ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Thursday 19/04/2012/2012 Issue 14448

 14448 الخميس 27 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

منذ أن عرف الإنسان (الدولة) عرف أن الاقتصاد هو سر بقائها ومرتكز استمرارها. في الماضي كان الغزو والفيء والزكاة بالنسبة للمسلمين، والمكوس بالنسبة للدول غير المسلمة هما مصدرا تمويل اقتصاديات الدول، وكانت بذلك شرط بقائها، وآلية السلطة لضبط الاستقرار وفرض الأمن فيها؛ كما أن الاقتصاد كذلك عامل رئيس من عوامل بقاء العقد الاجتماعي داخل الدول قائماً وفاعلاً.. وعندما جَرّمَ المجتمع الدولي (الغزو) والاستيلاء على ثروات الشعوب بالقوة من خلال الحروب في منتصف القرن الماضي، كان البديل التجارة الدولية بمعناها الشامل، فتحولت سواعد الإنسان من الحرب وإراقة الدماء والقتل والسلب من أجل أن يعيش، إلى الصناعة والزراعة والإنتاج وتصدير ما يفيض عن احتياجه إلى الغير، واستيراد ما لا ينتجه من الغير إذا كان لا يملك كامل متطلبات الإنتاج؛ هذه العملية عرفت باسم (التبادل الدولي التجاري)، فأصبح العالم بالمنطق الجديد والمعاصر أشبه ما يكون باقتصاد المدينة، كما أصبح أمن العالم كأمن المدينة، والمجتمع الدولي كمجتمع المدينة؛ فتغيّرت عوامل تمويل الاقتصاد، وأصبحت التجارة الدولية وقُدرة المجتمعات على (الإنتاج) ومن ثم التصدير هي المعوّل عليها لتمويل اقتصاديات الدول.

وحيوية الاقتصاد متوقفة على التنمية؛ فالاقتصاد مثل الإنسان، متى ما توقف عن النمو، واستمر هذا التوقف لآجال طويلة، يشيخ ثم يذبل ويموت؛ ولا يمكن أن ينمو الاقتصاد إلا إذا توفرت أسباب نموه، وتحققت مُحفزات هذا النمو؛ من هنا أصبحت التنمية الاقتصادية اليوم أهم شروط بقاء الدول واستمرارها على الإطلاق.

الاتحاد السوفييتي، ودول المنظومة الاشتراكية، همّشت الفرد اقتصادياً، ولم تهتم بتحفيزه على الإنتاج والإبداع، فسقطت وتلاشت رغم قوتها العسكرية، ورغم أجهزتها القمعية والتجسسية؛ فلم تغنها القوة العسكرية، وعصا قواها الأمنية الغليظة، عندما وجدت شعوبها المقموعة الفرصة للتمرد والعصيان طلباً للحرية من استعباد الأنظمة وحرمانه من طموحاته الفردية. أما الصين، فعندما رأت نهاية الاتحاد السوفييتي اتجهت رأساً إلى اقتصاد السوق، وأصبحت (التنمية الاقتصادية) هي الركن الركين الذي لجأت إليه للبقاء وحماية النظام من مصير الاتحاد السوفييتي؛ وهاهي الآن تجاوزت اليابان، لتحتل المركز الاقتصادي (الثاني) في العالم بعد الاقتصاد الأمريكي، كما أن أرصدتها النقدية تجاوزت الترليونين ونصف الترليون دولار.

يقولون في الغرب: (من أجل أن تجعل إنساناً يعمل في الحقل خيرٌ لك أن تغريه بالجزر من أن تضربه بالعصا)؛ والتنمية الاقتصادية تحقق لك في نهاية المطاف هذه المعادلة؛ فالإنسان الذي يعمل هو من يحصل على الجزر، وإذا لم تُوفِّر له أسباب الحصول عليها، فقد يسكت فترة من الزمن خوفاً من (العصا) أو قمع الأنظمة، غير أنه سيبقى يتلمس الأسباب ويتحين الفرص جاهداً للإفلات من عقاب صاحب العصا متى ما وجد إلى ذلك سبيلا.

كل ما أريد أن أقوله هنا إن (التنمية الاقتصادية) بمعناها الشامل التي تعتمد على تحفيز (الفرد) على الإنتاج، وتمكينه من العمل، وتحقيق الذات، هي أساس بقاء الدول اليوم. هذا ما أثبته التاريخ المعاصر، وتقوله تجارب الآخرين، سواء بالنسبة لأولئك الذين عصفت بهم ريح الربيع العربي عندما تعطل النمو، وتضخمت معدلات البطالة، وانتشر الفساد، وفرضت السلطة سيطرتها بالقوة، أو من عصفت بهم رياح التغيير في شرق أوربا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.. أعطني تنمية حقيقية، لا تُهمش الفرد، ولا تلغيه، تتيح له الفرص لأن يعمل، ولا تجعل منه مجرد سن في ترس، فرداً يأخذ بقدر ما يُعطي، خالية من (الفساد)، أعطيك استقراراً وبقاء وتجذّراً.

إلى اللقاء.

 

شيء من
التنمية سر بقاء الدول
محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة