ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Tuesday 24/04/2012/2012 Issue 14453

 14453 الثلاثاء 03 جمادى الآخرة 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لم يكن في وسعي إضافة شيءٍ جديد إلى لجج النقد الحديث من خلال أبعاده: التنظيرية والتطبيقية والتاريخية، إلا حين أربطه بمرحلة تاريخية, أو بشريحة عمرية. فعندئذ ينحصر

وفي كل جولة حول المفهوم أو المنهج أو الآلة، تتسع هُوَّةُ الخلاف. حتى يظن الراصدون كل الظن ألا تلاقيا، ويقيني أنه بالإمكان الجمع بين الفرقاء.

ولأن الاستهلال يتطلب التعريج على ذلك الحراك المستحر، ولاسيما أننا نلتمس تحرير ما نحن بصدده من المسائل النقدية وبخاصة مالها مساس بالشباب، المنبهر بثورة الاتصالات, وانفجار المعلومات, وتعدد المصطلحات.

فالخطاب النقدي الآني بوصفه يبارى الإبداعات الشعرية والسَّردية, كما تباري الخيل أعنتها, ويراوح بين أبعادها: اللغوية, والفنية، والدلالية، ويسير في ظلالها ملتمساً خصوصياتها ومعطياتها، فإنه يحمل ذات الأهمية التي يحملها النص، وهي الاستمالة والتوصيل والإقناع ثم الاحتواء.

ولأن الشباب شريحةٌ من الشرائح المستهدفة بالإبداع والنقد, فإن مقاربتها للنص بآلية النقد, تعطيها سمة متميزة عن بقية الشرائح والفئات والأطياف.

ومن البدهيات أن تختلف مقاربة (النص) بين شرائح الوسط النخبوي، وبالذات من حيث الفوارق العمرية، والتفاوت الزمني, أو التنوع في الاهتمامات، أو من حيث المضمرات الفكرية.

فالرواد الشيوخ.

والمؤسسون الكهول.

والمنطلقون الشباب.

لكل منهم شأنه ورؤيته وأهدافه. وإذ يكون الشباب في حقل الانطلاق فإن نبرة الجدل, وعنفوان الصراع سيكونان الأكثر احتداماً. فالشباب بطبعه توَّاق إلى التجديد، ميال إلى التجريب والمغامرة، ولقد يبلغ في بعض مجازفاته حد التخريب.

والحديث عن النقد متلبساً بشريحة من شرائح النقاد، يتطلب تصور الطرفين :_

- النقد.

- والشباب.

ذلك أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.

- فما النقد؟

- وما تحولاته؟

- ومن الناقد؟

أسئلة على الرغم من تقليديتها، إلا أنها تجر قدم المجيب إلى مزيد من التناوش مع المخالف, إذ لكل شريحة أو طيف مفهومها وتصورها، وبخاصة الشباب، بكل ما يحمله من احتدام في المشاعر, وتنكب عن ذكر العواقب، وتطلع إلى التجديد دون تروى أو مساءلة. ولسنا ضجرين من ذلك الاحتدام, متى استطاع الشباب التأسيس المعرفي لمنطلقاته، فنحن أحوج ما نكون إلى الحراك الموزون، الذي يقضي على العزلة، ويمكننا من المشاركة الفاعلة في الحضارة الإنسانية، التي نحن جزء منها. وإشكالية المصطلح تكمن في تعدد التعريفات, وتنوع المقتضيات، واختلاف الصيغ والتركيبات، وتناقض المترجمين والمعربين والناقلين في الصياغة والمفهوم. وجميل أن نتوقع الاختلاف, ثم نألفه, ونتعايشُ معه، وأجمل منه أن نحسن إدارته، ومن يتهيب بؤر التوتر, يعش أبد الدهر في الظل, لتضوى معارفه، وتضمحل مدركاته، ويتقلص دوره في تشكيل الحضارة الإنسانية المشتركة.ولقد تدلهم الأمور, وتستحكم حلقاتها، بعد [أدلجة الأدب] ونهوض النقد بهذه المهام الجسام، واصطراع الأطياف حول الأدب ونقده, لاحتوائهما لتنفيذ [أجندتهم] وخدمتها.

ولو ذهبنا نستعرض بالتفصيل بعض مناهج النقد على سبيل المثال, لوجدنا [المنهج التاريخي] المعتمد على الرواية والرصد محكوماً بالنوازع والمنازع، ومن ثم تتسرب إليه الدراية, وقد تحرف الكلم من بعد مواضعه، فمن ذا الذي يستطيع التخلص من نسقه الثقافي وانتماءاته الفكرية؟.

إذ كل محدد لمفاهيم المصطلحات ومقتضياتها، ينطلق من مهاده الفكري, ونسقه الثقافي. ولاسيما بعد أن استدبر الأدب مهمته الإمتاعية, وخلص للنفعية.

الشيء الوحيد الذي يفض النزاع، ويؤلف بين القلوب الإيمان بأن الصراع إكسير الحياة، ومتى امتلأنا بهذا الشعور, تعاذرنا, وتقاربنا, ورشدنا اختلافنا. إن صراع الأجيال جزء من هذا الصراع الأزلي، والشباب دائماً يبادرون الأزِمَّة والأزمات، ويخوضون بؤر التوتر, ذلك أنهم وقودها. وأزلية الصراع تجعل الشباب يتبادلون الراية، ويتناوبون على المهمات، ويجعلون الصراع جزءً من أولويات مهماتهم. وبهذه الروح المتوقدة والمتوترة كانوا مصدر الجدل ومورده.

والشباب الذين يقفون على مفترق الطرق، ثم لا يعتصمون بحبل المعرفة، ولا يأوون إلى جبل التجربة, يجرفهم طوفان المستجدات, ويصمهم صخب المناكفات, وتطوح بهم المغريات، بعيداً عن تحرير المسائل، وتأسيس المعارف, وتلاقح الحضارات.وأخطر شيء عند اللحظات الحاسمة استدبارهم حضارة الانتماء, وتهاونهم بمحققات حضارتهم.

وإذ أحبذ الاستشراف, واستقبال المستجد, فإنني أود التحصين بالمعرفة، والثبات على المبادئ، والخلوص من إقصاء الآخر، كما أفضل قصر الجدل حول القضايا، وتحييد الشخصيات.ذلك أن القضايا مَرْبط الاختلاف، وسيان عندي أن يكون المخالف متبحراً أو متسطحا, عالماً أو جاهلاً، مؤكداً انتماءه أو هائماً على وجهه، وكيف أبخع نفسي والرسول صلى الله عليه وسلم المعصوم من الناس والمنصور من الله لا يهدي من أحب؟.

والمشاهد الفكرية والسياسية والأدبية بأمس الحاجة إلى إتقان إدارة الاختلاف ومحققات التبليغ بالتي هي أحسن، إذ كلما اشتغل المختصمون بالمناكفات والإقصاء، فوَّتوا علينا الفائدة المرجوة من الاختلاف المعتبر, الذي يدار بضوابطه وشروطه وآدابه. ولقد يكون الشبابُ بما هم عليه من حماس وإصرار أكثرَ المختلفين وقوعاً في المحاذير، وأي جدل لا تسوده المعرفة ولا تمده التجربة ولا يعطره قول المعروف, يكون ضرره أكثرَ من نفعه.

لقد شطت بنا التحفظات عن صلب الموضوع, وهو تحرير مفردات العنوان. وخلوصاً من الاستطرادات، نتساءل عن مفهوم النقد.

فما النقد إذاً؟

إنه بكل بساطه القراءةُ الواعية المتوسلة بالمناهج والقواعد والأصول والآليات، المدعومةُ بالخبرة والذائقة. إنه الاستيعاب الواعي, والتقويم السليم, والحكم العادل. إنه استنتاج الدلالة، إنه التفكيك والتأويل والتفاعل المتوازن مع معطيات النص ومقاصده والمقاربة الذكية. النقدُ في النهاية رديف الإبداعٌ, إذ لا إبداع بلا نقدٌ، ولا نقد بدون إبداع.فالمبدع حين يقرأ نصه, فيحدث عنده انطباعاً, يكون ناقداً، والناقدُ حين يبدع من خلال النصِّ نصاً, وينزح من جوف الدلالة دلالة, لا يقصدها المبدع، يكون ناقداً مبدعاً. غير أن النقد بمفهومه الاصطلاحي, يتجاوز ذلك، إنه عمل منظم وقصدي، ولن ندخل في جدل النقد والإبداع. أيهما الأهم؟ وأيهما الأول؟ وأيهما الأجدى للمشهد؟ فالنص يكون متمنعاً, ويكون الناقد وسيطاً موصِّلاً، وشارحاً مبسطاً. ويكون حمالاً فيسبح الناقد في آفاقه، وعلى ضوء ذلك التحديد, لا يكون القارئ بذائقته وانطباعيته ناقداً, وقد لا يكون المؤرخ للأدب, وكاتبُ المختارات ناقدين. ولسنا بصدد فض التنازع بين الفرقاء, حول من يكون الناقد, فأصحاب الموسوعات والمختارات والمؤرخون للأدباء, قد لا يَتَفَسَّح لهم النقادُ المعياريون المنهجيون في سوح النقد. وسيان عندي الاتفاق حول مفهوم النقد, وتحديد الناقد, أو الاختلاف, فنحن بصدد الحديث عن دور الشباب في العمليات النقدية بمفهومها السائد, وحين لا يكون الجدل حول تلك المفاهيم، فإن استدعاءها من باب الربط والتمهيد, ليس غير. (يتبع)

 

الشباب والخطاب الأدبي المعاصر البعد النقدي 1-2
د. حسن بن فهد الهويمل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة