ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 21/05/2012/2012 Issue 14480 14480 الأثنين 30 جمادى الآخرة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

تعد الذاكرة الإنسانية شاهداً وحيداً على مجمل نسيج علاقاتنا البشرية، وهي المركز المعلوماتي الذي يقاوم عمليات التحول والتنوع، بل نقول عنها إنها أرشيف تقليدي يحفظ العديد من الصور والأنماط التي تعد معادلاً موضوعياً ونداً قوياً لمحاولات التغيير والطمس والتحوير.

الذاكرة ورغم أنها تعاني هذه الأيام من تدفق معلوماتي هائل، إلا أنها تظل في وضع المقاومة والمناجزة لأوجه التحدي والاختبار، فمن ينقل لك من أحاديث الذاكرة، أو سوانح الفكر لا بد له أن يتوقف في الغالب عند حالة النسيان عاجزاً.. “فآفة النقل النسيان” كما تقول العرب.

لم يعد ممكناً أن نركن إلى الذاكرة الشفاهية للخطاب التاريخي هذه الأيام لأن هناك استمراء مفرطاً، ورغبة جامحة للتفاعل مع الذاكرة المصنعة، أو المخترعة، أو من يراد لها أن تستوعب نمطية الاستهلاك وقبول مبدأ أي معلومة، أو هضم أي عسر يحدث في منظومة الأحاديث حتى وإن كانت من قبيل الثرثرة الإلكترونية.

الذاكرة الشعبية على وجه الخصوص تعيش أسوأ أيامها رغم صلابة مقاومتها وضراوة منهجها الاسترشادي بمخيلة الحكاية والسرد والمواقف وقوة الأحداث وتنوعها، إلا أنها تحاول جاهدة أن تعمل رياضة التنشيط للذاكرة حتى وإن كانت لا تحفظ - للأسف - سوى قصص وصور الأحداث الأليمة لكثرتها وتوافرها، لأنك لو فتشت عن أي جميل في الذاكرة فلن تعثر عليه إلا بمشقة.

وتنوء الذاكرة بوشائج التداخل والتشابك، وتداعي حالات التقادم والبلى، فلا يمكن لك - على سبيل المثال - أن تعثر فيها على ما يبهج في أيام الأعياد، أو المناسبات، أو الولائم التي كانت في السابق في أرفف الذاكرة يقظة ومنيرة، بل ومصدر سعادة ورضى عند الكثير ممن يستعيدون ذاكرة الماضي.

الأحداث السياسية والاجتماعية والمادية والاستهلاكية الراهنة هي من تسعى بوعي أو بدونه إلى غلق الذاكرة وتشويهها أو استلابها وجعلها تنسى ما تريد أن تنساه وتتذكر ولو لوقت بسيط ما تريده حتى وإن كانت هذه المنقولات والمواقف متناقضة وهشة.

تظل الذاكرة الاجتماعية إجمالاً قادرة على أن تحفظ الكثير من الصور، حيث يؤدي هذا الحفظ إلى تحفيز الذاكرة لكي تختزن هذه المشاهد ولاسيما ما هو قديم وقريب من الطفولة ولون الحياة العفوي من غناء وقصص وطرف وملح وحكايات تتناقلها الأجيال دون حاجة للذاكرة البديلة هذه الأيام.. تلك التي تشط، أو تحيد وفقاً لرغبات متباعدة، أو امتثالاً لمفاهيم التحول والتنوع الذي يشبه العبث والمجانية.

من هنا يمكن لنا القول إن ذاكرة الطفولة تبقى بكراً ومتجددة في الوجدان، إلا أنها تحتاج منا إلى عمل وتضحيات وتقديم صور إنسانية معبرة من الكبار، لعلها تختزن هذه الشذرات الجمالية كقيمة فاعلة ومؤثرة تعادل ما يتدفق هذه الأيام من معلومات وقصص وحكايات يصعب على أي إنسان التدقيق بمنهجها، أو التثبت من سلامة تواترها ونقلها لكي لا تكون مجرد أوهام أو تراهات أو من قبيل: “قبض الريح” أو “هذر السمار” أو مساجلات التدوين والتغريد الإلكتروني التي قد تعجز الذائقة أن تفك تشابكه وتداخله.

hrbda2000@hotmail.com
 

بين قولين
“آفة النقل”.. ذاكرة بديلة
عبد الحفيظ الشمري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة