ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Wednesday 18/04/2012/2012 Issue 14447

 14447 الاربعاء 26 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

الانتقال الاجتماعي من مرحلة الصمت إلى مرحلة الكلام تعبير مرحلي عن التململ والرغبة في الانتقال من مرحلة الطاعة اللامشروطة إلى مرحلة العقد الاجتماعي المشروط بالاحترام المتبادل والخضوع لعدالة القانون. تقبل الدول والحكومات لهذا التحول يعبر بدوره عن إدراك القيادات لمتطلبات اللحظة التاريخية واستعدادها لإحداث النقلة الحضارية بهدوء وعقلانية. بدون أي استثناء، كل الأمم التي عبرت هذه المرحلة التاريخية الصعبة تطورت قبل غيرها وحققت إنجازات تلبي كل أو أغلب شروط الحضارة الإنسانية. حصل هنا أو هناك أن نظاما عسكريا صارما أو دكتاتوريا أحرز نقلة صناعية معمارية لشعبه، لكنه حتما فشل في الانتقال بالمواطن من عقلية العبد المطيع المنفذ للأوامر إلى عقلية المواطن الحر المخلص لوطنه وحكومته والمستعد للدفاع عنهما بحياته.

كل الدول العربية تمر حاليا بهذه المرحلة البرزخية، مرحلة الانتقال من صمت الطاعة العمياء إلى مرحلة الكلام وإبداء الرغبة في التحرك إلى الأمام، لكن ردة الفعل عند أنظمة الحكم تختلف، والموضوع يحتاج إلى بعض الأمثلة.

في مصر بدأت مرحلة الانتقال من الصمت إلى الكلام مبكرا وقبل غيرها لكن التجاوب الرسمي غلط في الحساب. الاستجابة الغبية كانت بالمحاكم العسكرية المستعجلة والاحتجاز الإداري القابل للتمديد والإصرار على إبقاء البلد تحت الأحكام العرفية والضرب بيد الأمن المركزي الحديدية على رأس من يجرؤ على الكلام. بهذا التصرف فوت النظام السابق فرصة الانتقال الهادئ بالمجتمع المصري من مرحلة الصمت المفروض بالإكراه إلى مرحلة الاستماع والاستيعاب وإحداث النقلة الحضارية بسلاسة ودون خسائر. النتيجة كانت سقوط النظام وتخلخل البنى الأساسية ودخول مصر في مرحلة الفوضى وتضارب المصالح بين التيارات السيادسية والمذهبية، وقد يطول ذلك كثيرا.

في ليبيا عاندت القيادة الحمقاء كما هو متوقع فحصل ما هو أفظع من المتوقع، تدمير شبه كامل وعداوات قبلية وجهوية وحرب أهلية، وقتل القائد المجنون شر قتلة ومثل به، وطال التقتيل بعض أبنائه وأزلامه وتفرق الباقون في المنافي ولابد أنهم يوما ما سوف يسلمون للمحاكم الليبية للقصاص بعد أن تستقر الأمور هناك.

في تونس أدرك الجيش وجزء من الأمن الداخلي خطورة المرحلة وضرورة الاستجابة فتم سحب البساط بكل ذكاء من تحت الرئيس وإقناعه بما هو أسلم له وللدولة وللشعب التونسي، ويبدو أن الأوضاع تسير في الطريق الصحيح.

في سوريا ران لعقود طويلة صمت الرعب الرهيب الجاثم على الصدور، ولم يكن حتى الهمس مسموحا به ناهيك عن الكلام. كانت استجابة النظام السوري للحظة التاريخية مجرد مكابرة واستخفاف حتى بما يحصل حولها في الدول العربية الأخرى واحتقارا كاملا للعقل والروح والجسد. النتيجة صارت حربا أهلية طاحنة وخرابا شاملا وانعدام الأمن، ولن تنتهي الأمور إلا بما يشبه الحالة الليبية وربما بأفظع من ذلك. في اليمن استطاع عسكري سابق بموهبته الفذة في الاحتيال والكذب واللعب على التناقضات الاجتماعية أن يصمد لبعض الوقت. لكن ولأنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح تم خلعه بتظافر الجهود الداخلية والخارجية، وليس من المتوقع أن يفلت من العقاب على ما فعله ببلده وشعبه، والله يمهل ولا يهمل. عندما بدأ المواطن اليمني يتكلم بوضوح وعقلانية قبل سنوات عديدة لم ينصت رئيسه العسكري السابق للكلام ولجأ إلى الاحتيال وإشعال الفتن في كل مكان ولكنه في النهاية رحل رغم أنفه.

في مملكة البحرين حالت الأهواء الشخصية دون الاستجابة العقلانية التي تبناها العقلاء في البحرين منذ البداية. ذلك كان كمن يصب الوقود في نار الطائفية المذهبية والولاءات الخارجية المعادية لانتماء البحرين الجغرافي والتاريخي والقومي. لا أعتقد أن الأمور سوف تحل هناك بالحوار ما لم يقطع الضرع الأجنبي الذي يغذي الطائفية المذهبية بالمال والسلاح، وما لم يحكم أيضا الجميع في مملكة البحرين عقولهم وذلك بالتنازل عن طموحاتهم الشخصية.

في المملكة المغربية يبدو أن الملك الشاب لديه إحساس حقيقي وذكي برياح الزمن، فاستبق الأمور وتعامل مع الرغبة في التغيير بعقلانية وحكمة.

والآن، ماذا عن الوضع في وطننا الغالي المملكة العربية السعودية؟. عندما أنظر وأتمعن في أحداث مصر وليبيا وسوريا واليمن والبحرين أحمد الله كثيرا أن جعل القيادة في هذه المرحلة التاريخية الحرجة في يد رجل كبير وحكيم بكل المقاييس. الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه والله وأطال لنا في عمره وصحته فتح الأبواب للحوار المسموع منذ أن كان همسا خلف الأبواب المغلقة. مرحلة الصمت بدأت تتراجع لصالح الحوار العقلاني والتعبير عن الطموحات والمطالب المشروعة. صحيح أنه مازال حوارا يشوبه الكثير من التشويش المتبادل لأسباب مذهبية وقبلية وطبقية، لكن ذلك من طبيعة المرحلة. بعد الصمت الطويل يأتي عادة الكلام الكثير، والناس لها آذان تسمع وعقول تدرك وسوف تعرف في النهاية ما هي مصالحها الدائمة والحقيقية وما هي أسباب تمزقها وهلاكها.

في الختام أقول إنني لست متهيبا من عواقب الكلام العلني مهما كان مشوها لأنه يغسل ما في النفوس مثلما يغسل الماء النقي الشوائب عن الجسد. التهيب الحقيقي على تعطيل وتفويت الفرصة في إحداث النقلة الحضارية الحقيقة هو من الفساد المالي والإداري المستشري في مفاصل البيروقراطية الإدارية والذي يحتاج إلى جراحات استئصالية شجاعة وذكية وعاجلة.

 

إلى الأمام
الانتقال من مرحلة الصمت إلى الحوار
د. جاسر عبدالله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة