ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Saturday 12/05/2012/2012 Issue 14471

 14471 السبت 21 جمادى الآخرة 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الريـاضيـة

      

في البداية لابد أن أعترف بأني لست من هواة الرياضة (إعلامياً)، فأنا بعيد جداً عما يدور داخلها من أحداث مؤثّرة، ولكنني في نفس الوقت أراقب بهدوء الطرح الرياضي الراقي الذي يقود دفّته زميلي وأستاذي القدير محمد العبدي الذي يطالعنا بين الفينة والأخرى بمقالاته (الحولية) الجميلة التي طالما تمنّيت أن تكون دورية في زاوية موسومة،

ولكن لأبي مشعل رؤية وهدف قد لا تتجلّى لي لحظة كتابة هذه الأسطر.. لا أريد الاستطراد والخروج عن الموضوع الرئيس الذي أنا بصدد الكتابة عنه في أول مقال يُنشر لي في الصفحات الرياضية، حتى لا أُتّهم بالانزياح عن الهمّ الرياضي؛ الذي أُجلُّ فيه حماسة وإخلاص الراكضين في ميدانه.

تكفي هذه المقدمة إسهاباً، ودعوني أتناول الموضوع الذي سللت قلمي من أجله، وهو كتاب (الإسلام والرياضة)؛ المنجز الثقافي الذي أصدره المفكر الأستاذ تركي بن ناصر السديري، الذي لم أتفاجأ بصدوره بقدر ترقُّبي لاقننائه، ففي كل أمسية تجمعني بأستاذي تركي السديري أُلحُّ عليه بشأن تلك الفكرة التي باح لي بمكنونها قبل سنتين تقريباً، ومنذ ذلك الحين والنقاشُ بيينا يفتأ حاضراً بكل تفاصيله، هذا الشوق والترقُّب، وتلك الاستفسارات والأسئلة، تلاشت وتبدّدت عندما تلقّيت مكالمة من الصديق العزيز تركي السديري يبلغني فيها بأنّ كتابه (الإسلام والرياضة) جاهز للنشر، وأنه سيدفع به إلى أروقة معرض الرياض الدولي للكتاب الذي اختتمت فعالياته في شهر مارس الماضي، وبالفعل أُقيم حفل التوقيع بحضور شخصيات رياضية وثقافية اعتبارية، وسدّ هذا الإصدار الاستثنائي باحترافيته وقيمته العالية، الفراغ الذي يتركه الكتاب الرياضي شاغراً في كل عام.

عالمنا الرياضي الجريح الذي لم يُكتب له حتى هذه الساعة أن يكون عالماً مثالياً، ولا أنشد بذلك مثالية أفلاطون، فنحن لا نطمع إلاّ أن يكون هذا العالم المتلاطم في سياق المحاكاة الفاضلة كما يراها أرسطو، ما يؤلمني في هذا العالم الفسيح، أنّ الناس فيه منشغلون بالتراشق والتنابز فيما بينهم، تاركين ذلك المشروع الثقافي القيمي الحر فريسةً سهلة لكلِّ من أراد النَّيل منه، أعذروني على هذا الكلام الذي أصارح به القارئ الرياضي في أول مقال أكتبه على هذه الصفحات، ولكنها كلمات من القلب لعلّها تجد في عالم الرياضة صدى خلاّقاً.

أعود لموضوعي الرئيس مرة أخرى لأقول إنّ كتاب الإسلام والرياضة، ليس مجرّد إصدار عادي، فهو مشروعٌ حضاريٌّ متكاملٌ يربط الفكر والدين والمجتمع ببعضهم، ليؤكد شمولية ديننا الإسلامي، وأن كلَّ جزء منه هو لبنةٌ أساس في بنائه العالي ولا يمكن الاستغناء عن أيٍّ من هذه اللبنات مهما كانت الظروف؛ لأنّ الهيكل العام سيهتز ويضطرب، ونحن مطالبون كمسلمين بأن نستشعر هذه الشمولية وألاّ نعمد على تهميش أيّ جزء منها باسم الدين، المجتمع شهد كثيراً من هذه الممارسات اللامسؤولة التي تشوِّه الواجهة الحضارية المشرقة لهذا الدين الحنيف، الذي بعث به محمد - صلى الله عليه وسلم - ليكون خاتماً للأديان وجامعاً للبشر بمختلف أعراقهم وأصولهم وتوجُّهاتهم، فالحقيقة التي يجب أن نستوعبها جميعاً هي أنّ كل جزء من هذا الدين مكمِّل للجزء الآخر، بغضِّ النظر عن طبيعته وتأثيره في القضايا الكبرى التي طالما انشغل بها مفكِّرو المجتمع.

ما يميِّز مشروع الأستاذ تركي السديري، أنه يتناول مصطلح الرياضة من الناحية الأصولية، ليكشف أنّ الرياضة مرتبطة بكثير من العبادات التي يمارسها المسلمون في حياتهم، فصحّة الإنسان من الضرورات التي أوجب الإسلام المحافظة عليها وصيانتها، والرياضة بمختلف أنواعها هي في إحدى جوانبها علاج لكثير من الأمراض، كما أنها تقي من كثيرها، بالإضافة إلى أنها تعين الإنسان على الطاعة والعبادة، فأذكر أنّ الشيخ العلاّمة أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري، قال لي إنني أسير يومياً على السَّير الكهربائي وأجدها فرصة مناسبة للاستماع إلى القرآن الكريم؛ إذاً فهي طريق مؤدية إلى الخير إذا عرف الإنسان كيف يستثمرها، وهذه الإشارات التي تناولها الأستاذ تركي لم يسبقه أحدٌ إليها من قبل وهي خطوة علمية جادّة تحمد للمؤلف.

عندما أقلب صفحات (الإسلام والرياضة) أجد نفسي بين طرح فكري متنوّع وتأصيل تاريخي رصين، فإشارة المؤلف للرياضة في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام، وكذلك الفترة التي سبقت الإسلام، هي تأكيد وتذكير لكثير من المفكرين بأنّ هذا السلوك الإنساني العريق كان ولا يزال موجوداً بيننا، ونحن نمارسه لا شعورياً في حياتنا، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - كما يذكر المؤلف، أشار في أحاديثه الشريفة إلى أهمية الرياضة للعقل والبدن، فالنبي - عليه الصلاة والسلام - كما جاء في الكتاب افتتح أول فعالية رياضية ميدانية في السنة السادسة للهجرة ليؤسس بذلك الفعل الشريف قيمة ومعنى وأخلاق المنافسة الرياضية الراقية، فبقي علينا نحن المسلمين أن نستشعر ذلك، وألاّ ننظر للرياضة من جانبها الضعيف؛ الكرة والأندية الرياضية المعاصرة، فهذه النظرة القاصرة للرياضة هي سبب شلل مفهومنا الثقافي والديني والفكري.

وفي نهاية هذا المقال أجدد شكري وتقديري للأستاذ والمفكر الثقافي والرياضي الكبير تركي السديري، على هذا الطرح العلمي والفكري الفريد من نوعه، فمن واجبنا نحن المثقفين أن نحتفي بهذا الطرح الوضّاء الذي كان غائباً عن الساحة الرياضية بكافة تفاصيلها، وها هو يتجلّى لنا اليوم بأبهى حلة ليؤرخ لفكر جديد ومرحلة سامية هي ضالتنا التي كنا ننشدها منذ عقود.. إذاً فهي دعوة من شقِّين؛ الأول إلى سمو الرئيس العام لرعاية الشاب، بأن تتبنّى الرئاسة هذا الإصدار كمشروع ثقافي قيمي للنهوض بالفكر الرياضي السعودي، وافتتاح مرحلة فكرية جديدة تتبنّى رسالتها الرئاسة كما كانت تفعل سابقاً زمن الأمير فيصل بن فهد - رحمه الله -، فالرياضة بشقيها الفكري والجسمي هي جزء لا يتجزأ من حضارة أي أمة، والفصل بين هذين الشقين سيعطينا ثماراً بلا طعم أو لون أو رائحة كالتي نجنيها الآن، أما الجانب الآخر من الدعوة فهو لسمو وزير التربية والتعليم بأن تتبنّى الوزارة هذا الكتاب ليكون أحد مقرراتها في مراحل التعليم العام، وأنصحهم باستثمار فكر المؤلف في الإعداد للجانب الرياضي في التعليم العام الذي غاب عنه كل شيء، فالرياضة فكر قبل أن تكون ممارسة وهي ذات معنى شمولي راقٍ أبعد من بعض رموز (كرة القدم) الذين لا يحمل بعضهم سوى الشهادات الدنيا يا معالي الوزير!

- عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود

Alfaisal411@hotmail.com
 

الإسلام والرياضة
محمد بن عبد العزيز الفيصل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة