ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Wednesday 25/04/2012/2012 Issue 14454

 14454 الاربعاء 04 جمادى الآخرة 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

الأرقام التي سوف ترد في هذه المقالة ليست للتسلية، ويجب أن لا نتعامل معها بهز الرؤوس ثم الصمت. المسألة تتعلق بالمستقبل المنظور واحتمال الموت عطشاً بسبب التفريط الحالي في التعامل السفيه مع مخزوننا المائي المتواضع. علماء المناخ والبيئة والمياه كلهم يحذرون منذ ثلاثة عقود من أن دولا كثيرة ًمقبلة على كارثة مائية، ونحن على رأس القائمة. الكلام في العموميات لا يفيد كثيرا، لذلك سوف أستخدم الأرقام لعلها تفيد أكثر وتساعد على تطيير السكرة والغفلة من عقول يعطلها عدم الاكتراث والتسويف والاتكالية التي يحرمها ويجرمها التشريع الديني قبل العقل والحكمة وتحمل المسؤولية.

الأرقام تقول إن استهلاك المواطن السعودي اليومي من المياه يقع في حدود سبعمائة لتر في اليوم، علما بأن مصدر المياه هذه من تقطير مياه البحر بالأساس وهو الأكثر تكلفة على الإطلاق، والمواطن السعودي يعيش في صحراء ليس فيها سوى بقايا مياه جوفية عميقة تجمعت عبر ملايين السنين وبدأت مناسيبها تنخفض بشكل مخيف. بالمقابل يستهلك المواطن الألماني في مدينة ميونخ تسعين لترا من المياه في اليوم فقط، علماً أن مدينته تقع على ضفتي نهر هادر طوال أيام السنة والأمطار تهطل عليها بمعدل ثلاثمائة يوم في العام الواحد. متوسط استهلاك الفرد في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى من الماء لا يتعدى مائة وثلاثين لتراً في اليوم، ويعتبر من يصل هذا الحد مسرفاً وعليه أن يتحمل التكاليف من جيبه لأن تعرفة المياه عندهم تصل إلى عشرين ريالاً للمتر المكعب. عندنا تصل تعرفة المياه إلى اثنين في المائة فقط من هذه القيمة.

ننتقل إلى أرقام مخيفة أخرى. في عام 1980م كان استهلاك المياه في كافة دول مجلس التعاون الخليجي بحدود ستة مليارات متر مكعب في السنة. في عام 2010م وصل الاستهلاك إلى خمسة وأربعين مليار متر مكعب. ذلك يعني أن نصيب الفرد الواحد من سكان مجلس التعاون من المياه المتوفرة في عام 1980م كان 678 متراً مكعباً في العام. لو أن استهلاك الفرد استمر كما كان آنذاك لأصبح نصيب الفرد من المياه المتوفرة في عام 2010م 176 متراً مكعباً فقط، أي بانخفاض مقداره 500 متر مكعب لكل فرد. المصيبة أن استهلاك الفرد لم ينخفض بانخفاض المتوفر من المياه بل ارتفع إلى أرقام فلكية وتضاعف عدة مرات. نحن نتكلم حتى الآن عن الاستهلاك البلدي السكاني للمياه فقط وليس الزراعي أو الصناعي. لكن أين تذهب كل هذه المياه وكيف تهدر؟ هذا الأمر يحتاج إلى توضيح بأرقام مخيفة أخرى.

الاستهلاك البلدي المحلي للمياه يتوزع هكذا:

1- السيفون. 2- غسل الملابس واللوازم المنزلية. 3- الاستحمام.

هذه الأغراض الثلاثة تستهلك ثمانين بالمائة من مياه الشبكة المدنية التي تصل فعلاً إلى هدفها، والباقي يذهب للشرب والوضوء والأغراض الأخرى. مع ذلك يكمن داخل هذه الأرقام رقم آخر يجعل القلب ينقبض والرأس يصاب بالدوار. سبعون في المائة من المياه التي تم ذكرها في خانة السيفون والغسيل والاستحمام والشرب والوضوء تضيع في الطريق قبل الاستهلاك لأنها بكل بساطة تتسرب من الشبكة المائية الرديئة. ركزوا معي، يضيع سبعون في المائة من المياه الواصلة إلى المنازل والمتاجر والعمائر والمؤسسات والوزارات إلى آخر المنشآت المدنية قبل أن يفي بأي غرض، يتسرب ببساطة من الشبكة لأن الأنابيب والسيفونات والحنفيات المستخدمة عندنا بضاعات رديئة ولا تحصل على ما تستحقه من الفحص والصيانة والتجديد. هذا غير ما يتسرب في الشبكة الخارجية قبل أن تصل المياه إلى الشبكات الداخلية الواقعة تحت سيطرة المستهلك.

هناك سبب أهم من كل سبب آخر وراء هذا الاهتراء العقلي والفكري المؤدي إلى اهتراء الشبكة المائية وفقدان سبعين في المائة منها في التسربات، بالإضافة إلى التعامل الاجتماعي مع المياه بهذا الإهمال الذي يصل إلى حد الكفر بالنعمة والتلاعب بمستقبل البلاد والعباد. إنه بالأساس تفاهة القيمة المالية التي يدفعها المواطن مقابل الماء. الماء والبنزين هما أرخص مادتين عندنا رغم أنهما أهم المواد للحياة على الإطلاق لأنها الحياة والطاقة. لذلك يتعامل المواطن معهما بما يصل إلى حدود الكفر بالنعمة.

الحلقة القادمة سوف تتعرض لأرقام أكثر إخافة عن الإهدار المائي في النشاط الزراعي لتكتمل الصورة حول ما نحن مقبلون عليه.

 

إلى الأمام
الأرقام المرعبة للعطش القادم 1/2
د. جاسر عبدالله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة