ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Sunday 29/04/2012/2012 Issue 14458

 14458 الأحد 08 جمادى الآخرة 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

      

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، وبعد:

فإن منن الله على وطننا ونعمه تتجدد وتتوالى، ولا يمر وقت أو زمن إلا ونرى له علينا فضلاً ومنة، وأعظم المنن بعد توحيده ما يتعلق بما أفاء الله علينا من الولاية الراشدة، والقيادة الحكيمة التي جعل الله قدرها أن تكون خادمة مقدساته، حامية لحرماته، حافظة لحدوده، قائمة على نصرة دينه وشريعته، وهذا ما جعل شأنهم بين أمم العالم شأنًا عاليًا، وأثرهم في المنظومة الدولية عميقًا، ومن هنا لا عجب أن تتوالى الاعترافات العالمية، وتتواطأ على اعتبار تأثير هذا البلد المبارك في الواقع الدولي من خلال تأثير قيادتنا الرشيدة, وولايتنا الموفقة, وعلى رأسهم المليك المفدى خادم الحرمين الشريفين الملك/ عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - أيده الله - وقوته ومكانته، وأنى للعالم أن يقول غير ذلك وبلاد الحرمين الشريفين - أدام الله عليها نعمه - هي قطب رحى العلاقات الدولية؛ امتلكت زمام المبادرات، وقدمت للعالم رؤية منطلقة من روح الإسلام, ومبادئ الوسطية والحق والعدل والسلام، في رؤية تعرض هذه المبادئ والأسس, وتقدمها للعالم على حقيقتها, وتدفع ما ألحق بالإسلام من مظاهر وسلوكيات لا تمثل الإسلام ولا قيمه, ولهذا لا غرابة أن يأتي هذا التقدير من منظمة عالمية تضع في قائمة أولوياتها إيجاد البيئة الملائمة لإطلاق الحوار بين الحضارات والثقافات على أسس احترام القيم المشتركة الذي توج به خادم الحرمين الشريفين الملك/ عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - أيده الله - من المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» أرينا يوكوفا, مع نخبة من السفراء لدى المنظمة، بمنحه ميدالية اليونسكو الذهبية؛ ليكون هذا الإعلان تقديرًا عالميًا يضاف إلى اعترافات دولية, وشهادات أممية, وإشادات صدرت من منصفين وعقلاء يعلمون أن الحنكة والحكمة السعودية تقود هذه البلاد وتنأى بها عن الصراع والفتن, وهي اعترافات بأدوار تاريخية أسهمت بها مملكة الحب والإنسانية في مجال المبادرات التي تخدم الحوار بين أتباع الديانات والثقافات، وتقرب المسافات, وتقضي على مظاهر الخلاف والفرقة, وتخدم الأمن والسلم العالميين.

الله أكبر! إن منح إمامنا ومليكنا خادم الحرمين الشريفين هذا الوسام هو وسام شرف للمملكة ولكل من شرفه الله بالانتماء لهذا الوطن، لشخصية عربية إسلامية تتمتع بمقدرة عالية على ممارسة التأثير, وهذا أمر لا يستغرب، واعتراف عالمي بهذه الشخصية القيادية التي بهرت العالم بفضل الله وتوفيقه لما يحظى به - حفظه الله وسدده ووفقه - من حكمة وسياسة في معالجة الكثير من الأزمات على المستوى العالمي، وما حباه من خلال وخصال جليلة، جعلته قريبًا من شعبه، وخصوصًا الفئات الأكثر حاجة، وفي المجال الدولي له إسهامات كبيرة، ومبادرات مخلصة تأتي على خلفية ما يعانيه العالم من تفرق وتناحر وحروب مدمرة، وأزمات سياسية واقتصادية؛ ليكون إمامنا أحد المؤثرين في القرارات الدولية التي ترتبط بهذا الواقع.

إن من حق إمامنا ومليكنا أن نذكر ما كان سبب هذا الاختيار العالمي لهذا الوسام الذهبي؛ فهو اختيار مؤسس على أسباب تضافرت وتكاملت لدى منسوبي هذه المنظمة, وعلى رأسها معالي مديرتها, أبرزها المكانة الدولية والمحلية، والممارسة السياسية التي تعتمد المصداقية والمحبة بأسلوب مؤثر عميق، وبإدارة ناجحة، يسبق فيها صوت العقل والمنطق والحكمة، وتغلب فيها لغة التسامح والتصالح والتعايش؛ لتكون هذه المشاركة إبرازًا لهذا الدور العالمي، ومنطلقاته التي أساسها ورأسها التمسك بهذا الدين عقيدة وعبادة وسلوكًا، والأخذ بما كان عليه سلف الأمة، بمنهج وسطي، ورؤية واضحة تجمع ولا تفرق، وتبني ولا تهدم، وتهدي إلى الصراط السوي.

إن أولى تلك المآثر التي نلمحها في مسوغات هذا الاختيار العالمي: مكانة هذه البلاد وما حباها الله به، وهذا الاصطفاء والاختيار قدري شرعي و{اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}، فقد اختار الله هذه البقعة؛ لتكون بمنزلة القلب للعالم، وتكون هي أصل الإسلام ومأرز الإيمان ومهوى الأفئدة، ومهبط الوحي، وبلد أعظم المقدسات؛ ففيها بيت الله، وقِبْلة المسلمين، وهي موطن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومهاجره، وقد اختصها الله بميزات عظيمة، وميزها بما يجعل المسلمين جميعًا يتجهون إليها، بل العالم يتجه إلى حكمتها وحنكتها ورؤيتها وسياستها وتأثيرها، وما هذا الحضور العالمي للمملكة إلا شاهد على ذلك, وتقديراً لهذه المنجزات التي تمثلت في جملة من المبادرات تعتمد هذه اللغة الحضارية التي ينطلق فيها من رؤية شرعية, وتحوي دلالات عظيمة, وتعد مرتكزًا أساسيًا لفهم عالمية الإسلام, والتشرف بحمل هدايته إلى أقطار الدنيا, وتعكس من زاوية أخرى شخصية مليكنا المفدى - أيده الله - وما حباه الله به من خلال, وما جبله عليه من خصال, استحق بسببها أن يختار - وهو جدير بهذا الاختيار - لهذا الوسام الذي يشرف به؛ فهو يعكس شخصية فذّة تمتلك حسًّا إنسانيًا رفيعًا, وحكمةً بلغت غايتها, وعقلاً راجحًا يتعالى على كل المؤثرات, وروحًا إسلامية عالية, وهمًا تجاه أمة الإسلام ، بل تجاه أمم الأرض جميعاً، فلم ينغلق على شعبه ووطنه فحسب, بل إنه من خلال هذه المبادرات الرائدة العالمية يشير إلى حقيقة أصيلة في شخصيته, وهو أنه ذو نزعة جماعية, وتمسك بثوابت الإسلام ومبادئه, ينطلق منها إلى أفق بعيدة تتعلق به آمال الشعوب الإنسانية لتتجنب الصراعات والعنف والدموية، إنه البعد العالمي الإنساني, الذي دعا فيه - حفظه الله - إلى تجاوز الخلافات, وتقريب المسافات مع العالم أجمع, وذلك بدعوته - أيده الله - في أكثر من مناسبة إلى الحوار بين الحضارات, والتقارب بين أتباع الثقافات، على أساس من القيم المشتركة التي ذكرها خادم الحرمين الشريفين - سدد الله قوله - في أكثر من مناسبة, فقد قال في كلمته أمام وفود الحجيج في موسم حج عام 1429هـ: «أيها الإخوة الكرام: إن الأديان السماوية الكبرى, وما أُنْزِل على سيدنا إبراهيم من حنيفية سمحة تجتمع على مبادئ كبرى, وتشترك في قيم عظيمة تشكل في مجموعها مفهوم الإنسانية, وتميز الإنسان عن غيره من المخلوقات مبادئ الصدق والأمانة والتسامحالتكافل والمساواة وكرامة الإنسان, والحرص على أساس كل مجتمع, ألا وهي: الأسرة».

إنها رؤية متوازنة, ونظرة ثاقبة من قيادة بلد السلام إلى العالم أجمع, أنه مهما توسعت الهوة, وقوي الخلاف والاختلاف, وساد منطلق القوة, فإن في القيم المشتركة, وفي أصول الأديان من عالمية القيم, وعالمية المثل, وعالمية الفطرة, وعالمية النظام الاجتماعي ما يمكن من التغلب على الصعوبات والمشاق, ويجمع القلوب المتنافرة, وفهم هذه القيم يؤدي إلى تكوين رؤية سليمة لتعقيدات الواقع الدولي, والأطر الدينية فيها من المرونة والشمولية والصلاحية لاستيعاب تلك الظواهر المتباينة في واقع علاقات الدول.

ومن أبرز أسباب هذا الاختيار مكانة تلك المبادرات الملكية, ودورها الذي لا ينكر, وعناية العالم بها؛ فهي أساس لمعالجة الواقع الدولي بصورة مثالية للتطبيق, تحفظ الحقوق, وتبني الحضارات, وتؤسس لعلاقات متوازنة يسودها الأمن والأمان والسلام والاطمئنان, من خلال الحوار والإفادة من النماذج الحديثة التي لها أثر في بلورة مفاهيم العلاقات وصياغة معالمها مثل المؤتمرات الدولية, واللقاءات العلمية, والتبادل الثقافي, والوفود البرلمانية وغيرها, وهذا ما دأبت عليه المملكة في المحافل الدولية, ودعت إليه وسعت, وليس الأمر مقتصرًا على الجهد السياسي المبذول من خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - في هذا الشأن بل حتى على المستوى العلمي والتعليمي والبحثي والأكاديمي, فإن أي عمل لا بد أن يؤسس على البحث والاستقراء, واستخلاص النتائج؛ ليكون عملاً مؤسسيًا يتجاوز التجارب, بل يمكن تطوير الأعمال البحثية؛ لتكون أداة للتفاعل والتواصل, ومقدمة للحوار الذي يخدم كل مجالات العلم والعمل؛ لذلك فإن الحوار بوصفه وسيلة مثلى شأن عظيم, يقرب المسافات, ويختصر الطرق, ويفعل في النفوس ما لا تفعله الأسلحة العسكرية؛ لأنه يعتمد أسلوب الإقناع العقلي, وإثارة الدافع للقبول, والحاجة في ظل الظروف الآنفة ماسة لمثل هذا الأسلوب الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين في العلاقة مع الآخر, بل وحتى في تصحيح المفاهيم, وتنقية الإسلام مما علق به من شُبه وبدع وخرافات.

وهذه المبادرات الملكية ليست مزايدات كلامية, ولا مفاخرات بل خطوات عملية, صدَّق فيها مليكنا - حفظه الله - القول بالعمل, والمبادرة بالجهد والمثابرة؛ لتثمر منجزات كبرى بدأت بالانطلاق في ميدان العمل في مبادرات بدأت من مكة المكرمة, وتوجت بموافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على دعوته -أيده الله- للجمعية لعقد اجتماع عالي المستوى للحوار بين أتباع الديانات, وفقًا لما تضمنه إعلان مدريد الصادر عن المؤتمر العالمي للحوار بين أتباع الرسالات الإلهية والثقافات الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في مدريد في الفترة من 13 إلى 15-7-1429هـ.

وتوالت جهوده - أيده الله - في هذا المجال الذي نحن بأمس الحاجة إليه, في عالم مليء بالنزاعات والفتن والصراعات، وموجة التغيير التي ضربت العالم, وأحدثت تعقيدات تتطلب موازنات يمكن تفعيلها عن طريق الحوار, وفهم أدواته وآلياته؛ لذا يحق لنا أن نقول: إن حوار الحضارات الذي نعيش شيئًا من آثاره ونتائجه أساسه مبادرات رجل السلام الأول, وقائد التعايش والمحبة, خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله -, فهذا العمل الإسلامي المبارك يمكننا أن نجزم بأنه من أعمال التجديد التي تضاف إلى سجل أعمال خادم الحرمين الشريفين, وإذا استشرفنا في هذا العمل دلالات قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا», وعلمنا أن مفهوم التجديد يكون لجوانب حصل فيها الانحراف واللبس إلى درجة يخشى عليها الضياع, وهذا ما حصل في واقعنا في أمور كثيرة, وخصوصًا صورة الإسلام في نظر الآخرين, ومعرفة روحه ومضامينه حيث توالت عليه أعمال طرفي النقيض: الغلو والجفاء, وأصبحت تصرفات أهل الغلو والتطرف والغدر والإرهاب تشويهًا لصورة الإسلام في أوساط غير المسلمين, بل صار هناك ربط بين أحكام الإسلام ومبادئه وتصرفات أولئك المنحرفين المتطرفين, ووصل الحد إلى درجة أن مجرد الانتساب إلى الإسلام يثير الفزع والرعب لدى غير المسلمين؛ فجاءت هذه المبادرة التجديدية من خادم الحرمين الشريفين لتعيد أمجاد المسلمين, وتقدم هذه الحضارة العريقة بصورتها النقية الناصعة, المثالية للتطبيق في العالم أجمع, فالحمد لله الذي سدد خادم الحرمين الشريفين بمثل هذه الأعمال الجليلة, التي نحتسبها زاده إلى رضوان الله وجنته.

بقي أن أقول: إن هذا الوسام الذهبي الذي يُعد أعلى وسام من هذه المنظمة الأممية يجب أن يكون له أثره في تفعيل هذه المبادرات, والتعاون مع كل جهد مثمر, ولاسيما عبر الجهات والمؤسسات الأكاديمية البحثية؛ فالجميع يدرك أن العلم هو أساس التقدم والبناء, وتأطير كل جهد وعمل بناء, فاختيار مليكنا -حفظه الله- لهذا الوسام إشادة واعتراف, وهو مسؤولية نتحملها نحن المواطنين والمسؤولين, فما بذله ويبذله خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - وما يطرحه من مبادرات يجعل مسؤوليتنا مضاعفة, أن نستثمر هذه الجهود, ونغتنم هذه الفرص, ونتفاعل مع هذه المبادرات، كل بحسب مسؤوليته, وموقعه في المسؤولية؛ لتكون المخرجات والثمار تليق بحجم هذا العمل العظيم, ولتكون هذه الأعمال نقلة نوعية في مجال نشر هذا الدين, وتحقيق عالميته, وبهذا تكون مبادراته - أيده الله - من أعظم الإنجازات التي نحتسب على الله أن يكون مليكنا يدخل بسببها فيمن أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم خير الناس؛ لأنهم يسعون فيما يدوم نفعه للناس, ويتحقق بها الخيرية لهذه الأمة. ونسأل الله - عز وجل - أن يحقق الآمال والطموحات, ويكتب النجاحات المتوالية لهذه الجهود المباركة.

وبعد: فإن من حق مليكنا على كل مواطن شرف بالانتماء إلى هذا الوطن, وعاش هذه الآثار والمعطيات الحميدة للمبادرات الملكية, ورؤية المليك المفدى فيها وحكمته وحنكته، أن يلهج بالثناء لله - عز وجل - أولاً, فهو الذي منَّ على إمامنا ومليكنا, واختصه بهذه النعم, وهو الذي سدده بهذه المواقف السديدة, ووفقه لهذه الإنجازات العالمية, والمساهمات الفاعلة المؤثرة, ثم يشرفنا أن نرفع لمليكنا المفدى, وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز التهنئة الخالصة بهذا الوسام الذي نشعر بأنه تاج فخار, ووسام على صدر الوطن, والشكر لله - جل وعلا - على توفيقه, والدعوات الصادقة أن يتم الله سبحانه عليه نعمه, ويسبغ عليه فضله, ويكلأه برعايته, ويجعل هذا التقدير والاعتراف من عاجل بشراه في الدنيا, ويدخر له أجزل المثوبة, وأعظم الأجر في الآخرة, والله المسؤول أن يحفظ علينا ديننا وأمننا, وقيادتنا, وأن يجعل أعمالهم زادًا لهم إلى رضوان الله وجنته, إنه سميع مجيب.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

* مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

 

أعلى وسام لمليكنا المفدى.. استحقاق بجدارة وجهود عالمية جبارة
أ.د.سليمان بن عبد الله ابا الخيل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة