ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Tuesday 10/04/2012/2012 Issue 14439

 14439 الثلاثاء 18 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

 

رحلت أم اليتامى

رجوع

 

لم تكن امرأة عادية بمقاييس البشر وأجزم بأن كل من عرفها يشاطرني هذا الرأي ولعلكم تشاركونني قرائي الأعزاء الحكم بعد أن أسرد لكم نزرا يسيرا من سيرتها.

حين حرمت الذرية لحكمة يعلمها الله لم تحرم أن تكون أما للعديد من الأبناء والبنات حولها. كانت نهرا متدفقا من الحنان وشحنات من رقة القلب وطاقة لا تنضب من المحبة والود أغدقتها على المحيطين بها وخاصة فئة الأيتام. عرفت بصلتها لرحمها فحين تأتي الرياض لمراجعة المستشفى لا تكف عن السؤال عن أحبتها والاتصال بهم والاطمئنان عليهم ولا تتوانى مع ما تعانيه من آلام وضعف عن زيارتهم والتواصل معهم ما أمكنها ذلك.

اختصتني رحمها الله بفيض من لطفها فكنت لا أعلم بوصولها الرياض لمواعيدها الطبية إلا حين يدغدغ سمعي صوتها الحاني عبر الهاتف كما تخصني بزيارة أجد فيها ومعها الأنس بعبق الماضي لما ترويه من قصص عن أجدادنا ولا أجانب الصواب أنها كانت تدعو للأموات دعاء المخلص الودود ثم تخبرني عن طفولتها وما مر بها تعطر ذلك بالشكر والثناء على ربها وما أغدق عليها من نعم فهي نعم الصابرة المحتسبة الشاكرة ويصدق عليها قوله تعالى: وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ .

اتسمت بميزة فريدة أخرى فلم يزل لسانها بذم أحد أو التعلق بسيرة احد, كانت تروي الجميل وتغض الطرف عما سواه وإذا أرادت الحديث للعبرة والعظة تروي لك الحدث دون ذكر أسماء.

صادقة فلو ذكرت لك قصة أو حادثة وطلبتها بعد عشر سنوات أن تعيدها لم تكن لتزيد فيها حرفا واحدا فهي الصادقة الصدوقة.

كانت راضية محتسبة صبرت على ما مر بها من أمراض فمنذ عرفتها وهي تعاني وتراجع المستشفيات وفي آخر زيارة لها للمستشفى التخصصي روت لي ما حدث ولسانها يلهج بالدعاء لأطباء سعوديين من فئة الشباب أحاطوها بلطفهم ورعايتهم فدعت لهم ولوالديهم.

كنت أحرص على زياراتها في بيتها في مدينتنا الحالمة ( عنيزة) أو تزورني في مقر إقامتي وآخر زيارة لها كانت في شهر ذي القعدة الماضي سألتني عن الجميع ثم طلبت مني مرافقتها لغرف منزلها وفتحت لي خزانة أدواتها المنزلية وألحت علي بأن أنتقي منه ما يعجبني أجزم بأنها تجد لذة في العطاء والبذل المادي والمعنوي على حد سواء ومنذ الآن سأستخدم ما منحتني إياه لأظل دائمة الدعاء لها ولعلمي أن ذلك يسعدها.

أخبرتني بأنه تقدم لخطبتها الكثير ورفضتهم لأنها أشبعت أمومتها برعاية إخوتها بعد فقد أمهم حتى شبوا وعندما علمت بوجود أيتام لدى أحد المتقدمين تراجعت فتقول (تراجعت ورجحه لدي وجود أيتام لديه فقدوا أمهم بحاجة لرعايتي ) وكانت تتابعهم صباحا حتى تطمئن على دخولهم إلى مدارسهم وتعود مسرعة لبيتها وعندما رفض أحدهم تغيير ملابسه وارتداء ما تراه لائقا حملت الملابس ولحقته للمدرسة وأشارت لحارسها باستدعائه وانعطفت به جانباً وجعلته يستبدل ملابسه بأفضل منها وقبلته وانصرفت خشية أن ينكسر خاطره أمام زملائه.

كانت تغسل وتكوي ملابسهم فلم يرأحد أي تقصير منها فكانت تحاسب نفسها وتشدد عليها الحساب وكم رأينا ابن زوجها الصغير ( أحمد ) بصحبتها في زيارة منازل الأسرة، أدركت الآن لم تخصني بالاتصال والزيارة ؟ ربما لفقد زوجي رحمه الله ووجود أبنائي أيتاما فكانت تحضر لهم في صغرهم بعض الحلوى.

لم تر- رحمها الله- إلا باسمة وهذه إحدى مميزاتها كانت تتصدق بها على من حولها (تبسمك في وجه أخيك صدقة).

وبالإضافة لذلك فهي مدرسة في الزهد والصبر والاحتساب والجود والعطاء وصلة الرحم والرفق والحنو على ذوي الحاجات.

رحم الله أم اليتامى ابنة عمي مضاوي عبدالله القاضي والتي انتقلت إلى الرفيق الأعلى قبل أيام وصيتي لكل من طاله برها وحنوها ببذل أصدق الدعوات بأن ينزلها المولى منازل الأبرار ولنا فيها وفي سلفنا الصالح أسوة في الرفق فما كان الرفق في شيء إلا زانه وهمسة في أذن كل زوجة أب أن تحذو حذوها لنجلو عن أذهاننا ما خلفته المسلسلات من صورة بشعة لزوجة الأب وإن كنا لا نعدم في مجتمعنا النماذج المشرقة ولله الحمد.

كم سنفتقدك أختا وفية أما حانية صديقة صدوقة عزاؤنا أنك في ضيافة الكريم جمعنا الله بك ووالدينا وأحبتنا في مقعد صدق عند مليك مقتدر.أحر التعازي لأهلها ومحبيها وهم كثر.

فوزية عبدالعزيز القاضي

 

رجوع

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة