ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Thursday 10/05/2012/2012 Issue 14469

 14469 الخميس 19 جمادى الآخرة 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

قال أبو عبدالرحمن: لو كنتُ أُجيد غير اللغة العربية، ثم اضطررتُ إلى الترجمة من اللغة الثانية، ثم مرَّ بي مثل قول (ك.م.نيوتن): ((ليس موضوع العلم الأدبي الأدب، بل الأدبية))(1): لترجمتها هكذا: ((بل القيمة التي تجعله أدباً))، ولذكرتُ في الحاشية حَرْفيَّة نيوتن، ولبيَّنتُ أنها مُوْقِعَةٌ في الفضول؛ لأن الأدب والأدبي والأدبية بمعنى واحد في المادة، والصيغة لا تُلغي معنى المادة؛ فالأدب هو الاسم لما سيجعله نيوتن موضوعاً للعلم، والأدبي صفة إلى ما ينتسب إلى الأدب وهو منه، والأدبية صفة لمجموع ما ينتسب إلى الأدب مما هو منه.. ولَبيَّنتُ في الحاشية أن (القيمة) هي المراد الحتمي بدلالة سياقه وتفصيله وتنصيصه بعد صفحة من كلامه.. أو أثبتُّ حَرْفية الخواجي في المتن (بل الأدبية) وكتبتُ بعدها بين معقوفين [القيمة التي يكون بها أدباً]، ولقد عانيتُ فهماً بطيئاً لما يُتَرْجَم حرفياً.. أَوَ لم يقل بعدها مباشرة ((أي تلك الخاصيَّة التي تجعل عملاً ما أدبياً))(2)؟.. ولا عبرة بوجود الخِصِّيصة حتى تكون قيمة؛ فالخطابية مثلاً خصِّيصة لحالات من الشعر في أحوالٍ مُعَيَّنة، وليست الخطابية قيمة في نفسها.. وعبَّر نيوتن عن الخصِّيصة التي جعلها قيمة بجملة بعضها حق وبعضها باطل، وهي قوله ((إن الفن يجدِّد الإدراك البشري بإيجاد الأدوات التي تجتثُّ وتُقوِّض أساس أشكال الإدراك المعتاد والآلية))(3)؛ فههنا ثلاثة أمور خلط بينها؛ فكان بعض كلامه باطلاً؛ فالأمر الأول (تجديد الإدراك البشري)؛ فهذا أمر لا حدَّ لنفاسته وضرورته؛ لزيادة الإدراكِ العقلي، والإحساسِ الجمالي، والمحتوىَ الثقافي، وتوسيع لغة الأداء بعد السأم من المَسْكوكات في تراث كل أمة.. والأمر الثاني أن (الفنَّ عام) منه ما يحصل بالإيجاد، فالطب فنٌّ حِرَفي، وتألقَّ بإيجاد أدواتٍ أبسطُها (سَمَّاعة الطبيب)، و(الفن الأدبي) أخصَّ من عموم الفنون؛ وإنما هو ملتحق بالفنون الجمالية التعبيرية، وأدوات هذا الفن لا تخضع لدعوى (الإيجاد)، وإنما هي وجود خَفِيٌّ يكتشفه الفنان بحسه الجمالي ولا يوجِده.. والإحساس الجمالي معرفة وإدراك في الوِجدان، ومواصفات في الموضوع، والأخير معرفة حسية ظاهرية لا وجدانية.. والأمر الثالث (تقويض أساس أشكال الإدراك المعتاد والآلية).

قال أبو عبدالرحمن: القيمة الفنية إضافة، وليست نسخاً ومسخاً؛ فإذا كانت أشكال الإدراك المعتاد عن قيمة فنية تاريخية؛ فالقيمة لا تموت؛ بل تستريح بدافع السأم والملل، وتعود بدافع الشوق والحنين.. والتجديد لا يُرِيح الثوابت في قيم الوجود الثلاث كتجاوز ما يُوقِع في التناقض من الجمع فكراً بين الهُوِيَّات، أو الخلط بينها؛ وإنما التجديد يكتشف هُوِيَّات جديدة.. وما عانَيْتُه بلغتي من أدب الحداثة العربية فكل ميزاته الفنية إضافة وامتداد، وليست إلغاءً وإن تحمَّس المنغمسون في مقولة (لكل جديد لذة).. وأقول: لبعض الجديد لذة، ولبعض القديم لذة حنين وشوق.

ونيوتن يتحدث عن الشكلية(4) الروسية قُبيل الثورة الماركسية عند نُقَّادٍ فيهم أمثال (رومان جاكبسون).. وإفادتي من مثل هذا الكتاب المُعَرَّب عقيمةٌ جداً لولا الله ثم ما رَسَخَ في ذهني من سياقٍ عن مجرى المُتغيِّرات الأدبية خلال قراءاتٍ لي كثيرة في كتب أخرى، ومع هذه المعاناة فلا أزال مغبوناً؛ لأنني لا أستطيع الإحاطة بِكُلِّية مضمون الكتاب؛ لأن التصوُّر لا يكون إلا بالتعريف، والمثال الشارح، والقِسْمة الحاضرة؛ فأما التعريف فمفقود في الكتاب، ولكن يُعَوَّض عن قليلٍ منه مصطلحاتٌ معروفة في الألسنية [هكذا هو الأصل]، وعبارات مجازية لها معهود في ذهني.. وأما المثال الشارح فقد تمَّ بالإحالة إلى نماذج من النقد الخواجي والروايات الخواجية التي لم تُعَرَّب بَعْدُ، وعند الله العوض عن ليالٍ سهرتها في العناية بالأنساب والآداب العامية؛ فلو -ولو من الشيطان - صرفتها في تعلُّم لغة ثانية لكان ذلك أجدى لتقويم شخصيتي العلمية.. وأما القسمة الحاصرة فشبه معدومة، وأكتفي ههنا بالومضات ذات المعهود في ذهني؛ فمن ذلك نقد الماركسية للشكلية الروسية؛ لأن ثنائية المُرْسِل والمتلقِّي ليست مما يُتصَوَّر الاختلاف فيه، وبمنطق التأميم اللينيني للفن الجمالي فلا بد أن تكون لغة المرسِل والمتلقِّي ذات سياق تاريخي واحد، وهذا السياق التاريخي الواحد ليس هو بِنْيَةَ اللغة في دلالتها العلمية وإيحائها الجمالي؛ وإنما المراد أن تكون الدلالة مضموناً للماركسية التي حَوَّلت الفرد إلى آلة لا طموح له في منفعة فردية.. وإلى مواهب مجرَّدة من العاطفة الفردية والذوق الفردي؛ فلا قيمة للفن عند لينين إلا أن يكون تعبيراً عن الأيديولوجية الماركسية لا يقبل التأويل أو الجنوح إلى خصوصية فردية في العواطف والمنافع.. وفي الشكلية الروسية قبل الهيمنة الماركسية وَعْد بلغة جمالية من مثل وصف القيمة التعبيرية بأنها (الواجهة العليا للتعبير)(5)؛ فهذه الجملة تساوي القيمة الجمالية للغة التعبير الأدبي بأنه التعبير الأسمى؛ لِمُقَوِّمات فيه كالإيحاء ودفع الملل بتوسيع الدلالة.. وحسبك من الجفاء والجفاف الماركسي أنه يُعَطِّل موهبة المتلقِّي في التفاعل مع النص الجمالي تذوُّقاً واستنباطاً وتقويماً في رحاب لا تستطيع تحجيمَها فلسفةُ الرغيف الماركسي، بل في شروط اجتماعية وضعية إكراهية(6).. وفي الشكلية جُمَلٌ هي من المعطيات الجمالية المجنِّحة بلا ريب مثل: الفن تفكير فصُوَر، ولا فنَّ دون الصور المجازية، وأن ذينك من الطرق الخاصة للتفكير والمعرفة.. يعني بالإيحاء الجمالي، وذكر خلال ذلك الصور البلاغية المسلم بها على الجملة(7)، وكل ذلك حق ولكن باشتراط العمل على اكتشاف قيمٍ بلاغيةٍ لم تكن موضع التسليم بعد، وباشتراط خصوص التسليم من فئة هي الأرقى معرفة ورهافة حِسٍّ جمالي، وقد بينتُ كثيراً أن مواصفات ما هو جميل تختلف باختلاف الفئات التي ينطبع في وجدانها الإحساس بما هو جميل في الموضوع، وبهذا يكون التصنيف الوجداني للإحساس الجمالي فِئَوِيّْاً يبدأ بالطبقة الشعبية محدودةِ المعارف والإدراك، وينتهي بالطبقة العليا فكراً وثقافة وشفافية.. ولكن يُؤذِي في التنظير للشكلية الواعدة عباراتٌ تجعل الواضح غامضاً مع الخلط.. كقوله: ((على أن استنتاج (بوتبنيا) الذي يمكن أن يُصاغ هكذا: (الشعر يساوي الصُّور المجازية) كان باعثاً على النظرية الكاملة المتمثلة في أن (اللغة المجازية تساوي الرمزية)؛ ذلك أن الصورة قد تفيد بوصفها محمولاً ثابتاً للموضوعات المختلفة.. وينشأ الاستنتاج جزئياً عن حقيقة أن (بوتبنيا) لم يميِّز بين لغة الشعر ولغة النثر؛ ونتيجة لذلك (أغفل حقيقة أن هناك مظهرين للصور المجازية: صور مجازية بوصفها أدوات للتفكير.. بوصفها أدوات لوضع الأشياء في أصناف، وصور مجازية بوصفها شعرية.. بوصفها أدوات لتعزيز الانطباع)؛ وسأوضح بالمثال: أريد أن أجتذب انتباه طفلة صغيرة تأكل الخبز والزبدة وتضع الزبدة على أصابعها.. أصيح (هاي أصابع زُبّديّة) هذه صورة بلاغية.. مجاز نثريّ واضح.. هاك الآن مثالاً آخر: الطفلة تلعب بنظاراتي وتُسقطها.. أصيح (هاي أصابع زُبْدية).. هذه الصورة البلاغية مجازٌ شعري في المثال الأول تكون (أصابع زُبْدية) مستعملة في الكناية، وفي الثاني تكون مستعملة في الاستعارة.. لكن هذا ليس ما أريد أن أؤكده.. الصور المجازية الشعرية هي وسائلُ لإيجاد أقوى انطباع ممكن، ومن حيث هي منهج معتمِدٌ على هدفه ليست أكثر ولا أقل تأثيراً من التِّقنيات الشعرية الأخر.. ليست أكثر ولا أقل، تأثيراً من الموازنة parallelisme (8) العادية أو السلبية، والتشبيه، والتكرار، والبنية المتوازنة، والمبالغة، والصور البلاغية المسلِّمِ بها على الجملة، وكذا كل تلك المناهج التي تؤكد التأثير الانفعالي للتعبير (وتضمِّن الكلمات أو حتى الأصوات المنطوقة بوضوح).. وما الصور المجازية الشعرية سوى صور لحِيَلِ اللغالشعرية)) (9).

قال أبو عبدالرحمن: المثال الأول ليس كما وصفه بأنه مجاز شعري، بل هو تشبيه عادي لأصابع يُغطِّيها الزُّبْد حقيقةً.. والمثال الثاني قِمَّة الاستعارة المليحة؛ إذ استطاعت الأصابع الناعمة الصغيرة أن تعبث بالنظارات وتسقطها.. واللغة الجمالية مُشتركة بين الشعر والنثر؛ وإنما للشعر منها ما يَخُصُّ هُوِيَّتَه من الموسيقى الخارجية، ومقوِّمات اللحن من الحُلَى النغمية: بترتيب في المكان، وتناسق في الزمان، وقفلات تستريح لها الأذن، ونقلات ذكية إذا تعدَّد اللحن.. وسيكون لي إن شاء الله صولات وجولات مع تنظير خواجي كهذا لا يُمْسِك منه الغربالُ كبيرَ أهمية.

الدكتور الخويطر وإحصاء الثواني:

متَّعنا الله ومَتَّع والدنا معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر بحياة سعيدة مديدة تكسب عملاً صالحاً، ومتَّعنا بوجوده؛ فإنه ظاهرة عزيزة المثال.. كان في صمتٍ قبل أن يُنهي دراسته في بلاد العلوج والثلوج، ثم عاد نصلاً عربياً في لغته وأخلاقه لم تغْضُرْهُ نظارة الحضارة، وكانت كنانته مليئة قبل أن يحترف القلم مُرْسِلاً لا مُتَلَقِّياً.. ومن توفيق الله له مباركتُه جل جلاله في وقته بما جبله الله عليه من تنظيم صارم؛ فمنذ عاد إلى وطنه تحملَّ مسؤوليات إدارية على التدريج، مع ما لا يخل بدوامه ثانية، ولا يخرج من عنده زائره إلا وهو محبور بطرائف علمية أو بِيئيَّة من ذاكرة التاريخ وذكريات الطفولة واليفاع.. وكانت له جلسة في بيته منتظمة، وتدرجت مسؤوليته الإدارية إلى أن أصبح ركناً من أركان الدولة، ولم تَقْبُره البروتوكولات المعهودة، بل كان ينفذ من الأغوار؛ فلما أوشك أن يهن العظم منه ويشتعل الرأس شيباً: ظَنَّنا أنه سيستريح؛ فإذا به يتجدَّد بإصدارات منتظمة لا تعرف التواني، وقد عجزتُ عن تتابع كتابي حديث الشهر -ولن تناله مني إن شاء الله عينُ حاسدٍ.. ما شاء الله تبارك الله-، وظنَنْتُ أنني سأستوعب دراسة آثاره في حلقتين مطولتين، ولاسيما أن إصداراته بحرف كبير يُريح ضعف عُيَيْناتي (10)؛ فإذا بي أراه بحراً لجيّْاً يحتاج إلى أناة وتتبع؛ فكتابه (وسم على أديم الزمن) صدر الجزء الخامس والعشرون منه هذا الشهر.. وكُتبُ الدكتور تدور حول قراءاته وذكرياته.. وفي (مداواة النفوس) أوصى الإمام أبو محمد ابن حزم رحمه الله تعالى بالتَّهَمُّمِ في الاهتبال بكل سانحة في حياة الإنسان، فيقيِّدها؛ لأن ذلك أدعى للعبرة، وأحفظ لتجرِبة الإنسان على مدى عمره.. وذكرياتُ الدكتور من أثمن الذكريات؛ لأنها ذكريات مسؤول ممارس تهمُّ تطلُّعات الآخرين، وحسبي في هذه العجالة إبداءُ هذه النماذج.. قال حفظه الله عن عام 1406هـ: ((بَدَأتْ في هذا الشهر حملة أمريكا الإعلامية على ليبيا تخفُّ قليلاً؛ ولعل ذلك يعود إلى أن الإعلام الأمريكي قال كل ما كان ينوي أن يقوله وآتى ثماره المطلوبة.. ولعل من أسباب تخفيف الحملة ما كان يجري في اليمن الجنوبي، من نزاع انفجر بين علي محمد ناصر وعبدالفتاح إسماعيل (11)، وهما ممن يطلب الزعامة والرئاسة فقط.. أما الوطن والمواطنون فهم غير مهمين.. ولعل السياسة الروسية التي ظهرت الآن برعاية جورباتشوف أثَّرت عليهما، وسحبت الغطاء اذي كانا يستظلان تحت ظله.. لقد وعد الروس عندما وجدوا في السابق مجالاً للتدخل بأن يعطوهم الشمس في يد والقمر في يد، وما أعطوهم إلا الشيوعية والفتن والتناحر وإضعاف البلاد، وتشتيت أهلها خلاف الصين التي عرضت مساعداتها على اليمن الشمالي في بنائه بأقصر وقت، وخرجت من اليمن دون أن تدعو إلى اشتراكيتها، ولم تترك وراءها إلا معالم إصلاح تشهد أن لها حضارة عريقة، وتؤكد بالمقارنة مع روسيا أن روسيا ليس فيها حضارة لا قديماً ولا حديثاً)) (12).

قال أبو عبدالرحمن: التعامل الأمريكي مع القذافي يومها (عَضُّ رِيامٍ) قبل أن تحترق أوراقه.. وقد كان يخرج في الفضائيات ثملاً، وتسمع منه أطواباً ضايقت الخواجي الذي يجري المقابلة معه وهم يريدون عميلاً عاقلاً.. ومع هذا -بمنطق الحريق العربي- فليبيا بعد القذافي في عنق الزجاجة.. استولوا على خيراتها، وحالوا بينهم وبين هويتهم، وقد يلتئم الشمل -إن لم يكن تقسيم- على عميل عاقل يعطي الأمة حرية الأنعام..، ولعاصمة العالم (تل أبيب) كلمتها النافذة كما في سوريا الآن.. وما ذكره عن الصين حق، وكان ذلك بعد تراجع الماوتسية، ولكن المحزن اليوم استعمالها حق الفيتو من أجل إبادة شعب سوريا، وأما طروء جورباتشوف فقد كان بسياسة صهيونية لا روسية؛ فهو بداية الحرب العلنية على الإسلام والمسلمين منذ مذابح البوسنة والهرسك امتداداً لمذابح (تيتو).. إلى ابتلاع العراق.. إلى الحريق العربي الإسلامي.. وتوالت الأنباء لا النبوآت منذ إعادة البناء لجرباتشوف إلى الاستعداد لمطلع القرن الحادي والعشرين الميلادي الذي نعيشه الآن في عراء فاضح.. إلى تغيير خارطة الشرق الأوسط وهو بلاد العرب والمسلمين في القارتين..إلى فرقة ما بعدها فرقة، وداؤنا أبناء جلدتنا ممن كان منه عَمالةً مزروعةً في الصميم، وكلَّ من فارق هُوِيَّة أمتَّه وليس له نصيب من العلم المادي الذي يُحقِّق لنا قوة أو كماليات فدعوته للتقدُّمية وَهْمٌ، وغفلته عما حقَّقنا به أطماعَ الأجنبي أيديولوجيةً ومنافعَ وفرقةً غباءٌ؛ وذلك عَمالَةٌ للأجنبي من غير أن نشعر.. فإن كان دافعُ ذلك حبَّ التلميع والشعبية أو الارتزاق فتلك قاصمة الظهر.. اللهم اجعل مثقفينا قرة عين أمتهم، واجمع بهم فرقة الأمة بتفكير حصيف، واقمع بهم كيد الأجنبي؛ فلهم من التحصيل العلمي الذي ليس لغيرهم ما يُكمِّل نقصنا، يُتَمِّم مسيرتنا.. وقال حفظه الله: ((كانت حرب الخليج بين العراق وإيران على أشدها في هذه الشهور الأخيرة، وشغلت أذهان سكان المنطقة وساستها، وكثر الحديث عن وجوب قيام وساطات لعلها توصِّل إلى حل يوقف هذه الكارثة.. هذه الحرب الضروس التي أتت على الأخضر واليابس، وقام السيد راجيف غاندي رئيس وزراء الهند بوساطة أَمَّل أن تنجح، إلا أنها للأسف لم تأت بنتيجة.. وعُلم أنه فهم في بعض الأوساط العالمية -ويقال: إنه بوحي من إيران أحد طرفي النزاع-: إنه لو صدر من مجلس الأمن شيء يدين العراق فقد يكون سبباً في لين إيران؛ وذا يُمهِّد لخطواتٍ تجاهَ السلام؛ فصدر بيان عن استعمال العراق للأسلحة الكيماوية إلا أن هذا لم يُفد)) (13).

قال أبو عبدالرحمن: منذ قيام دولة الملالي، واختراق لبنان، وشعار (خَيْبَرْ خيبر يا يهود)، وهو شعار كاذب: والولاء حميم بين إيران وأذنابها في بلاد العرب، وهاهي اليوم مع إسرائيل في صف واحد على إبادة شعب في أفضل بقاع العالم بعد الحجاز.. والعجب من الحركيين اللذين يَعِدُون بحكومات إسلامية: لا يزالون في ولاء لمن هم أشد عداوة للمسلمين من إسرائيل.. تذكروا إبادة الصفويين للملايين من أهل السنة.. تذكروا كارثة التتار وابن العلقمي.. تذكروا هيضة البرتغال على شرقيِّ بلادنا.. تذكروا تعاونهم مع الأعداء في إضعاف الخلافة الإسلامية في تركيا والإطاحة بها.. ولي إن شاء الله مع كتب الدكتور أكثر من متعة.

بين اللغة والاصطلاح:

قال الإمام أبو محمد ابن حزم رحمه الله -في رسالة له عن بعض المعاني الاصطلاحية-: ((والعموم حمل اللفظ على كل ما اقتضاه في اللغة، والفرق بين العموم والظاهر: أن العموم لا يقع إلا على معنيين أو شخصين فصاعداً والظاهر قد يقع على واحد؛ فكل عموم ظاهر، وليس كل ظاهر عموماً.. والخصوص حمل اللفظ على بعض ما يقتضيه اللفظ في اللغة؛ فإن كان بدليل قُبِل وإلا فلا.. والمجمل لفظ يقتضي تفسيراً يؤخذ من لفظ آخر، والمفسَّر لفظ يُفهم منه معنى المجمل)).. وقال: ((التأويل نقل اللفظ عما اقتضاه ظاهره، وعما وضع له في اللغة إلى معنى آخر.. فإن كان نقله قد صح ببرهان، وكان ناقله واجب الطاعة: فهو حق.. وإن كان نقله بخلاف ذلك: أطُّرُحِ، ولم يُلتفت إليه، وحُكم لذلك النقل بأنه باطل)).

قال أبو عبدالرحمن: الوضع اللغوي ليس هو ظاهر الكلام، بل قد يكون الظاهر معنى مجازياً؛ لِتَعَيُّنه، وانتفاء ما يعارضه مثل: ((شربت من العين))؛ فرابطة ((من)) دلالة سياقية عيَّنت المراد بأنه الماء النابع الجاري.. والتأويل في اللغة التفسير.. إلا أنه لخصوص تفسير، وهو مآل الكلام من مفرداته وصيغه وروابطه وجُمْلَةِ معانيه الكُلَّيَّة.. وهو في الاصطلاح صرف ظاهر الكلام الصحيح الراجح في لغة العرب إلى معنى صحيح مرجوح في لغة العرب ببرهان آخر مثل حمل الأمر بالاستعاذة بعد الفعل الماضي) قرأت (من سورة النحل إلى معنى الاستعاذة قبل القراءة؛ للبراهين الدالة على ذلك.. وأما الاصطلاح بالعموم فهو مأخوذ من المعنى اللغوي وهو الكثرة؛ فكلمة (كل ما اقتضاه) تعني الكثرة.. ولا لقاء لغة بين العموم والظاهر، وأما في الاصطلاح فالعموم أحد أقسام الظاهر كالفور والوجوب.. والأصل في (خص) لغة الفرجة والثلمة.. قال ابن فارس رحمه الله تعالى: ((ومن الباب خصصت فلاناً بشيء خصوصية بفتح الخاء وهو القياس؛ لأنه إذا أُفرد واحدٌ فقد أُوقع فرجةٌ بينه وبين غيره)) (14).. والأصل لغة في جمَّل العظم، ومنه التجمع.. والتفصيل، والتمييز، والإبانة: وسيلةُ الإحاطة بالشيء العظيم؛ ومن هنا كان المُجْمَل في الاصطلاح بمعنى غير المفسَّر، والإيضاحُ هو الأصل اللغوي لمادة فسَّر.

فواصل من العقل الجمالي:

قال أبو عبدالرحمن: أحياناً يكون الجمال في أسمى درجاته في النفس (الوِجدان) وفي الموضوع عنصراً في الإبداع دالاً على القدرة، وتحقيق المراد بالإتقان والمهارة والحكمة؛ فتكون عناصر قيمتي الحق والخير هما البارزتين، وتكون العناصر الجمالية السامية نتيجة لمطالب القيمتين كما في قوله تعالى: {مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ} (3 سورة الملك)؛ فيبرز من هذا النص الكريم غايةُ الإتقان حسب مراد الخالق فيما يمكن أن يصل إليه علمنا من الحفظ لخلق الله على مراد الله، وقيام المخلوقات بقدرة وعلم وإرادة خالقها، وظهور معنى الملك العظيم من جند الله كالملائكة يحرسون أبواب السماوات وينزلون بأمر الله.. مع مظاهر جمال الجلال والجمال المحض من التوازن والانسجام.. إلى آخر ما نعلم بعضاً منه بالخبر المعصوم.

* لَخَّص شارل لالو من مذهب كانط: أن الجميل يكون ما يُعجب عموماً بدون مُدْرَكٍ عقلي؛ فصفته أنه ليس معرفة؛ لأننا لا نعرف شيئاً عاماً إلا بواسطة مدركاتنا العقلية، أو أفكار كلية مجردة.. وكرَّر العبارة بقوله: ميزة الحُكْم الاستطيقي أنه يقيم ضرورة ذاتية ممثلة تمثيلاً موضوعياً على أساس افتراض معنى مشترك؛ فالجميل هو ما اعترف الناس (دون مدرك عقلي) بأنه موضوع رضا ضروري (15).

قال أبو عبدالرحمن: الإحساس الجمالي في معظمه انطباع قد لا يستطيع المتذوِّق تعليله، وقد تذهب روعته بالشرح والتعليل والتحليل، ولكنَّ حُكْمنا على الذوق معرفة عقلية حسية نفسية تاريخية موضوعها انطباع النفس ومواصفات الموضوع.. والرضَى الضروري للناس متعذر؛ لاختلاف ما يُؤْثر من الأديان والمذاهب، واختلاف التربية الثقافية.. ولكنَّ الذي يتحقق إنما هو مستوى أعلى من الذوق لفئة متميزة الثقافة سوية العقل والنفس في انطباعات مشتركة لا يتعلق بها حكم ديني أو مذ هبي، وقيمتا الحق والخير تشهدان للمستوى الأعلى الأمثل.. ورأى كانط -على الرغم من عبقريته-: أن اعترافنا بجمال شيء ما إنما هو حكم ذوقي جمالي؛ لأننا لا نعتمد على الفكر سعياً وراء معرفته، وإنما نعتمد على المخيلة انطلاقاً من شعورنا الذاتي [يعني النفسيَ الوجداني] باللذة أو الكدر (16).

قال أبو عبدالرحمن: الحاكم بالجمال في شيء ما قد يُعلِّل، وقد يُحيل إلى ذوقه بلا تعليل.. وفي كلتا الحالتين فذوقه مردود إلى مواصفات في الموضوع، وإلى انطباعات في نفسه، وتلك المواصفات والانطباعات مُسْتقرأَة تاريخياً من تصنيفِ مستويات النفوس والمواصفات الموجودة فيما هو خارج الوِجدان النفسي؛ فيكون الحكم الوجداني الذي يسمونه ذاتاً (17) حقيقةً وجودية تجاه مواصفات الموضوع، ويكون الحكم في الذوق علواً وهبوطاً حقيقةً تاريخية من جرَّاء التصنيف الفئوي، والمواصفات والانطباع موضوع للفكر والمعرفة؛ وإذن فالإحساس الجمالي شيء، وكون ذلك الإحساس (الذي هو انطباع من موضوع خارج الوِجدان شيء آخر)؛ فانسلاخ كانط من المعرفة الفكرية النفسية التاريخية التحليلية مغالطة كبرى.

* قال لسنج عن رفائيل -فنان عصر النهضة -: ((لقد كان من الممكن أن يكون رافائيل مصوراً عظيماً حتى ولو قُدِّر له أن يولد أشوه مقطوع اليدين)) !!.. وردَّ الدكتور علي عبدالمعطي محمد بقوله: لولا اليد لما أبدع رافائيل تصويراً عظيماً أو حقيراً.. إن قول لسنج نوع من المبالغة التي لا يحفل بها العلم أو الفن.. وذكر ميكائيل أنجلو عن نفسه: أنه كان ينحت بفكره لا بيده!!.. فقال الدكتور علي: لولا يد ميكائيل أنجلو [بعد الله] لما أبدع فنه.. إلخ (18).

قال أبو عبدالرحمن: كلمة لسنج الأولى غير معقولة، وإنما هي مبالغة تلقائية بدافع فرط الإعجاب، ولكلمته تجوُّز مقبول معقول، وبقية رد الدكتور علي الذي لم أنقله مماحكة.. ووجه المعقولية: أن الرسام لا يعبث بيده؛ فيخلب بفنه تلقائياً، وإنما ينطلق عن تجربة فنية، وذوق في حضانة الإحساس الفني.. والذوق والتربية والتجربة لا عطاء لهما إلا بحضور فكري، والله المستعان، وإلى لقاء قريب عاجل إن شاء الله، وعليه الاتِّكال.

*-*-* *-*-*

(1) نظرية الأدب في القرن العشرين ص19. بترجمة الدكتور عيسى علي العاكوب/ الطبعة الأولى عام 1996م/ عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية.

(2) المصدر السابق ص19.

(3) المصدر السابق.

(4) قال أبو عبدالرحمن: تعبيره جاء بصيغة (الشكلانية)، وقد سبرتُ على طول المدى معاني أمثال هذه الصيغة كالعِقْلانية والنفسانية والشخصانية؛ فرأيت هذه النون تقتضي -تعدد الأنماط حسب المذاهب، فالدراسات النفسية مذاهب؛ فقالوا: (النفسانية) من أجل تعدد المذاهب؛ فإن لم يصحَّ هذا فلا معنى لهذه النون في لغتنا المُترجمِ إليها، بل تأتي بدلاً لا زيادة مثل صنعاني.. ولسنا بحاجة إلى نقل ما في لغتنا البديل الأصح؛ فالأصل (الشكلي والشكلية حسب السياق عن شكلٍ مذكَّر مثل (الجرْس) أو مؤنث مثل (الاستعارة)؛ فإذا أردنا المذاهب قلنا: (الأشكال) أو (المذاهب الشكلية).

(5) نظرية الأدب ص 20.

(6) انظر المصدر السابق ص 21.

(7) انظر المصدر السابق.

(8) parallelisme = تعني التوازي وليس التوازن. (البقاعي).

(9) المصدر السابق 21.

(10) قال أبو عبدالرحمن: تحاشيتُ عبارة: (ضَعْفِ نظري)، أو (ضعف بصري)؛ لأن ذلك يقبل التحوير إلى الغباء كما فعل أحدهم عندما ذكرت ضعف قواي الفكرية مع العوارض الصحية وتقدم العمر، وجمعتُ العُيينات لأنني أضفتُ النظارات ومُكبِّر الحروف.

(11) قال أبو عبدالرحمن: وعدت بنته في حياته بإصدار كتاب عن بركاته على بلاده، إذ كان في كل حقبة يختلق ثورة يموت فيها الآلاف، وهو عضو بارز في الحزب الماركسي - بموسكو.. وبحمد الله لم يصدر الكتب؛ لأنه لا مادة له إلا الخِزي العظيم.

(12) وسم على أديم الزمن 25/ 412-414.

(13) المصدر السابق 25/ 91-92.

(14) مقاييس اللغة 2/ 153.

(15) انظر مبادئ علم الجمال/ الاستطيقا بترجمة مصطفى ماهر ط دار إحياء الكتب العربية لعيسى الحلبي عام 1959م ص 98-100.

(16) انظر كتاب (في الجماليات/ نحو رؤية جديدة إلى فلسفة الفن) للدكتور علي أبو ملحم/ المؤسسة الجامعية للدراسات ببيروت/ الطبعة الأولى عام 141هـ ص 25: عن كتاب كانط (نقد ملكة الحكم).

(17) قال أبو عبدالرحمن: بعد ما حقّقتُ أن (الذات) لا تكون بمعنى النفس اضطررت إلى تصحيح كل ما كتبته سابقاً بهذا اللحن الشائع.

(18) فلسفة الفن رؤية جديدة ص144-145 للدكتور علي عبدالمعطي محمد/ دار النهضة العربية ببيروت عام 1405هـ.

 

ابتسامات ثقافية وفكرية
الشَّكْلِيَّةُ والإجدابُ الماركسيُّ (الجزء الأول)
ابو عبد الرحمن بن عقيل الظاهرى

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة