ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Wednesday 25/04/2012/2012 Issue 14454

 14454 الاربعاء 04 جمادى الآخرة 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لعلكم شاهدتم ذلك اليوتيوب الذي يأمر فيه عددٌ من جنود نظام البعث أحد الشباب المعتقلين أن يسجد على صورة كبيرة دعائية لبشار، ويأمره بأن يقول: بشار ربي، وأن يسبح بحمده! أو أن يقول: بشار هو الله! طبعاً لم يخضع الشاب البطل المقاوم ولم ينفذ؛ بل استجمع قواه وهو منبطح على بطنه وجزمات الجلاوزة تدهس رأسه ثم بصق على الصورة وقال: لن أسجد إلا لله وحده! وانهال عليه الجنود النصيريون ضرباً ورفساً وسحلاً لم يجد للنجاة بعدها سبيلا، ولكنه وجد خير الختام شهيداً بإذن الله؛ لأنه دافع عن عقيدته إلى اللحظة الأخيرة بشجاعة نادرة.

هذا التصرف الذي بدا من الجنود وكأنه لون من المبالغة في طلب الطاعة والخضوع لبشار ينطلق من عقيدة قرمطية نصيرية، تؤمن بالحلولية وبأن الله يحل في جسد من وصل إلى رتبة متقدمة في الكشف، فهو يتكلم بلسانه، وينظر بنظره، ويعاقب أو يكافئ إنابة عنه، ومذهب الحلول هذا تبنته فلسفة فارسية قديمة وأشاعه المتأخرون منهم، واعتنقه غلاة المتصوفة كالحلاج، وابن الفارض، والسهروردي، والجعد بن درهم، وآخرون، ونقله حمدان بن الأشعث الملقب بقرمط عن أستاذه عبدالله بن ميمون القداح المعروف بصاحب الزمان في خراسان كما كانوا يطلقون عليه! وقد بدأ قرمط يبث دعوته في محيط بغداد ولكن المعتضد بالله (279- 289هـ) طارده واجتهد في قتالهم وطردهم من ضواحي بغداد إلى الكوفة التي أنشأ فيها قرمط دار الهجرة، وأسقط الصلوات، وأباح المشاعية في الأموال والممتلكات والنساء، وفرض “الخمس” ورفع بيرقاً بقماش أبيض كتب عليه الآية الكريمة {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} ليخدع بها الفقراء والعمال والمستضعفين والمسرحين من أعمالهم، فاجتمع حوله نفر غير قليل من هؤلاء، كان يأخذ منهم في البدء كل سنة ديناراً، ثم لما كثرت غنائمه من الغزوات والإغارة على المدن وممالك الناس فرض خمس ما يملك أو يكسب، وزاد على ذلك فروضاً مالية أخرى لتقوية جيشه، مثل: الفطرة وهي درهم عن كل واحد من الرجال والنساء والصبيان، والهجرة وهي دينار عن كل من أدرك الحنث، والبلغة سبعة دنانير، والألفة وهي جمع الأموال في موضع واحد، ويوزع بالتساوي.

أحيا قرمط تعاليم الفارسي الأول »مزدك» و»زرادشت» في شيوعية المال والجنس، وألغى الديانات والأنبياء، والفرائض، وجعل جهده في هدم الشعائر الإسلامية مثل الحج، فبعد مطاردة المعتضد له ولأتباعه أبعد النجعة واختار قرية »السلمية» بين حمص وحماة في ديار الشام مقراً له، فعرفت هذه القرية بأنها مهد الإسماعيليين، ومنها انتشرت دعوته إلى البحرين والأحساء واليمامة وجنوب الجزيرة العربية، وقد اجتهد المكتفي بالله (289- 295هـ) ابن المعتضد في استكمال ما قام به والده من استئصال الزنج ثم القرامطة فلاحقهم ودخل معهم في معارك، وقتل عدداً من قادتهم ومنهم قرمط نفسه.

لقد استباح القرامطة دماء المسلمين، وامتنع الحاج عن الحج أكثر من ثلاثين عاماً خوفاً من غاراتهم، ففي إحدى غاراتهم على مكة قتلوا في المطاف يومي التاسع والعاشر آلاف الحجاج حتى خاضت الخيل في الدماء، وسدت الجثث بئر زمزم فامتنع ماؤها، وخلعوا باب الكعبة وميزابها والحجر الأسود، وذهبوا به معهم إلى هجر ووضعوه في بئر إخفاء له، ثلاثة وعشرين عاماً إلا أياماً، إلى أن أعاده المكتفي بالله، وتعرف هذه البئر في القطيف الآن بعين الكعبة!

ويلتقي الفكر القرمطي بالنصيري المنسوب لأبي شعيب محمد بن نصير البصري النميري (ت 270ه‍ـ) في أمور عدة؛ منها تأليه علي، والإيمان بالتناسخ والحلول، وبأفكار ومعتقدات مزدك وزرادشت، والاحتفال بالنيروز وأعياد الفرس، وإبطال الحج والاعتقاد بأنه عبادة أوثان، وإبطال الزكاة والاستعاضة عنها بالخمس، ومشاركة النصرانية في أعيادها كعيد الغطاس، وعيد العنصرة، وعيد القديسة بربارة، وعيد الميلاد، وعيد الصليب، والاحتفال بمقتل عمر بن الخطاب وجعل يوم مقتله عيداً أسموه يوم دلام وهو التاسع من ربيع الأول الذي قتل فيه عمر! وتقديس قاتل علي بن أبي طالب عبد الرحمن بن ملجم؛ لأنه خلّص علياً من جسده لزعمهم بأنه قد خلص اللاهوت من الناسوت!

وللتشابه الشديد في المفهومات والمعتقدات بين القرمطية والنصيرية وتقارب زمن الرجلين حمدان بن شعيب ومحمد بن نصير، ولظهورهما في بغداد ثم انتقالهما إلى الشام؛ فإن الظن يذهب إلى اتحاد الرجلين في المذهب والرؤية والهدف، وهو إسقاط الدين الإسلامي، وهدم بناء العروبة باعتبار فارسيتهما، وإسقاط الخلافة، ولما هزمت القرمطية، وضيّق على النصيرية لجؤوا إلى الجبال والسواحل كدادين وفلاحين، وبقي النصيريون يداً معينة للغزاة مثل التتر؛ فحين جاء تيمورلنك النصيري غازياً بلاد الشرق 822هـ كانوا الممهدين والمساعدين، وحين جاء الفرنسيون غزاة لديار الشام أمدهم النصيريون بما يمكنهم، واتخذ منهم الفرنسيون قادة لبعض الفرق العسكرية، وساعدوهم على الادعاء بألوهية دعاتهم!

وما يحدث اليوم في سوريا هو تواصل مع التاريخ القرمطي الذي أول ما بدأ منتصف القرن الثالث الهجري، حرقاً للقرى والنجوع في الكوفة على يد قرمط، وفي مواضع أخرى من إقليم البحرين وهجر على يد أبي طاهر سليمان وسعيد الجنابي الذي ضم إقليم اليمامة عام 287هـ ثم في مكة ودمشق ومصر.

يواصل حافظ أسد ما بدأه الأسلاف القرمطيون والنصيريون فيرتكب مجزرة مخيم تل الزعتر 1976م ثم طرابلس 1985م ثم سجن تدمر 1980م ثم هنانو 1980م ثم جسر الشغور 1980م ثم حماة 1982م.

وعلى الرغم من اختلاف التلقي والنشأة والمعارف؛ حيث درس الابن بشار في الغرب طب العيون، وتعلّق بعلوم الحاسوب بما يوحي بتشبعه بروح العصر الحديث وبمعطياته الثقافية وقيمه الديموقراطية؛ إلا أنه ظهر على خلاف ذلك كله، وعاد إلى الأصل والجذر الأيدلوجي الأول؛ حيث الإيمان بحق الطائفة في التسيد، واستعباد من سواها، واتباع الأساليب نفسها للبقاء التي اتبعها الأسلاف؛ وهي أن الدم المراق بغزارة وحده يحمي من السقوط؛ فسار على نهج والده، فها هو منذ أكثر من عام يحرق ويدمر ويقتل ويهجر، مستعيناً بشركائه الطائفيين الذين يمدونه بالمال والسلاح والرجال من حزب الله في لبنان وحزب الدعوة في العراق والملالي في قم، ومن يقترب قليلاً أو كثيراً من الفكر الإسماعيلي في تركيا وغيرها.

لقد قتل إلى الآن أكثر من عشرين ألفاً، وأخفى في السجون أكثر من خمسين ألفاً يعدون قتلى في الغالب، وهجر أكثر من مائة ألف، ودمر أكثر من عشرين مدينة وقرية، وما زال يتوغل في الدم كي يبقى كما يعتقد، ولكن هذا الزعم ليس حقاً في كل الأحوال، فكما لعق من سبقوه دماء أبرياء بالآلاف وانتقمت شعوبهم منهم سيأتي اليوم الذي يرد المظلوم على من ظلمه بأسوأ مما اقترف من جرم، كما تدل الوقائع والأحداث على مدى التاريخ.

(يتبع)

ksa-7007@hotmail.com
 

القرامطة الجدد!! 1ـ2
د.محمد عبدالله العوين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة