ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Tuesday 01/05/2012/2012 Issue 14460

 14460 الثلاثاء 10 جمادى الآخرة 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

من فجر التاريخ والجزيرة العربية السعودية حلقة وصل بين شرق قلب العالم وغربه، هي الشريان التاجي الذي ربط بطين الحضارات القديمة الأولى الأيمن ببطينها الأيسر. الفرس عبروا الجزيرة قبل الإسلام لمحاربة الأحباش في اليمن، واليونان عبروا شمالها لمحاربة فارس والهند،

ولو أفصحت الرمال عمّا تحتها لوجدنا في الجزيرة العربية حلقة الوصل المفقودة بين شرق حضارات العالم القديم وغربه. وأول بعثات إسلامية خرجت من الجزيرة يممت نحو أرض الكنانة كما كانت تسمى مصر. وبعد فتحها حكمها داهية العرب عمرو بن العاص في فجر الإسلام، وقد اتخذ أكرم الأكرمين من امرأة قبطية زوجة له. ومصر الحديثة، بلا مراء، قلب العالم العربي ومهد التنوير فيه.

إسقاطات التاريخ الحديث التي لم تكن وللأسف جيدة قذفت بمصر في مهب رياح هوجاء منعتها من الاستقرار بشكل صحي يضمن لها استمرار مسيرتها بشكل طبيعي يضعها في مصاف الدول المتقدمة، بدءًا بالاستعمار البغيض وانتهاء بالحروب المتتابعة مع إسرائيل. وربما كان الثابت الأهم لمصر هو علاقتها بالجزيرة العربية التي حاول إبراهيم باشا التوسع فيها ولم يتوسع في إفريقيا. وعندما قامت الدولة السعودية الحديثة كانت أول زيارة خارجية للملك الموحد لمصر، مصر فاروق التي يترحم عليها الكثير من المصريين اليوم. وبالرغم من رغبة عبد الناصر تكرار محاولات التوسع التي قام بها المماليك في اليمن والجزيرة العربية، إلا أن الملك فيصل نسي مشاعر التناحر السياسي بعد هزيمة مصر المدوية في عام 1967م، وأعلن في قمة الخرطوم في العام ذاته، مما سبب دهشة كل المراقبين، عن الوقوف إلى جانب عبدالناصر في معركتها، ودعهما عبر صندوق لدعم المجهود المصري لتحديث الجيش المصري. وتلا ذلك قطع النفط في حرب 1973م وحتى لا ندلف في عرض تاريخي ممل، نود بأن نختصر بالقول إنه يخطئ من يعتقد أن أي من الدولتين الشقيقتين تستطيع الاستغناء عن الأخرى.

مصر مرّت بمرحلة تغيير كبرى، تمثلت في هبة شعبية أسقطت حكم الرئيس مبارك، الذي أثبتت هذه الحركة انخفاض شعبيته بالرغم من شعبيته الكبيرة في بداية حكمه، وبالرغم من مرحلة الاستقرار التي مرت بها مصر في عهده. العلاقات السعودية المصرية في عهد مبارك كانت ممتازة، وهي علاقة في الأساس مع مصر وشعب مصر وليست مع مبارك، وعمل ويعمل في المملكة ما يقارب المليون مصري أي ما يقارب 15% من القوة العاملة مصرية، وهناك استثمارات متبادلة بالمليارات، وأهم من ذلك هناك ثقافة وإرث حضاري مشترك. ولذلك يخطئ من يختزل هذه العلاقة على أنها علاقة بمبارك.

وعليه فسقوط مبارك كان يجب ألا يضر بهذه العلاقات التاريخية، ولا غرو في أن المملكة تريد لهذه العلاقة الممتازة أن تستمر مع أية حكومة يختارها الشعب بعد مبارك. وبادرت السعودية في تقديم مساعدات عاجلة لمصر لضمان استقلالية القرارات المصرية عن أي تأثير خارجي. ولم تربط السعودية هذه المساعدات بأية شروط، ولم تقدمها لأي فئة سياسية بل قدمتها لدعم الجنيه المصري، والبنك المركزي. ولا مشاحة من القول: إن استقرار مصر مهم جدًا للمملكة، وأهم منه العلاقات التاريخية المتميزة معها، ولكن الدعم السعودي الاقتصادي أيضًا مهم لمصر.

سقوط مبارك المفاجئ، وعدم وضوح الرؤية المستقبلية لمصر، وظهور كثير من القوى الانتهازية على الساحة المصرية، أدى لتجاذبات سياسية غريبة، حيث حصلت القوى الدينية على أغلبية في كل شيء تقريبًا، البرلمان، الانتخابات الدستورية، وربما الرئاسية قريبًا. هذا الأمر فاجأ الجميع، والمصريين على وجه خاص، حيث رأى البعض في ذلك نهاية للوسطية والاعتدال التي عرفت بها مصر. وهذا ما آخر تسليم السلطة، ضمانًا للديمقراطية، وحتى يتم التأكَّد من عدم الانفراد بها مستقبلاً من قبل فئة بعينها. وفي ظل هذه التجاذبات ظهرت قوى دوغمائية مأجورة لا تفرق بين الأصدقاء والأعداء، وصوروا الدعم السعودي لمصر في السابق على أنه دعم لمبارك، علمًا بأن السعودية لم تدعم مبارك شخصيًا بجنيه واحد، وكانت جميع المساعدات نذهب للاقتصاد المصري مباشرة، والسعودية لم تمتن في ذلك على أحد، وإنما كانت ترى في استقرار مصر استقرارًا للعالم العربي برمته.

والمظاهرات التي حدثت بشكل متقطع من بعض القوى السياسية في مصر ضد السعودية قد تكون متفهمة، لأنها صدرت لأسباب استهلاك سياسي داخلي رخيص محض، ولذلك لم تهتم بها المملكة كثيرًا، إلا أنه ظهرت هناك أقلام وشخصيات سياسية مأجورة تهاجم السعودية بمناسبة وغير مناسبة، وتصاعد ذلك مع كل تشدد تظهره المملكة حيال حماية الشعب السوري الأعزل من النظام السوري الهمجي.

وأود أن أؤكد أنه لو هاجم الجيش المصري الشعب المصري بشكل مماثل في عهد مبارك لوقفت السعودية مع الشعب ضد مبارك.

هذه القوى التي كانت ترفع من درجة الاحتقان في مصر ضد السعودية مرددة نظرية المؤامرة الخارجية ضد الشعوب العربية، أي ترديد دعاية إيران، وسوريا وحزب الله، نسيت عنصرًا مهمًا جدًا وهو أنه لو كان هناك مؤامرة كما هو متخيل، لكانت الثورة المصرية ذاتها أكبر وأهم حلقة في هذه المؤامرة. فالشعب السوري يطالب بالحرية ذاتها التي يطالب بها الشعب المصري، وظروف الشعب السوري ربما كانت الأسوأ بين الدول العربية في ظل نظام قمعي غير مسبوق، له تحالفات معلنة مع عدو الأمة العربية الشرقي إيران، وغير معلنة مع عدو الأمة العربية الغربي إسرائيل.

ثم أقدم مواطن مصري أقل ما يقال عنه إنه أحمق، مستغلاً تسامح المملكة مع الرعايا المصريين بعملية غبية هي محاولة إدخال كمية كبيرة من الأدوية المصرية الممنوعة للمملكة، وهي أدوية طبية يستعيض بها بعض المدمنين عن الحشيش. وقضايا تهريب المصريين لمثل هذه الأدوية متكررة ومنتشرة بشكل كبير أخجل وأتعب القنصلية المصرية ذاتها، وقامت القنصلية بمحاولات يائسة لتنوير المصريين بالامتناع عن ذلك، دونما طائل. وكان لا بد في ظل مطالبة السعوديين الضاغطة بإصلاح واستقلالية القضاء أن يتم إيقاف هذا الشخص بصرف النظر عمّن يكون، ولاسيما وهو جاء للعمرة، ولم يعرف عنه التدين، ونوى العمرة ولم يعتمر.

العناصر المؤججة المصرية هاجمت السفارة السعودية بشكل همجي، وخلعت لوحة اسمها وأنزلت علم التوحيد، ورددت شعارات غير لائقة بحق السعودية وشعبها، وهذا محط استغراب ليس فقط للسعوديين بل وبعض المصريين أنفسهم. وعندما لم تبد قوى الأمن المصرية قدرة على حفظ أمن السفارة والبعثة الديبلوماسية فيها، اضطرت الخارجية السعودية لإغلاق السفارة. فهذا هو الخيار الوحيد المتاح والمعتاد.

والكاتب يعتقد أن هذه مجرد زوبعة في فنجان أو سحابة صيف عابرة ستنجلي قريبًا بشكل حتمي. ولكن فيها في الوقت ذاته رسالة مهمة للشعب المصري قبل السعودي، فإذا أرادت مصر أن تنزلق مع قوى أخرى في إشاعة عدم الاستقرار في المنطقة فهي حتما أول من يتأثر بذلك. وكل ما نتمناه وهو المتوقع أن يسود صوت العقل وتعاد المياه لمجاريها في أقرب وقت، فالضرر في حال الاستمرار في هذا المنزلق قد يفوق تصورات حتى من يحاولون إذكائه جهلاً أو غباءً. ونتمنى ألا تفهم المساعدات السعودية بغير ما هدفت له وألا تقابل بجزاء سنمار.

latifmohammed@hotmail.com
Twitter @drmalabdullatif
 

(جزاء سنمار)
د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة