ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Monday 16/04/2012/2012 Issue 14445

 14445 الأثنين 24 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

تدور في هذه الأيام مناقشات مستفيضة وتساؤلات عديدة عبر وسائط الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عن ظاهرة الانتحار، والأسباب والدوافع التي تفضي بالمنتحر إلى إنهاء حياته، وذلك على خلفية مأساة إقدام سعوديين في الآونة الأخيرة على الانتحار.

قبل الحديث عن أسبابه ودوافعه، فإنَّ الانتحار على وجه العموم ظاهرة إنسانية تحدث في الكثير من البيئات والمجتمعات العالمية، وهي تتزايد باطراد خلال الزمن. إذ تشير بعض الإحصائيات الحديثة إلى وجود نحو مليون حالة انتحار مسجلة سنوياً. وأضعاف ذلك بما يخص محاولات الانتحار.

والأسباب والدوافع تعود في الغالب إلى البيئة الاجتماعية الحاضنة للضغوط والأزمات الإنسانية، ومنها الفقر والبطالة والفشل العاطفي والدراسي والوظيفي، والمشكلات العائلية، والأمراض النفسية، وما تحدثه من آثار قاسية على المنتحرين، تصيبهم بحالات الاكتئاب والقلق وزيادة الشعور بعدم الاستقرار، بما يدفعهم في لحظة ضعفٍ ويأسٍ وغضبٍ وإحباط وانفعالٍ إلى التخلص من حياتهم. ويُعِّرف علماء الاجتماع الانتحار الناتج عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والعاطفية بالانتحار الأناني.

وإذا كانت الأزمات والمشكلات المعيشية والاجتماعية والعاطفية ونحوها، هي الحاضنة والباعثة لحالات الانتحار، للارتباط الوثيق بين الجانب النفسي في حياة الإنسان واحتياجاته المادية، فإنَّ الفراغ الديني بمثابة عامل حاسم في إحداث المزيد من الاضطراب النفسي والذهني الذي يحول دون القدرة على التحمل والمقاومة، والاندفاع تلقائياً إلى الانتحار. في حين أنَّ وجود الحالة الإيمانية، تدفع الإنسان، في الغالب، وبتلك الظروف المشابهة، إلى الصبر والاحتساب والعزيمة على مواجهة أزماته، واحتوائها، والنهوض من جديد.

يقول “دور كايم” أحد رواد علم الاجتماع في كتابه “الانتحار” الديِّن يحمي الإنسان من الرغبة في تحطيم الذات”.

وتشير بعض الدراسات إلى أنَّ ظاهرة الانتحار تزداد معدلاتها في الدول والبيئات الاجتماعية التي تعاني بصورة أكبر من أزمات الفقر والبطالة، أومن الحروب والصراعات، أو من إشكاليات التفسخ والتفكك الأخلاقي، الشديد نسبياً، كما هو الحال في بعض مجتمعات الغرب الرأسمالية. وهي بيئات تساعد على زيادة وتيرة الضغوط النفسية والذهنية، والتي تتولد فيها ومنها هذه السلوكيات الإنسانية المؤلمة والقاسية.

في التحليل النفسي والسوسيولوجي للمنتحر، إشارات واضحة على حالة من العزلة والخصام والانفصام عن بيئته الاجتماعية والعائلية، والإحساس بمزيجٍ متراكم من القهر والخذلان، وكلها عناصر طاردة للحياة الإيجابية والمستقرة، وتُعزّز في الوقت نفسه من قوة العناصر القهرية التي تحيط به، وتفضي في نهاية الأمر إلى فقده الأمل بحياة أفضل، وشعوره بأنَّ الموت هو أقصر الطرق للتخلص من أزماته. وكما يصفها علماء الاجتماع فإنَّ هذه البيئات هي مصدر الاستعداد الفردي للانتحار وليست نتيجته.

وبالعودة إلى الانتحار في البيئة والمجتمع السعودي، فإنَّها وفق الرؤية الغالبة لا تعدو أن تكون حالات فردية معزولة، ولا يمكن بالتالي اعتبارها ظاهرة مثيرة للقلق. خاصَّة إذا علمنا صلابة القاعدة الإيمانية في المجتمع، ودورها الأساس في العناية بالنفس والمحافظة عليها، كضرورة من الضرورات الخمس لمقاصد الشريعة. ولكن مع ذلك فمن المهم التعاطي معها بأدوات ومناهج معتبرة تحيط بكل ملابساتها، وتداعياتها.

وفي تقديري أنَّ النقاشات الفكرية الدائرة بين السعوديين حيال ذلك ذات طبيعة إيجابية جداً، حيث تلقي الضوء أكثر على الأسباب والظروف الحاضنة لمثل هذه التصرفات والسلوكيات اليائسة، بمعطياتها المادية وغير المادية، وأدوار ومسؤوليات الدولة والمجتمع والأُسرة والعائلة في معالجة أسبابها ودوافعها، ووقف تداعياتها المستقبلية على البيئة المجتمعية السعودية.

كلمة أخيرة: قد لا يكون الانتحار على خلفية أزمات اقتصادية أو اجتماعية أو عاطفية أو نفسية، فحسب، بلْه قد يكون كذلك وليد قناعة وإيمان بقضية وهدف محدد، تحت ضغط وتحفيز البيئة والتيارات الاجتماعية الحاضنة للمنتحر، والمتعلق بها بشدة، ويُعّرف علماء الاجتماع هذه الحالة بالانتحار الإيثاري. ومن نماذجها ما اصطلح على تسميته بالعمليات الاستشهادية، كأداة من أدوات مقاومة العدو، وهي على أيَّة حال مثار جدلٍ مستمر حول مشروعيتها.

من مأثور الحِكم:

لا تَيْأَسَنَّ مِنَ انْفِرَاجِ شَدِيدَةٍ

قَدْ تَنْجَلِي الغَمَرَاتُ وهي شَدَائِدُ

كَمْ كُرْبَةٍ أَقْسَمْتُ أَلاَّ تَنْقَضِي

زالَتْ وفَرَّجَها الجَلِيلُ الواحِدُ

majed1149@gmail.com
تويتر@majed_jalal
 

اليأس من الحياة نزعة إنسانية قهرية
د. عبدالمجيد محمد الجلال

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة