ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Sunday 06/05/2012/2012 Issue 14465

 14465 الأحد 15 جمادى الآخرة 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

“ تحققت أمنيتي أخيراً في زيارة سلطنة عمان ورؤيتها من داخلها. كنت أقرأ وأسمع عنها، حتى سنحت الفرصة مع ملتقى المؤرخين الخليجيين، الذي عقد في مسقط قبل أقل من أسبوعين.

“ تميزت السلطنة منذ تولى قيادتها السلطان (قابوس بن سعيد) عام 1970م، بمرحلة استقرار وتنمية وتربية أيضاً. نجحت حكومة السلطان قابوس في إرساء قواعد الاستقرار والأمن، وفي خلق جو اجتماعي منسجم ومتصالح مع ذاته، ومنفتح إلى حد كبير مع الآخرين أياً كانت دياناتهم أو مذاهبهم أو توجهاتهم. أصبحت الهوية العمانية الوطنية هي البوتقة التي ينصهر فيها كافة العمانيين، فلم تعد القبائلية ولا المذهبية ولا المناطقية ولا أي توجهات أخرى؛ تعني شيئاً عند الشعب العماني، الذي أصبح اليوم مضرب المثل في احترام القوانين والتزام الأنظمة. إن سلطنة عمان- التي تبلغ مساحتها (309500) كيلو متر مربع، وعدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة، ثلثهم من الوافدين- وصلت إلى مستويات جيدة في النمو، فهي من أكثر بلدان العالم تحسناً وتطوراً خلال 40 عاماً مضت، وفقاً لمؤشرات دولية، وهي من أكثر البلدان العربية تقدماً واستقراراً.

“ الشعب العماني كله رجالاً ونساءً؛ منكب على العمل لتحقيق المزيد من التنمية والرخاء والتطوير لأجياله المتعاقبة. الزائر لعمان، لن يجد سائق تاكسي غير عماني، كما يجد الشاب العماني والشابة العمانية يعملان في إدارة الفنادق والمقاهي والمطاعم، ويجد منهم السكرتير والطباخ والنادل وعامل النظافة. لم أدهش عندما لم أر طيلة إقامتي فيها، ورقة أو عقب سيجارة في أي شارع كنت أعبره، لأني لمست آثار التربية الاجتماعية على العمانيين الذين يقابلون ضيوفهم بترحاب كبير، ويفسحون لهم الطريق، ويتشبثون بهم؛ لتقديم واجب الضيافة لهم في منازلهم.

“ إذا أردت أن تقيس مستوى الوعي عند المواطن العماني، فامش في الشارع العام وانظر بأم عينيك، لا تقل قال فلان وقال علان..! المواطن الذي يقود سيارته بكل انضباط، ويقف عند إشارات المرور، ولا يكثر من الأبواق، ولا يقف في الممنوع، ولا يرمي مهملات من شباك السيارة، ويقف عند العلامات الأرضية، وسيارته نظيفة غير مصدمة ولا مهشمة، ويلتزم لباسه الوطني.. هذا في رأيي مواطن واع إلى حد كبير. وقس على ذلك في طريقة تعامله معك في المطار استقبالاً وتوديعاً، أو في سكنك وفي السوق العام، وفي كل مكان تذهب إليه، تجد مواطناً عمانياً على درجة كبيرة من الفهم والتربية والوعي.

“ إذا أردت أن تعرف شيئاً عن حضارة عمان وتاريخها، فدونك القلاع الحصينة من مئات السنين. في كل مدينة عمانية، هناك شواهد حضارية شامخة، يعود بعضها إلى ما قبل الميلاد، والمتاحف الوطنية المصممة بعناية، تقرب إليك الأبعاد التاريخية والحضارية لعمان، التي عرفت قديماً باسم (مجان) في اللغة السومرية، لما كانت تشتهر به من صناعة السفن وصهر النحاس. وكانت تسمى (مزون)، إشارة إلى وفرة الموارد المائية- من المزن- والسحاب ذو الماء الغزير المتدفق، ثم استقرت على اسم (عُمان) الذي قيل أنه ورد في هجرة القبائل العربية إليها من مكان بهذا الاسم (عمان) في اليمن، أو نسبة إلى (عمان بن إبراهيم الخليل)، أو (عمان بن سبأ بن يغثان بن إبراهيم)، فعمان يعود تاريخها إلى القرن الثامن قبل الميلاد، وقد وصلها الصحابي (عمرو بن العاص)- رضي الله عنه- برسالة من الرسول صلى الله عليه وسلم عام 7هـ، تسلمها ملكها (جيفر الجلندي الأزدي) فأسلم فوراً وأسلم قومه، وعندما رفض الفرس المستوطنون عنده الدخول في الإسلام، قاتلهم جيفر وانتصر عليهم، وعقد صلحاً معهم بأن يعودوا إلى بلادهم فارس تاركين عمان. ومن عمان خرج أعلام فتح وتجارة وعلم وأدب، أشهرهم المهلب بن أبي صفرة، ثم المهالبة من بعده، ثم ابن ماجد البحار العربي الشهير.

“ إذا أردت أن تعرف شيئاً عن البناء والتطوير في عمان، فهاهي المدن والقرى كلها تعيش ورش عمل لا تهدأ، وهاهي الطرق تشق في الأودية والجبال، وهاهي المشاريع تغطي التراب العماني كله دون تمييز. البحر العماني بشواطئه النظيفة والجميلة؛ محمي كله بقرار سلطاني من حُمّى التملك والبناء عليه. أي مواطن أو زائر يستطيع المشي على شاطئ البحر العماني؛ من صلالة جنوباً حتى مسندم في أقصى الشمال.

“ تعودت في زياراتي لبلدان هذا العالم- عربية كانت أو أعجمية- أن لا أسال عن ديانات الناس، ولا عن مذاهبهم وعقائدهم، ولا حتى عن أنسابهم وأحسابهم، ولا أتعقب مثالبهم ونقائصهم، فكل مجتمع فيه ما يكفيه من سلبيات وإيجابيات. أحاول فقط أن أركز النظر على النصف المملوء من الكأس. هذا النصف هو الجوانب الإيجابية للمجتمعات الإنسانية. كل مجتمع له نصف كأس مملوء ونصف آخر فارغ. يهمني في رحلاتي ما يعزز جماليات الحياة عندي، فالتجارب الناجحة للشعوب، وتربيتها الجيدة، وسلوكها الحياتي اليومي، وعلاقتها الإيجابية مع الزائرين، هي الإيجابيات التي أبحث عنها، وأعتقد أنها تمثل جوانب حضارية مضيئة مشرفة لمجتمع يتبناها، فالحديث عن هذا النصف المملوء، حديث سار غير ضار، وفيه من التحريض على الاقتداء والتمثل، ما قد ينفع ويفيد.

“ ومما ينفع ويفيد هنا، الاطلاع على أدب العمانيين وأشعارهم، فهم أهل أدب وثقافة وشعر، وقد اخترت هذه الأبيات من قصيدة لشاعر عماني يتغزل في حسنائه (عُمان).. يقول:

حسناء في كحلها يا صاح تغريني

وعشقها في الحشا قد رام تكفيني

سرى هواها بجوفي كالبراق إلى

أن استوى في فؤادي يوم تكويني

يا ناعس الطرف مهلا ما للهوى ترف

إلى متى بالجوى والصد تصليني

فنظرة من سواد العين يا أملي

أو زورة في ظلام الليل تكفيني

يبقى غرامي بكم يا مهجتي حلما

أو قصة من حكايات الشياطين

إلى أن يقول:

عُمان.. أنت لي الإلهام في الزمن

نعم.. وحبك يجري في شراييني

وأنت قافية الأشعار من قدم

فما معلقة الجهال بالدين

يا من هي الشعر والإحساس والوله

بالحب جئت.. فبالأحضان ضميني

assahm@maktoob.com - Assahm1900@hotmail.com
 

لقطة (العَجلان).. لزائر (سلطنة عُمان)..؟
حمّاد بن حامد السالمي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة