرع الموقع بتسريب ملفات التجسس مطلقاً 287 ملفا.

ومع بداية عامنا الجديد أعلن أسانج أنه سيدير برنامجاً تلفزيونياً حوارياً حول مستقبل المجتمع الدولي، من أجل غد زاهر للبشرية. بعدها أعلنت قناة “روسيا اليوم” أنها ستعرض برنامجه بعنوان “العالم غدا”. وفي فبراير فجرت ويكيليكس قنبلة مدوية بتسريبها أكثر من خمسة ملايين وثيقة سرية لشركة ستراتفور الأمريكية المتخصصة بجمع المعلومات وتقديم خدمات استشارية لوزارة الدفاع والأمن القومي والجيش الأمريكي. وذكرت ويكيليكس أن بها معلومات داخلية تجسسية..

في ذاك الشهر ذكرت رويترز أن أسانج سيكون أحد نجوم أشهر المسلسلات الأمريكية “عائلة سيمبسون” الكرتوني الكوميدي، وسيتحدث بصوته في الحلقة الخمسمائة اليوبيلية حيث ستنتقل عائلة سيمبسون إلى كوخ وسيكونون جيران شخصية أسانج. وفي منتصف شهر مارس أعلن أسانج عن نيته للترشح لانتخابات مجلس الشيوخ الأسترالي التي ستجري العام المقبل، مما يفسح المجال لو نجح بإمكانية ولو ضئيلة أن يصبح رئيس وزراء. وكانت رئيسة وزارة أستراليا قد أدانت أسانج بأنه لا يتمتع بحس المسؤولية مطلقا! وتعقيباً على ردود الفعل السلبية ضد ويكيليكس سبق أن أعربت المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة عن قلقها إزاء “الحرب الإلكترونية” ضد ويكيليكس.

كل هذا النشاط المذهل وأسانج لا يزال في بريطانيا قيد الإقامة الجبرية، ولم يسلَّم بعد. الذين لا يعرفون طبيعة القضاء البريطاني وتحفظه الشديد على تسليم المتهمين للدول الأخرى قد يميلون لنظرية المؤامرة. وأصحاب نظرية المؤامرة بالأساس كانوا ينظرون لمسألة ويكيليكس برمتها كمؤامرة، فتسريبات ويكيليكس تؤجج أي خيال فما بالك بأصحاب الهواجس!؟

ففي ذروة مجد ويكيليكس، ذكر أصحاب نظرية المؤامرة أن الدافع مشبوه بالاستناد على مبدأ من المستفيد ومن المتضرر. كثيرون يرون إسرائيل مستفيدة أو أقل المتضررين، البعض يتطرق لاستفادة مؤسسات أمريكية، والبعض يحكي عن هدف إيجاد فوضى خلاقة لإعادة ترتيب المنطقة. الحجة الثانية لأصحاب نظرية المؤامرة هي أن الكم الهائل من المعلومات السرية وسرعة انتشارها لا يمكن القيام بها إلا من خلال مجموعة ضخمة ممولة بسخاء وفائقة التنظيم والحماية، وهذا لا يتوفر إلا من مؤسسات استخبارتية ضخمة. أما الحجة الثالثة فتتساءل كيف يمكن لهذه الأعمال غير القانونية أن يسمح بها في دول لها قانونها، بينما أعضاء الموقع يسرحون ويمرحون بلا رادع.

وكما يفعل غالباً أصحاب نظرية المؤامرة، فالحجج استبدلت بغمضة عين بأخرى عندما بدا أن الموقع سيتوقف. هنا، انبرى أصحاب نظرية المؤامرة بتصورات جديدة معتبرين أن ويكيليكس كانت “تركيبة معقدة من قوى عالمية ناشطة وراء الكواليس أفردت لأسانج مهمة محدودة انتهت بمجرد أنها حققت أهدافها وأسفرت عن التأثير المطلوب. لذا يعتقد عدد من المحللين أن ويكيليكس كانت مجرد وسيلة استخدمت لإثارة هزات واسعة النطاق في السياسة العالمية”؛ كما نقل موقع “روسيا اليوم”.

للذين يبحثون عن دافع لويكيليكس فهي تعتبر نفسها مؤسسة مجتمع مدني تدافع عن الشفافية والمكاشفة كحق من حقوق الإنسان. وللذين يظنون العملية من التعقيد بحيث تحتاج تآمر دول ومنظمات، نقول العملية ليست عسيرة.. إذ يمكنك إيصال أضخم الملفات للعالم في شريحة بحجم حبة حمص. أما تقنية اختراق المواقع السرية فقد رأينا أن شباباً تمكنوا من اختراق أشد الحواجز مناعة.. والمتهم بتسريب الوثائق الأمريكية برادلي ماننج، وهو محلل للمعلومات الاستخبارتية، يقول في محادثة بينه وبين أحد قراصنة الإنترنت: “العملية في غاية البساطة. إذ أمكنني أخذ شريط موسيقي باسم شيء كالمغنية الليدي جاجا، ثم أمحو محتواه الموسيقي، وأنسخ الوثائق بعد ضغطها. لم يشتبه أحد بشيء..”

التحدي الصعب ليس في خربشات مؤلفي نظريات المؤامرة، بل في شيء آخر.. ثمة ملايين الوثائق السرية سربتها ويكيليكس وغيرها من المواقع، فماذا ستعمل الذاكرة معها؟ وكيف ستستقر المعرفة مع نصوص متجددة وسريعة الزوال.. نصوص يتم فيها الإضافة والتعديل على مدار الساعة، ويصعب الحفاظ عليها في شكلها الأصلي؟ كيف سيصنف المحللون درجة مصداقيتها، وهل يكفي عدد المحللين لهذا الكم الهائل اللا متناهي؟ الإعلام الرقمي لم يعد شيئا ملموساً، بل مجرداً.. ذلك جعل من المعرفة الرقمية شكل فقاعات يصعب الإمساك بها، وثقافة ضعيفة الذاكرة!

alhebib@yahoo.com
 

ويكيليكس.. عودة العنقاء!
د.عبد الرحمن الحبيب

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة