ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Wednesday 25/04/2012/2012 Issue 14454

 14454 الاربعاء 04 جمادى الآخرة 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

عجيب وغريب أمر الدكتاتوريين من الحكام، ذلك أنّ أحدهم لا يستفيد من العبر والدروس، ولا يتّعظ من المصير الذي لقيه من قبله من أمثاله، فإنّ أحداث التاريخ تعرض علينا مصيراً مشتركاً متشابهاً لكل دكتاتور متسلّط على شعبه بطشاً وقتلاً وتشريداً وتدميراً لبلاده،

ومهما تكبّر وتجبّر وبَطَش وأرهب وقَتَل، فإنّ نهايته المحتومة تكون على يد من أرهبهم ونكل بهم وأذاقهم سوء العذاب، تكون نهايته دائماً على يد شعبه أو فئة منهم.

فالدكتاتور من أمثال بشار الأسد، يظن أنّ البطش والقهر والظلم والتعذيب للسوريين وانتهاج سياسة الأرض المحروقة، هو ما يضمن له البقاء على سدّة الحكم، وأنّ تخويف الناس هو الذي يخنق كل صوت معارض، وأنّ إحاطة نفسه بحاشية من الفاسدين والمنافقين والنفعيين، هو السياج الذي يمنع عنه سهام المعارضين، من الوطنيين الصادقين الذين هدفهم بناء الوطن وتنميته وضمان حياة كريمة لأهله.

ولكن التاريخ يقول إنّ لكل طاغية نهاية أسود من عمائله، فكيف كان مصير النازي هتلر وكيف كانت نهاية موسيليني وكيف كان مصير شاوشسكو وكيف كانت نهاية طاغية الفلبين فرديناند ماركوس وغيرهم؟

وإن كانت هذه نماذج لطغاة تجبّروا وتكبّروا على شعوبهم، فإنّ كل دكتاتور تكاد نهايته تكون أقبح نهاية، دعك من لعنة التاريخ الذي يسجل في صفحاته أسوأ حديث عنه ويصفه بأقبح الصفات، وتصدع صفحاته بفضائحه ومخازيه ما كان معلناً ومخفياً منها للناس، تلك الفضائح والمخازي التي ما كان أحد يجرؤ على التحدث عنها أيام كان في عزّة قوّته وسطوة مجده وقدرته على تكميم الأفواه.

وعلى الصعيد العربي في التاريخ الحديث، فإنّ المتتبّع للتاريخ منذ الخمسينيات من القرن الماضي حتى اليوم، يدرك أيّما إدراك كيف أنّ مشهد التاريخ السياسي العربي تلطّخ بالدماء من أجل القفز على السلطة حتى سحل الناس بالشوارع، عرف تاريخنا العربي عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وصدام حسين وبن علي ومعمر القذافي وعلي صالح، وكل هؤلاء جاؤوا إلى سدّة الحكم على شلالات من الدماء.

ويدهشك غاية الإدهاش التشابه الغريب في شخصيات الدكتاتوريين، كما يدهشك غاية الإدهاش النهايات المتشابهة لهؤلاء الدكتاتوريين، فنهاية ماركس مثلاً لا تكاد تختلف عن نهاية حسني مبارك الذي جاء إلى سدّة الحكم بعد اغتيال الرئيس أنور السادات وأقبض مبارك على السلطة بشكل مطلق لحوالي ثلاثة عقود من الزمن.

الدكتاتور يزيد قهره للناس وبطشه مع الأيام، وتزيد نرجسيته وشعوره بالعلوِّ والتفوُّق، ألم يبلغ الأمر بفرعون أن قال (أنا ربكم الأعلى)، وإنّ كثيراً من الدكتاتوريين ينتابهم شعور قريب من شعور فرعون بالإلهية هذا، وإن لم يصرّحوا بذلك، ولكن أفعالهم وتصرفاتهم تدل على أنهم يستبطنون هذا الشعور، وان الذين يحيطون به من النفعيين وحاشية السوء، يزيدون عنده هذا الشعور ويثبتونه في نفسه المريضة فيؤيدون كل ما يقول، ويصفّقون لكل ما يفعل وإن كان قوله هراء وفعله سفاهة وخطلاً، ويطلقون عليه الألقاب الفخمة الفضفاضة فهو (الزعيم الأوحد) وهو (القائد الملهم) وغيرهما كثير.

وهذا النوع من الحكام ومن أمثلتهم دكتاتور سوريا، ففي اجتماع مجلس الشعب السوري وبينما المتظاهرون ينادون بسقوط بشار في الخارج، قام أحد زبانيته في ذلك الاجتماع ليعلن ولاءه المطلق لرئيسه المجرم، وليقول له (إنك يجب أن تحكم العالم)، أترون إلى أي مدى بلغ الأمر بالمنافقين الأفّاكين!! ولذا نجد أنّ هؤلاء الطغاة عندهم استعداد نفسي لتصديق هذه الهراءات، فإنّ أكثرهم مصاب إما (بالنرجسية) المفرطة، أو بحب العظمة، ويزاد عنده هذا المرض النفسي كلما زادت فترة حكمه للبلاد، حتى لا يعود يرى إلاّ نفسه، ويعتقد جازما أنه عبقري زمانه وفلتة دهره، وأن رأيه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، حتى يصبح لسان حاله كما لسان مقاله {.... مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}، وهو في حقيقة الأمر لا يرى إلاّ عتمة وبينه وبين الرشاد ما بين السماء والأرض، ففرعون الذي قال هذا الكلام قاده فكره إلى شر نهاية - الغرق -، وقاده رشاده إلى سوء المصير - نار جهنم -، وبشار الذي أمضى أكثر من عام وهو يفتك بشعبه وبلغ عنه أن اشتكى من طغيانه حتى الشجر والحجر، سيلقى مصير من سبقوه من الطغاة، فمنهم من قُتل ومنهم من تنحّى جبراً ويبحث عن النجاة!!

إنّ النتيجة الحتمية لمرحلة (وما أريكم إلا ما أرى)، النتيجة أن ينتقل الحاكم إلى مرحلة أخطر في الاستبداد بالرأي، وتكميم الأفواه، يترسّخ في نفسه أنه يملك الناس حريتهم ورقابهم، فيصبح متسلِّطاً يسجن وينفي ويعذّب من يشاء، ويصبح باطشاً ويقتل ويعذّب ويظلم من يشاء، وهي مرحلة بلغها الملك (النمرود) حين قال لإبراهيم عليه السلام {... أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ} البقرة الآية 258، كما بلغها فرعون حين قال {... سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} (127) سورة الأعراف. وهذه المرحلة ليست حكراً على طغاة الزمان الماضي، بل تصيب كل حاكم تجبّر وتكبّر وكمّم أفواه شعبه واعتبرهم ملكاً خالصاً له، ألم يفعل بشار الأسد ما فعله فرعون وما فعله النمرود؟ فقد بدأ بمرحلة (وما أريكم إلا ما أرى) ثم انتقل إلى مرحلة أخطر هي قتل جموع من الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ والرجال، ممن جاهروا بآرائهم لمصلحة البلاد، لمجرّد أنهم طالبوا بالإصلاحات حتى فاضت الدماء أنهاراً وامتلأت الساحات جثثاً وأشلاءً، وهذا نفسه ما فعله حسني مبارك وما فعله القذافي وما فعله بن علي وكذلك عبد الله صالح، والسبب قاله فرعون (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ).

وكلما زاد الحاكم بطشاً وقهراً وخافت القلوب وسكنت الألسن وأغلقت الأفواه، أطلقت يد الحاشية والأتباع في الفساد، وأصبحوا مراكز قوة، وخلايا إفساد، ولا أحد يستطيع ان يعترضهم فإنهم قد استمدوا من بطش الحاكم بطشاً ومن رهبته إرهاباً، فكل من تحدث عن الفساد فهو (خائن) أو متآمر أو يعمل على إسقاط نظام الحكم، فيلقى من الويلات هو وأهله ما يسكت غيره مهما كانت شجاعته، وهكذا يجتمع القهر والبطش مع الفساد والتضييق في المعائش، فتمتلئ النفوس بالغبن والقلوب بالغيظ، ولكن إن سكنت الأفواه خوفاً فإنّ النفوس تحدث نفسها انه لابد من نهاية لهذا الظلم، وأن الوجوه إذا ظهر عليها انكسار القهر، فإنّ الدواخل تغلي كالمراجل غيظاً وترقباً لساعة الانتقام الرهيب أو بالأحرى الانتقادم العادل.

وإذا كان الدكتاتوريون عبر التاريخ لم يستفيدوا من مصائر الدكتاتوريين قبلهم غباء أو عمى، فإنّ بشار الأسد لا شك أشدهم غباء وأعتمهم عمى!! لماذا؟ لأنه رأى رأي العين مصائر الدكتاتوريين أمثاله وكان ذلك أقرب إليه من أرنبة أنفه وهم بن علي والقذافي وحسني مبارك ناهيك عن عبد الله صالح.

ما الذي منع الرجل من الاستفادة من دروس هؤلاء وعبرهم وبينه وبينهم رمية حجر - هل هو الغباء ، أم هي العزة بالإثم، أم هي أكاذيب الحاشية الفاسدة التي تقول له (إن هؤلاء شرذمة قليلون) وأنهم خونة وعملاء وهو التفكير الذي جعل القذافي يصف الثوار (بالجرذان) و(المساطيل)، ولكن هو الذي وجد في آخر يوم له في الحياة مختبئاً داخل أنبوب لتصريف المجاري مثل الجرذ، بينما بلغ من وصفهم بالجرذان غايتهم من الحرية والكرامة والحياة العزيزة.

إنّ مصير طاغية سوريا سيكون أسود، فهو الذي أضاع فرصة نجاته من الغرق، قدمت له الجامعة العربية مبادرة جريئة فرفضها، باستعلاء وتكبُّر معتمداً على دعم الدب الروسي والتنين الصيني، اللذين استعملا الفيتو ضد قرار لمجلس الأمن يدين الوحشية التي يطبقها بشار (اللعين) ضد الشعب السوري، ولم يتأخر العرب فنقلوا مطلبهم ضده إلى الأمم المتحدة التي أصدرت قراراً شهيراً ضده، وان كان غير ملزم، ومضى العرب وفي مقدمتهم المملكة في تبنّيهم لقضية أهل الشام العادلة حتى نصب الأمين العام السابق للأمم المتحدة السيد كوفي عنان مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لحلحلة القضية السورية، الذي قدم خطته المتضمنة إيجاد حلول سلمية للأزمة تضع في مقدمة أهدافها وقف جميع أعمال العنف المسلحة من جميع الأطراف ومراقبة الانتهاكات من قِبل مراقبي الأمم المتحدة، تأمين إيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق التي دمّرها الطاغية السوري وجيشه وإطلاق سراح جميع المعتقلين الذين شاركوا في المظاهرات السلمية المطالبة بسقوط نظام الأسد، إضافة إلى ضمان النظام السوري (العفن) لحركة الإعلاميين في جميع أنحاء البلاد، واحترام حرية المظاهرات السلمية!! السؤال الذي يطرح نفسه..

هل سينفّذ دكتاتور سوريا مبادرة جامعتنا وهيئة الأمم المتحدة؟ الإجابة (لا) والسبب أنه لن يغادر السلطة إلا على جثث أشقائنا في بلاد الشام، وتدمير البلاد بطولها وعرضها، وسيبقى متشبثاً (بالسلطة) مادام ان روسيا والصين تضربان بعرض الحائط حقوق الشعوب بالحرية والكرامة وحقوق الإنسان، وسيبقى النظام السوري بأقليته التي لا تزيد على 10 في المئة من عدد سكان ذلك البلد يضرب بيد من حديد يوماً بعد آخر، يقتل المزيد من الشعب السوري الذي الذي قُتل منه حتى كتابة هذه السطور بناءً على تقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان وغيرها أكثر من عشرة آلاف مسلم وعشرات الآلاف من الجرحى والمعاقين أكثرهم من الأطفال والشيوخ، ناهيك عن الجرحى والمعاقين وعشرات الآلاف من المهجرين في الداخل والخارج!! ويجب أن لا نحلم نحن العرب والمسلمون المساندون للشعب السوري بأن تتوقف الآلة العسكرية في ذلك البلد عن قتل الأبرياء، بعد أن انتهت المدة المحددة لسحب بشار آلته العسكرية من جميع المدن والمحافظات السورية، والدليل على ما نقول أن وزير الإعلام السوري المعلم خلال المؤتمر الصحفي مع زميله الروسي الثلاثاء الماضي كرر طلب حكومة سيده بشار اشتراطه إقراراً مكتوباً من الجيش الحر يؤكد قبوله خطة عنان ليزرع أول أسفين في جسد المبادرة، بل إن إرهاب بشار (المجرم) سيحصد أرواحاً كثراً مادام أن الجيش السوري الحر مجرّد من السلاح وأن مؤتمر أصدقاء سوريا الذي انعقد مؤخراً في استنبول لم يتوصل إلى قرار جماعي لتسليح الجيش السوري الحر، ناهيك أن روسيا وإيران تحديداً يدفعان بالأسلحة الفتاكة لنظام الأسد لقتل شعبه، مما جعله يتمادى في غيه ويضرب السوريين داخل الحدود التركية ليسقط منهم قتلى وجرحى، وإذا لم يتم تدخل دولي لحقن دماء السوريين فإنّ حرباً أهلية تلوح في الأفق، والاقتصاد السوري سينهار قريباً، والمدن السورية ستدمّر والعملة السورية ستفقد قيمتها.

ولكننا نقول للأسد إن نهايتك قد أزفت وأن الشعب السوري لم ولن يهدأ له بال حتى تتحقق تلك النهاية وأن أحرار العالم كله مع ذلك الشعب الأبي، وليس أدل على ذلك من اعتراف 74 دولة بالمجلس الوطني الديمقراطي السوري ممثلاً شرعياً للشعب السوري، وقريباً سيعيش ذلك الشعب حياة العزة والكرامة والرفاه من غير (بشار) وإرهابه الذي ما بشر يوما بخير.

dreidaljhani@hotmail.com
رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية
 

إرهاب الأسد إلى أين؟
د.عيد بن مسعود الجهني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة