ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Sunday 22/04/2012/2012 Issue 14451

 14451 الأحد 01 جمادى الآخرة 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

تأخرت كلمات (الوداع) المنصفة التي أدلى بها الرئيس الجزائري، في معية إعلانه عن وفاة الزعيم الجزائري الأبرز: “أحمد بن بيللا” يوم الثاني عشر من هذا الشهر (إبريل) - سبعة وأربعين عاماً!! -.. عندما قال مودعاً باكياً: (يشاء القدر أن يرحل عنا واحد من أبرز زعماء الجزائر المعاصرين،

وحكيم من صفوة حكماء أفريقيا المتبصرين: المجاهد الرئيس المغفور له بإذنه تعالى أحمد بن بيللا. أحسن الرحمن وفادته، وطيب ثراه، وأكرم مثواه، وأنزله في جنات النعيم مع الصادقين والشهداء وحَسُن أولئك رفيقا).. بل وأضاف - وهو يعلن عن حداد الجزائر لثمانية أيام.. على وفاة أول رؤساء دولة الحرية والاستقلال الجزائري - بـ (أن أحمد بن بيللا، كان من الرعيل الأول الذين خططوا الثورة للتحرير، وحملوا مشعلها في الداخل والخارج.. إلى أن غدرت به قرصنة جوية غير مسبوقة - يقصد بها عملية اختطاف الجيش الفرنسي له ولأربعة من زملائه عام 1956م - وهم على ظهر طائرة ركاب مدنية بين الأجواء المغربية التونسية.. وليسوا فوق الأراضي الجزائرية، ليمضي مرة أخرى في زنازين المحتل - ست سنوات -، لكنه ظل على عهده صامداً مُسهماً في تسيير شؤون ثورة نوفمبر إلى جانب رفاق الدرب في جيش، وجبهة التحرير، ثم في الحكومة المؤقتة).. دون أن يذكر الرئيس بوتفليقة حالة الغدر الأخرى والأكثر مرارة التي تعرض لها (بن بيللا)، لأنها جاءته من صديقه ورفيقه، وابن وطنه، ووزير دفاع حكومته (هواري بومدين).. الذي أطاح به وقفز إلى مقعده، فيما أسماه - آنذاك بحركة يونيو (التصحيحية) عام 1965م -، ثم وضعه في إقامة جبرية.. لخمسة عشر عاماً (!!) لم يخرجه منها غير موت (بومدين) المفاجئ.. وتولية الرئيس الجزائري الثالث (الشاذلي بن جديد)، ليغادر (بن بيللا) وطنه الجزائر - الذي دفع ما يزيد عن نصف عمره ثمناً لحريته واستقلاله - إلى (سويسرا).. لتكون منفاه الاختياري هذه المرة، حيث أمضى فيها تسعة عشر عاماً، هي.. بقية البقية من سنوات فتوته ونضجه وكهولته، ليعود بعدها إلى الجزائر (عام 1999م).. وقد كلل الشيب رأسه، وأخذت تتعاقب عليه علل الثمانينيات، وتتكاثر عليه أمراضها.. إلى أن مات عن ستة وتسعين عاماً، ليجد كلمات الإنصاف التاريخية هذه التي ودعه بها الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة.. أول وزراء الشباب في حكومته، فـ (وزير خارجيته) فيما بعد..!

* * *

لقد نجت الثورة الجزائرية المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي.. طلباً للحرية والاستقلال، من الصراع بين معسكري اليسار واليمين العربي.. الذي بدأ يطل برأسه على ساحة الفكر السياسي العربي رويداً رويدا.. مع إطلالة خمسينيات القرن الماضي، ثم ليشتد في ختامها.. وعلى النحو الذي عاشه وعرفه أبناؤه فيما بعد، لتفوز الثورة الجزائرية - والتي انطلقت كالزلزال تحت أقدام المستعمرين الفرنسيين في شهر نوفمبر من عام 1954م - بـ(تأييد) اليسار واليمين العربي معاً.. وبدعمهما السياسي والعسكري والاقتصادي، فكما دعمت مصر عبدالناصر.. الثورة الجزائرية بكل طاقاتها وإمكاناتها السياسية والعسكرية، فعلت المملكة الشيء نفسه.. أيام الملك سعود، ليعلن.. رئيس الجمهورية الفرنسية الرابعة الجنرال العظيم (شارل ديجول) عام 1962م عن انسحاب فرنسا من الجزائر!! فتنتصر الثورة بهذا التسليم، ويُرفع علمها إلى جانب أعلام الدول المستقلة فوق مبنى الجمعية العمومية للأمم المتحدة في ذلك اليوم/ الخامس من أيام شهر يوليه من عام 1962م وسط أفراح عربية طاغية من المحيط إلى الخليج، فقد كان الانتصار على فرنسا.. في الجزائر آنذاك، وكأنه مطلب تكميلي لانتصار مصر على بريطانيا في (السويس)، وإن كان هو في حقيقته من قبل - ومن بعد - انتصار لأبناء الأمة العربية وإرادتها في إنجاح ثورة المليون شهيد، التي كان أبناء العروبة يتابعون أحداثها وتطوراتها ساعة بساعة، ويوماً بيوم، طيلة سنواتها الثماني عبر راديو (صوت العرب).. إلى أن جرى استفتاء الجزائريين على (الاستقلال)، ورُفع العلم، وعُزف السلام الجمهوري الجزائري.. في باحة مبنى الأمم المتحدة، وتم اختيار “رئيس الحكومة المؤقتة” في القاهرة (المناضل عباس فرحات).. رئيساً انتقالياً لجمهورية الجزائر الوليدة، ليخلفه عبر انتخابات جبهة التحرير الجزائرية - قائدة النضال الجزائري، والرحم الذي خرج منه آلاف شهداء الثورة -: الزعيم أحمد بن بيللا.. كأول رئيس رسمي للبلاد، ليأتي من زنزانة سجن سنواته الست بجزيرة (إكس) بمقاطعة شرونت البحرية الفرنسية.. إلى قصر الرئاسة الجزائري، ليشكل أولى حكوماته - التي كان من بين أعضائها هواري بومدين.. للدفاع، وعبدالعزيز بوتفليقة الشاب آنذاك.. لوزارة الشباب.. فـ”الخارجية” -، ليكتشف العرب وبقية شعوب آسيا وكل شعوب أفريقيا وأمريكا اللاتينية.. في شخص (بن بيللا)، وفكره وأدائه السياسي التحرري الفوار.. (زعامة) ويادة كانت تبحث عن إضافتها لأساطين جبهة (عدم الانحياز) والتحرر الوطني الآسيوي الأفريقي، الذين أفرزهم لقاء (الأمم الصامتة) في جزيرة (باندونج).. كما أسماه الرئيس الإندونيسي سوكارنو.. من أمثال نهرو وتيتو وعبدالناصر وشوين لاي، لتقوى جبهتها في مشوارها الصعب.. لتحرير شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية المستعمرة والمضطهدة والمغلوبة على أمرها، وهو ما كان.. إذ سرعان ما أصبح (بن بيللا) خلال سنوات رئاسته الثلاث - التي لم تكتمل - للجزائر.. أحد رموز قادة (عدم الانحياز) وأساطينه، الذين يُحسب حسابهم.. وحساب ثوريتهم ونضالهم السياسي الطويل والمرير.. في مواجهة الاستعمار وجبروته، والتغلب عليه.

* * *

لكن زعامة (بن بيللا) الشابة التي فرضت نفسها بنزاهتها واستقامتها وعدلها وتوجهاتها (المدنية).. في الداخل، وبنجوميتها النضالية.. التي حملتها إلى الصف الأول من زعامات دول عدم الانحياز في الخارج، لم تسلم من غيرة رفاقه السياسيين، وعنادهم، واحتكامهم لمنطق القوة.. وليس لغلبة الرأي، إذ سرعان ما نشب خلاف بين فكرة عودة جيش التحرير.. إلى ثكناته كما هو رأي (بن بيللا)، وبين بقائه في الحكم وإدارة شؤون البلاد.. كما كان رأي (بومدين) ومن معه، ليتحول الخلاف إلى “انقلاب” على الرئيس بن بيللا في التاسع عشر من شهر يونيه من عام 1965م.. فـ “إقامة جبرية”، لم تكن لتختلف كثيراً عن السجون التي عرفها (بن بيللا) طوال سنوات نضاله الوطني من أجل الجزائر وحريته وحرية شعبه!!

وهكذا عاد نجم السياسة الجزائرية.. الحق، وأكثر وجوهها بريقاً وقبولاً في العالم على اتساعه.. إلى سجنه ثانية قبل أن ينسى سنواته الست الأخيرة في السجون الفرنسية، وسنواته السبع السابقة في السجون الجزائرية، والتي تمكن من الفرار منها إلى (القاهرة).. حيث شكل مع الزعيمين حسين آيت أحمد، ومحمد خضير.. مكتب الوفد الخارجي لـ (جبهة التحرير الوطني)، الذي لعب أفضل الأدوار وأهمها وأصعبها.. في إطلاق ثورة نوفمبر 1954م، التي جاءت بالاستقلال لـ “الجزائر”..!!

لكن سجن (الإقامة الجبرية) بأعوامه الخمسة عشر.. لم ينته بإطلاقه منه على يد الرئيس الشاذلي بن جديد عام 1980م، بل تجدد - وعلى الفور - بعد الخلافات التي أثارها إنشاؤه لحزب (الحركة من أجل الديمقراطية).. بعد خروجه من الإقامة الجبرية، والذي نافس به.. حزب جبهة التحرير (الحاكم). فلم يطق ذلك منه! ليخيره - وهو القابض على مفاتيح السلطة - في مغادرة الجزائر.. إلى حيث يشاء؟! فاختار (سويسرا) حيث أمضى هناك تسعة عشر عاماً أخرى.. ليصبح عدد سنوات سجنه تحت مختلف مسمياتها (من السجن الكامل.. إلى الإقامة الجبرية.. إلى المنفى الاختياري) مساوياً لنصف عمره الذي أراد له الله أن يكون مديداً، ليموت في النهاية.. قرير العين نضالاً. مطمئن النفس جهاداً، دامع الوجدان أسفاً على بعض رفقاء (الثورة).. وهم يلتفون حول جثمانه في بهو قصر الشعب بالعاصمة الجزائرية لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه.. بينما روحه تتسامى فخورة بماضي سجونها ومنافيها، فقد أنجز هذا الجسد المسجى.. “الحرية” والاستقلال لوطنه، و”الرمز” لاسمه وتاريخه.. حتى غدا “أسطورة” يتغنى بها أبناء الشعب الجزائري (أحمد يا أحمد وين راك.. أحمد يا أحمد ارواح لي..)!!

فـ “وداعاً”.. أيها الرمز الوطني الجليل. وداعاً.. شهيد الحق والحرية.

dar.almarsaa@hotmail.com
 

وداعاً “بن بيللا”.. شهيد الحق والحرية..؟
د.عبدالله مناع

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة