ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Tuesday 10/04/2012/2012 Issue 14439

 14439 الثلاثاء 18 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

الشقاوة والتسلق جزء من تركيبة الطفولة التي يشحن بها المرء منذ سريرته، وهي سمة بغيضة عند بعض الأسر، مثيرة للضحك والمرح عند البعض الأخر، ويتواكب مع تلك الشقاوة الطفولية على الأغلب فوضى انتظام المكان ونوبات من الغضب والاحتراق تزفر بها الأمهات والخادمات بين وقت وآخر، ما يدعو للاطمئنان أن الشقاوة تتضاءل مع الأيام حتى تذوي معالمها، لكن التسلق مسألة أخرى قد تمتد مع البعض فتصبح عادة شبابية مزمنة آثارها يعايشها شخص أو أشخاص آخرون غير الأسرة، ما يختلف حقيقة بين مسلكية الصغار والكبار هو مضمون ذلك التسلق، فبينما تظهر معالمه عند الأطفال فوق حواف الأثاث وأغصان الأشجار والمرتفعات، يشب به المرء ذكراً كان أو أنثى، وبكل قوة متسلقاً على أكتاف الآخرين، فالتسلق وسيلة للوصول السهل للأهداف دون أدنى تعب أو خسائر، وهو ألعوبة العصر الحديث التي أخذت مسميات عديدة عند المتسلقين كالمنفعة والمصلحة والاستفادة من الآخر، وفي أفضل حللها يطلق عليها الثقة المثلى بعمل الآخر، مدهش ما يتعلمه الإنسان منذ الصغر من ألاعيب تساهم في بلوغه لأعلى القمم دون أدنى محاسبة، والأمر والأدهى ما يقدمه لنفسه من أعذار تزحف بمشاعره بعيداً عن الإحساس بالذنب أو الخجل من الآخرين، فهو يقتات على ظهر الغير، ويحصد نتاج عرق وجهد الغير بأريحية في الضمير تفوق الوصف، وهو قادر رغم عجزه عن القيام بالمهام ذاتياً من قبول مهام جديدة ينفذها على الأغلب الغير عنه، فهو أضعف من أن يقوم بها بنفسه، أو يرى في الكسب السريع المريح شيء من الذكاء، وطالما هنالك أكتاف منخفضة سيكون هنالك تسلق بلا أدنى شك لتلك الأكتاف ينجم عنه استيلاء وقح على مخرجات الغير.

والحقيقة أن صاحب الأكتاف المنكوبة قد لا يشعر على الإطلاق بثقل الحمل على كتفيه، فمعجبو رياضة التسلق قادرون على جعله يشعر بالرضى في قيامه بدور البطولة المطلقة خلف الكواليس.

ما يحزن كثيراً هو خاتمة المشهد حين يحمل المتسلقون الثمار معهم تاركين خلفهم ذلك البطل يئن ألماً من وجع كتفيه، وصوت ضحكاتهم يحفر في أذنيه استهزاء بسذاجته بتصديق دور البطل.

ما مضى من تصوير لمشهد التسلق على أكتاف الغير، ما هو إلا تجسيد مبسط لواقع يدور وبصور عديدة في عالمنا الحالي، ففي كل بيئة تعليمية ووظيفية وحتى أسرية نرى الآن هذا التسلق بأشكاله العديدة، ونتسمر حزناً وانكساراً لأشخاص لمسنا استغلالهم من الغير وعايشنا ضياع حقوقهم سراً وعلانية، فبعض هؤلاء ممن ضاعت حقوقهم تغاضوا عنها وتراجعوا عن المطالبة بها خوفاً أو خضوعاً أو حتى احتساباً، والبعض الآخر اعترفوا بتسليمهم أكتافهم طواعية للغير مقابل مصلحة يتوخونها عندهم، وقلة فقط منهم طفح الكيل عندهم وارتأوا الهجوم المرتد على أي متسلق يدنو من كتفيهم، فقرروا أن يعلنوا إجازة رسمية طويلة لأكتافهم، تمنع على أي متسلق استخدامها بأي شكل من الأشكال.. قد نكون جميعنا بحاجة لمثل تلك الإجازة نمنحها لأكتافنا، تحضر التعامل مع الغير ممن يعشقون التسلق، وقد نلجأ لوضع رسالة إليكترونية أو حتى صوتية لكل من يحاول تسلق تلك الأكتاف تردد وبكل قوة وشجاعة: “عفواً أكتافي في إجازة”.

salkhashrami@yahoo.com
 

عفواً أكتافي في إجازة
د. سحر أحمد الخشرمي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة