ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Tuesday 10/04/2012/2012 Issue 14439

 14439 الثلاثاء 18 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

صحافة العالم

 

أوهام تحيط بالأزمة السورية

رجوع

 

روجر أوين *

هناك خمسة أوهام تحيط بالأزمة السورية المشتعلة منذ عام، الوهم الأول أن رحيل الرئيس السوري بشار الأسد سوف ينهي العنف: لقد ركزت الجهود الدولية لوقف العنف في سوريا على إجبار الأسد على التنحي، ولكن حتى لو فعل ذلك، لن يكون هناك تغير في السياسات الحكومية لقمع ناشطي الجيش السوري الحر والتظاهرات بالقوة؛ فالمحيطون بالرئيس عبارة عن عقدة محكمة الربط تتكون من مجموعات من الجيش والمسئولين الأمنيين، غالبيتهم من الأقلية العلوية، الذين أصبحوا فاحشي الثراء في العقدين أو الثلاثة السابقين، بدءًا من حكم والد بشار حافظ الأسد. ففي دوائر النظام وبخاصة بين الرجال الأكبر سنًا الذين كانوا رفقاء قريبين من والده، فإن بشار الأسد يُرى على أنه مجرد رمز يتمتع ببعض المصداقية بين قطاعات من الشعب السوري. ولكن من السهل استبداله بشخص أكثر قوة منه، بل وربما أكثر التزامًا بالقمع وتجاهل الإدانات الدولية.

الوهم الثاني، من الصعب على الأطراف الخارجية أن تعلم ما الذي يحدث حقيقة في سوريا: مثل أي نظام ظل في الحكم لعدة عقود، فإن طريقة سوريا في التعامل مع المنشقين معروفة، من التدمير الجزئي لمدينة حماة عام 1982 إلى القضاء على التهديد الذي يمثله ثوار الإخوان المسلمون.

لذا فعندما اندلعت تلك الثورة منذ ما يقرب العام، لم يكن هناك شك في أن الأسد وأفراد عائلته ومستشاريه العلويين، سوف يردون بنفس المنهج مع اختلافات بسيطة، ثم يقومون بعد ذلك بإلقاء لائمة الانتفاضة على بعض العناصر الفاسدة المدعومة خارجيًا، بالإضافة إلى السيطرة على الإعلام واستخدام وحدات الجيش الموالية له لمحاولة قمع المعارضة.

ولكن اليوم، وعلى عكس 1982، ثبت أن إخفاء جرائم النظام أكثر صعوبة بكثير، فالأخبار تتناقل عبر الشهادات الشخصية للمواطنين السوريين عبر محادثات الهاتف مع أقربائهم بالخارج، ومن خلال الفيديوهات وصور الهاتف المحمول، ومن خلال المناقشات المنتشرة مع بعض الصحفيين الأجانب ومفتشي الجامعة العربية الذين سمح لهم نظام الأسد بدخول البلاد، بعد أن حاول الأسد أن يقنع العالم الخارجي أن كل شيء على ما يرام، قدم الثوار صورة قاتمة للقمع الوحشي والاضطهاد الدموي الذي يرتكبه النظام السوري.

ليست الحدود الخارجية للبلاد هي فقط التي يصعب إغلاقها، ولكن الإنترنت نفسه يجعل من الصعب عمليًا منع انتشار الأخبار إلى خارج البلاد، فالتكتيكات التي استخدمها النظام في حمص، بقطع الكهرباء واحتلال أجزاء من المدينة والانتقال من منزل إلى منزل للقبض على الشباب وإرهاب القلة الباقية من السكان، أثبتت كلها أنها بلا فاعلية وكانت فقط علامات يائسة على ضعف النظام الذي لم يستطع إيجاد أي طريقة أخرى لوقف انتشار أخبار جرائمه إلى الخارج.

الوهم الثالث أن سوريا تتجه إلى حرب أهلية: ظل النظام السوري يهدد بالحرب الأهلية وصدق ذلك أوباما والغرب كله بأن الوضع سيتحول إلى حرب أهلية، لكن الواقع يشير إلى أن البلاد في حرب أهلية منذ أمد، فقد تقسمت مدن مثل حمص وحماة إلى أحياء موالية وأخرى معادية للنظام السوري، وكان يتم إجبار سكان تلك الأحياء من المعارضين إلى أحياء أخرى بحثًا عن الأمن.

أما على النطاق الأوسع فهناك الكثير من الدلائل التي تشير إلى وجود انقسامات حادة تحولت إلى العسكرة داخل التجمعات الطائفية الأكبر مثل العلويين والمسيحيين والأكراد.

فقد تشرذمت العائلات ما بين مؤيد ومعارض للنظام وداعميه، ومعظمهم دخلوا في نقاشات حادة حول من يجب أن يلقى عليه باللائمة، والنتيجة كما رأيناه في العديد من الحروب الأهلية الكبرى في لبنان والبوسنة هو انتشار العنف والكراهية بين المواطنين وانتشرت ثقافة «إما قاتل أو مقتول» بصورة وحشية ربما تتخطى تلك الموجودة في الحروب التقليدية بين الدول.

ومن يتردد في وصف ما يحدث في الانتفاضة السورية بأنه حرب أهلية غالبًا هم من الداعمين للتدخل الدولي، فإذا ما تم توصيف الوضع بأنه حرب أهلية فسوف يكون من الصعب إقناع الدول بالتورط فيها لأن مخاطر مثل ذلك الصراع تنتشر إلى الدول المجاورة.

الوهم الرابع أن تغيير النظام الليبي يعد نموذجًا لسوريا: كثيرًا ما يتم الاستشهاد بالتجربة الليبية على أنها نموذج ملهم لسوريا، فالتدخل الخارجي يمكن أن يبدأ بضغوط من أجل السماح بمساعدات إنسانية ثم إنشاء ممرات آمنة محمية ثم خطط أجنبية لفرض مناطق حظر طيران، ولكن حكومة الأسد على وعي تام بمثل تلك المخططات لذلك فإنها مستعدة لمواجهتها ومقاومتها.

فمن ضمن الأسباب التي أدت إلى أن النظام السوري أكثر تماسكًا من نظام معمر القذافي وتمتعه بدعم شعبي أكبر أن لديه كتائب كثيرة من القوات معظمها من العلويين لا يزالون مؤيدين ومتمسكين بالنظام بصورة كبرى، كما لدى النظام شبكات واسعة من المخبرين والشبيحة وعملاء الاستخبارات وكلها على أتم الاستعداد لمواجهة مثل ذلك الخطر وتستعد له منذ عقود.

كما أن سوريا تتمتع بالدعم الدبلوماسي من روسيا بقيادة فلاديمير بوتن، والتي تعد الموفر الأساسي للمعدات العسكرية للنظام.

الوهم الخامس انه يجب على المجتمع الدولي أن يتدخل لوقف العنف: من الصعب للغاية على الحكومات الغربية ومنظمات حقوق الإنسان الدولية أن تتجاهل الأخبار اليومية والتقارير والصور التي تتناقلها الشبكات الاجتماعية لذلك التدمير للمدن السورية والتعذيب الممنهج والقتل لآلاف الأشخاص في البلاد، ولكن أيضًا هناك مشكلات في فعل أي شيء عاجل لوقف ذلك العنف.

ولكن كما تعلمنا من دروس التاريخ فإن محاولة وضع حد لذلك النظام الشرير وسياساته الفاسدة يمكن أن تجعل السياسيين يغضون الطرف عن الجانب الآخر من الحقيقة، وهو أنه ستسقط أعداد كبيرة من المدنيين في ذلك الصراع أثناء محاولات إنقاذ حياتهم، فقد ترملت مئات الآلاف من النساء الأفغانيات على سبيل المثال أثناء الغزو الروسي للبلاد ثم محاولة تحرير البلاد من ذلك الغزو منذ ثلاثين عامًا.

لذلك فإن الحل الأمثل -كما تراه إدارة أوباما- هو اتخاذ إستراتيجية طويلة الأمد لعزل نظام الأسد بعقوبات رادعة وعقابية مصممة لإعاقة الاقتصاد السوري، تصاحبها تحذيرات للسفر، بالإضافة إلى العبارات التي أطلقتها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بأن وصف مجرم حرب يتطابق تمامًا على بشار الأسد.

*أستاذ تاريخ الشرق الأوسط بجامعة هارفارد الأمريكية (واشنطن بوست) الأمريكية

 

رجوع

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة