ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Wednesday 16/05/2012/2012 Issue 14475 14475 الاربعاء 25 جمادى الآخرة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كثيراً ما أتساءل مع نفسي، هل هناك فقه يختص بالأقليات المسلمة، التي تعيش - اليوم - في الغرب في ظل أنظمة علمانية، وديمقراطية، بصورة تثمر تعايشاً سلمياً، وتعارفاً حضارياً؟ - ولا سيما - أن إحصاءات الأمم المتحدة.

تذكر أن تعداد الأقليات المسلمة في العالم، يبلغ نحواً من “500” مليون مسلم؛ ليشكلوا بذلك أكثر من ثلث عدد المسلمين في العالم.

إن الفقه بأولويات العمل الإسلامي في الغرب، دون التعامل مع مجهول من الأمر، يستدعي صياغة أحكام فقهية مرتبطة بواقع تلك الأقليات، وما ينبني عليها من أدلة الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، والاستحسان، والمصالح المرسلة، وسد الذرائع، والاستصحاب، والتي لا تنفصل أبداً عن الأبعاد السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية. وهو ما يعبر عنه بفقه المقاصد، وفقه الواقع، وفقه الموازنات، وفقه الأولويات، وفقه المآلات.

خذ على سبيل المثال: عندما انتقد - الدكتور - أحمد جاب الله، مدير المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في باريس، ونائب رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، في برنامج “بلا حدود” على قناة الجزيرة - قبل أيام -، بعض تصرفات الجالية الإسلامية في فرنسا، والتي قال عنها: “إنها تجلب لها متاعب، هي في غنى عنها، حيث أحدث ما قامت به تلك الجالية، وما قام به بعض المتنفذين - هناك - من دعاة، ومشايخ، من إصدار فتوى باللغة الفرنسية، وزعت على المساجد، والمراكز الإسلامية في فرنسا، مضمونها: تحريم المشاركة في الانتخابات الفرنسية، وأن من يشارك فيها من المسلمين، فهو كافر”. مع أن النظام السياسي - في تقديري -، يتيح لكل مواطن في تلك الدول حق الانتخاب، أو الترشيح، أو إبداء الرأي، متى كانت هذه المشاركة، تحقق مصلحة عامة عن طريق الاعتراف بحقوقهم - المدنية والسياسية -، والدفاع عن مصالحهم، والتعبير عن رأيهم، وتعزيز حقوقهم، كالحق في الوجود، والحق في منع التمييز، والحق في تحديد الهوية، والحق في تقرير المصير، في إطار الالتزام بالمبادئ الإسلامية العامة. وخلاف ذلك، سيدفع بتلك الأقليات إلى التهميش السياسي، بسبب قلة مشاركتهم في أنظمة الحكم، والإدارة، وذلك بما يتوافق مع نسبتهم العددية.

ما زلت أذكر كلاماً نفيساً في هذا الباب، - للدكتور - طه جابر العلواني، إذ يقول: لا يمكن إدراج “فقه الأقليات” في مدلول “الفقه”، كما هو شائع الآن - أي فقه الفروع -، بل الأولى إدراجه ضمن “الفقه” بالمعنى العام، الذي يشمل كل جوانب الشرع - اعتقاداً وعملاً -، بالمعنى الذي قصده النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: (من يُرِدِ الله به خيراً يفقهه في الدين). ومن هنا، كانت ضرورة ربط هذا الفقه بالفقه الأكبر، وضعاً للفرع في إطار الكل، وتجاوزاً للفراغ التشريعي، أو الفقهي. ومعنى هذا: أن فقه الأقليات، هو فقه نوعي يُراعي ارتباط الحُكم الشرعي بظروف الجماعة، وبالمكان الذي تعيش فيه، فهو فقه جماعة محصورة لها ظروف خاصة، يصلح لها ما لا يصلح لغيرها، ويحتاج متناوله إلى ثقافة في بعض العلوم الاجتماعية، - خصوصاً - علم الاجتماع، والاقتصاد، والعلوم السياسية، والعَلاقات الدولية. فإذا سأل سائل - مثلاً-: هل يجوز للأقليات المسلمة، أن تشارك في الحياة السياسية في البلد المقيمة فيه، بما يحفظ لها حقوقها، ويمكّنها من مناصرة المسلمين في بلدان أخرى، ويبرز قيم الإسلام، وثقافته في البلد المضيف؟ فإن الفقيه الواعي بعالمية الإسلام، وشهادة أمته على الناس، وبالتداخل في الحياة الدولية المعاصرة، لن يقبل السؤال بهذه الصيغة؛ بل سينقله من منطق الترخص السلبي إلى منطق الوجوب، والإيجابية، انسجاماً مع ما يعرفه من كليات الشرع، وخصائص الأمة، والرسالة - لا لشيء -، إلا لأن الإسلام في العقود الأخيرة، استوطن بلداناً كثيرة؛ مما استدعى أن يكون لهذه البلدان، إطار فقهي خاص بها، يراعي خصوصيتها؛ حيث بدأ المسلمون يواجهون واقعًا جديداً، يثير أسئلة كثيرة جدًّا، تتجاوز القضايا التقليدية - ذات الطابع الفردي - المتعلقة بالطعام المباح، واللحم الحلال، وثبوت الهلال، والزواج بغير المسلمة.. إلى قضايا أكبر دلالة، وأعمق أثراً - ذات صلة بالهُويَّة الإسلامية -، ورسالة المسلم في وطنه الجديد، وصلته بأمته الإسلامية، ومستقبل الإسلام وراء حدوده الحالية.

وإذا كان ابن القيم - رحمه الله - يقول في إعلام الموقعين: “إن الشريعة مبناها، وأساسها على الحكم، ومصالح العباد في المعاش، والمعاد”. وهي - بلا شك - كليات شهدت الشريعة باعتبار جنسها، فيما لا يحصر، ولا يحصى من النصوص، فإننا لا نزال بحاجة إلى مزيد من الدراسات الشرعية، التي تنطلق من رؤية منهجية، وواقعية، تستند في أصولها إلى قواعد الشرع العامة، ومقاصدها، ومراعية خصوصيات تلك الدول؛ حتى نرتقي بالعلاقات التفاعلية، كونه فقهاً عميقاً، يتسم بالمنطقية، ويراعي الواقع المعاش، والقضايا التي تعم بها البلوى، واعتماد الاجتهاد الإصلاحي، بعيداً عن لغة الصراعات، وما تفرزه من مآس، ومشاهد محبطة.

drsasq@gmail.com
 

فقه الأولويات.. عند الأقليات المسلمة!
د.سعد بن عبدالقادر القويعي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة