ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 14/05/2012/2012 Issue 14473 14473 الأثنين 23 جمادى الآخرة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

رفرفت الأسبوع الماضي أعلام الدول العربية باحتفالات اليسار الفرنسي بفوز مرشحه الاشتراكي هولاند في انتخابات الرئاسة الفرنسية، مما دعا اليمين الفرنسي لشن حملة استهجان حادة ضد اليسار مشككاً في وطنيته، ومما جعل الحزب الاشتراكي الفرنسي يقع في حرج دعائي وهو مقبل على الانتخابات التشريعية.

غالبية العرب في أوروبا يناصرون اليسار، بينما في بلادهم غالبيتهم مع اليمين، كما أظهرت أول انتخابات عربية حرة ونزيهة في تونس ومصر.. والمتوقع أن تحصل ذات النتيجة في الأقطار العربية التي تنتظر دورها كليبيا واليمن.. فهل غالبية العرب يمينيون أم يساريون؟ إنهم يمينيون في البلاد العربية (يطالبون بحقوق فئاتهم فقط) يساريون في بلاد الآخرين (يطالبون بحقوق الجميع).. فهل هو تناقض العربي في تعامله مع الآخر، أو ربما ازدواجية المبدأ الذي يجمع يمين يهتم بمصلحة الذات ويسار يهتم بمصلحة العموم؟ أم لا هذا ولا ذاك، بل هم يمينيون تستغلون اليسار في بلاد الآخرين!؟

التناقض في السلوك السياسي بين الداخل والخارج وبين الأنا والآخر، يترادف معه تناقضات في سلوكيات عديدة اجتماعية وثقافية.. مثل موقف غالبيتنا من الغربيين الذي يتصف بالاحترام والازدراء في آن معاً؛ فالغربي منذ وصوله لمطار عربي يعامل باحترام مبالغ فيه إلى أن يصل لعمله ويتم تدليله باعتباره خبيراً ينتمي إلى مجتمع راقٍ فوق مجتمعاتنا، وفي نفس الوقت ينظر له بأنه إمبريالي مستعمر انتهازي ينتمي لحضارة حيوانية في سلوكها الاجتماعي والروحي..

هذا التناقض ينجر أيضاً إلى أهم حيز ينبغي ألا يكون فيه وهو الحوار مع الآخر.. فبعد المبادرة الإنسانية النبيلة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله في زيارته التاريخية للفاتيكان ولقائه بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر، أجرى الأستاذ نعيم الحكيم استطلاعاً شارك فيه دعاة ومفكرون حول الحوار القائم على التسامح والتعايش السلمي والاحترام المتبادل بين الديانات الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين.. وكان مما ذكره المفكر الإسلامي عبدالرحمن سوار الذهب، الذي رحَّب بالحوار، ولكنه عبر بطريقة غير مشجعة، كقوله: “الإعلام الغربي يسيطر عليه المتطرفون المسيحيون والصهاينة.... وأن: الغرب لا يفقه عن الإسلام شيئاً..”. أما المفكر فهمي هويدي فنجد الحالة معه أكثر إحراجاً، في معرض قوله: “نحن نتمنى من بابا الفاتيكان ورجال الدين المسيحي أن يعبّروا بشكل جاد وصادق عن حُسن نواياهم إزاء عملية الحوار منطلقين من قاعدة الاحترام، فالإشكالية ليست فينا نحن المسلمين وإنما في الطرف الآخر.. فهم يتخفون وراء كلمة الحوار لخدمة حساباتهم وأهدافهم في المنطقة..”

التناقض هنا أن أولئك يريدون الحوار لكنهم يؤسسون للقطيعة.. وهذان مجرد مثالين من أمثلة كثيرة لدعاة ومفكرين صادقين في رغبتهم في الحوار، لكنهم يعيشون حالة ازدواجية مع أساس فكرة الحوار مع الآخر.. عبر استخدام منطق لا يشجع على حوار من خلال تمجيد الذات وانتقاص الآخر.. وعبر وضع شروط تعجيزية تطالب بتنازل مسبق من الطرف الآخر.. ومما يزيد هذه الازدواجية انفصاماً أن الآخر هو الأقوى!!

كل هذه التناقضات مع الآخر تنصب أساساً في طريقة رؤيتنا له.. نحن -في الغالب- نرى الآخر كشيء جامد وليس ككائن عضوي حي يفرح ويتألم مثلنا.. يصف الناقد الياباني كاتوفي عن صلة اليابانيين بالآخرين في فترة انغلاقهم: “الأنا يعتبر الآخر بيئة فيزيقة فقط، ولا يعتبره وجوداً موضوعياً حياً مثله”.

وفي هذا السياق غير الحيوي في رؤيتنا للآخر تتكرس الصورة النمطية الجاهزة عن الآخر.. فكثيراً ما تشيع في الأوساط العربية مفاهيم جاهزة متناقضة عن الغرب وكأنه شيء واحد شرير يحمل معاني سلبية، وفي نفس الوقت يبدو الغرب هو الوحيد صاحب العلم والتكنولوجيا والفكر المنهجي الإيجابي..

أحياناً تبدو لي الصورة وكأنها قولبة للآخر كقطعة فيزيائية جامدة لها طرف موجب وطرف سالب وليس كمجتمع حيوي متنوع ومتمازج يزخر بتفاعلات هائلة.. كأنه سلك معدني نصل طرفه الموجب ببطارية جامدة مع طرفه السالب فينتج ضوءًا.. هذا الضوء نسميه مصباحاً نستفيد منه كشيء.. ألم يقل سوار الذهب في الاستطلاع المذكور عن الحوار: “ربما يكون نقطة إيجابية نحو انتشار الإسلام في الغرب واعتناق الناس له..”. فلنتصور هنا لو أن رجل دين في الفاتيكان قال: إن الحوار مع المسلمين فرصة لانتشار المسيحية في السعودية واعتناق الناس لها، ماذا سيكون رد فعلنا؟!

وإذا كانت رؤية مفكر نخبوي عربي مسلم بهذه الطريقة “التشيئية” للآخر فلك أن تتصور ماذا ستكون رؤية إنسان عامي بسيط.. فمرة في مطعم بلندن كنّا مجموعة من العرب نتناقش واقترب منّا صاحب المطعم، وهو عربي، وشاركنا النقاش.. وفي معرض حديثنا ذكر أنه هرب من بلده العربي حيث الفقر والفساد والقمع إلى هذه البلد التي أصبح يحمل جنسيتها.. وفي خضم حديثه بدأ بشتم بريطانيا بأنها أم الاستعمار والإمبريالية وأم الشرور.. هنا انبرى أحدنا ممتعضاً قائلاً: عيب عليك أن تتكلم بهذا الكلام عن بلد آوتك ومنحتك هويتها، وأصبحت غنياً مترفاً فيها.. إذا لم يعجبك هذا البلد عد إلى بلدك بكل هذه الأموال الطائلة التي تملكها، ولا تلعن الثدي الذي يرضعك!

الإشكالة، هنا، واحدة لدى النخبوي كما لدى العامي، وهي رؤية الآخر كشيء فيزيقي وليس ككائن حيوي. تتحول هذه الرؤية في الذهن إلى مفهوم قيمي وحيد الاتجاه في الحكم والتعامل مع الآخرين. ينطلق الاتجاه من قيم الذات ومعاييرها في خط واحد إلى الآخر ولا يتفاعل معه.. خط واحد ذهاب بلا عودة.. إرسال بلا استقبال.. مشابه لما قاله سارتر في تعبير مجازي: “الآخرون هم الجحيم!”..

حتى لو كان الآخر في حرب معك فعليك أن تتعامل معه ككائن حيوي متفاعل لكي تفهم الواقع الحي الذي يتشكل منه.. أو كما عبّر العراب في فيلمه: “لا تحقد على عدوك فهذا يؤثر في تقييمك له!”.. عدا عن ذلك فإن من أبسط مبادئ الحوار أنه ليس لانتهاز المنفعة من الآخر ولا لإقناعه بأفكارنا بل للتفاهم فيما نختلف فيه وإدارة الخلاف للحفاظ على مصالحنا المشتركة، من أجل التعايش السلمي بين البشر وتكامل الحضارات المختلفة في خدمة البشرية..

alhebib@yahoo.com
 

يمينيو العرب يساريون في أوروبا!
د.عبد الرحمن الحبيب

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة