ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 19/05/2012/2012 Issue 14478 14478 السبت 28 جمادى الآخرة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في ثقافة الإرث الشيعي، تختزل فصول مذبحة كربلاء المقاومة بكل ما تعنيها الكلمة، ويستدعيها البعض كأحد أهم فصول التاريخ الإنساني في مقاومة الظلم والاستبداد، وصل الأمر عند بعضهم إلى رفع مقتل الشهيد الحسين بن علي إلى منزلة تسمو فوق اغتيال أبيه الإمام علي، وتكاد تصل في قدسيتها إلى منزلة صلب عيسى عليه السلام، وأصبحت ذكراها سبباً لإراقة الدماء سنوياً من أجل ترسيخ فكرة الانتقام من الظالم، وبذلك تجاوز ذكرها كل الاغتيالات في تاريخ المسلمين، ليتحول ذلك المشهد الأليم مع مرور الزمن إلى عقيدة تحمل في طياتها وباطنها الإصرار على انتقام المظلوم من الظالم، وتكون ذكراها فصلاً دراسياً يتعلم فيه الأبناء رفض الطغيان ومقاومته، ولتصبح من أركان الإيمان عند المرجعيات الشيعية، شهادتها أن يؤمن المسلم بواجب رفض صور الظلم أياً كان مصدرها حسب أقوالهم.

تم تداول هذا الإرث جيلاً بعد جيل، ليتحول بعد قرون إلى فكر ثوري. وقد قامت الثورة الإسلامية الشيعية في إيران على مقاومة استبداد الشاه، وتم استنفار هذه القيم في مرحلة إسقاط الرئيس العراقي البعثي صدام حسين، لكن تلك القيم المقاومة للظلم اختفت تماماً ثم ذابت عندما حان وقت مقاومة الوجه الآخر للبعث العربي في سوريا، فقد جاء خبر استلام زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، وسام بشار الأسد تثميناً لمواقفه تجاه الأحداث التي تشهدها سوريا، ليؤكد أن العقل الطائفي السياسي كان المحرك للفكر الثوري الشيعي، وأن المبادئ تسقط إذا كان المستبد مولى له، لتدخل المنطقة في نفق مظلم. قد يؤدي في مستقبل الأيام إلى تفجير الساحة السياسية في الشرق العربي.

أسقط مقتدى الصدر بهذا التتويج كل مواقفه السابقة ضد الرئيس العراقي صدام حسين، وأثبت أن كفاحه السياسي لم يكن ضد الاستبداد البعثي الصدامي، ولكن كان ضد صدام حسين لأنه كان يمثل حكم السنة في ذلك الوقت، لا كمستبد حكم بقبضة يده الدموية شعب العراق، ولو كان ذلك صحيحاً لما وقف الصدر مع استبداد بشار الأسد ضد شعبه، وبموقفه هذا سيتحول قبر المستبد صدام إلى مزار يتذكر به السنة ما فعله مقتدى بهم، وعندما أتناول موقف مقتدى الصدر كمثال على ازدواجية المواقف الطائفية وتضادها لا يعني أن الطوائف الأخرى لا تحمل نفس الرؤية المزدوجة تجاه الأحداث، فعلى سبيل المثال يقف مفتي سوريا السني مع الأسد ضد الشعب المستباح دمه، لكني أسلط الضوء على زعيم التيار الصدري لأنه قدم نفسه في زمن صدام على أنه مناضل سياسي من أجل حرية مختلف العراقيين، وأجزم لو عاد الحسين بن علي من قبره لوقف مع الشعب السوري ضد استبداد الوجه الآخر للبعث العربي.

أثبت موقفه الأخير أنه طائفي متطرف، يبحث عن مصالح أبناء طائفته، وذلك هو بيت القصيد في أزمة العقل السياسي في الشرق العربي، وقد أثبتت هذه الحالة أن الحالة الطائفية في الشرق العربي وصلت إلى وضع حرج، قد تجر المنطقة إلى ما لا تحمد عقباه، فقد أصبح التفكير من خلال العقل الطائفي يمهد إلى حدوث صراع وانقسامات، وربما حروب مدمرة في المنطقة، ويأتي دخول رجال الدين ميدان الحراك السياسي سبباً رئيساً في طغيان اللغة الطائفية على لغة التعبير السياسي، وما حدث في إيران بعد الثورة، والعراق بعد سقوط بغداد، دليل على أن سكان هذه المنطقة أسرى للخطاب الطائفي، ولم يصلوا بعد إلى مفاهيم حقوق الإنسان خارج إطار العقل الطائفي.

لم نرث من تاريخ المسلمين المشرق إلا أنساق الكراهية والتعصب، ولم يصل إلينا من العصر الذهبي إلا رسائل البغضاء والتخلف، وقبل فوات الأوان هل نملك الجرأة في الحديث عن المسكوت عنه في ميراث تيارات التعصب الطائفية سواء في تاريخ الشيعة أو السنة أو غيرهما، لأن هذا الإرث المشبع بالكراهية عند مختلف الطوائف الإسلامية المعاصرة لم يعد صالحاً للمستقبل العربي، ولابد من إخراجه من عقل المواطن العادي، والذي أصبح بسبب التعصب فوهة مدفع مستعد للانفجار في أي لحظة ضد أخيه المواطن، لقد فقد المواطنون العرب الثقة فيما بينهم منذ تسلم الرموز الدينية الراية، وعلى هؤلاء الرموز أن يتركوا السياسة للمعتدلين الذين لا يتناقضون مثلما تنافض مقتدى الصدر، الذي فتح الباب على مصراعيه للفتنة الطائفية، وهل هي هاي المبادئ يا مقتدى؟!.

 

بين الكلمات
هي هاي المبادئ يا مقتدى..؟!
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة