ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Tuesday 22/05/2012/2012 Issue 14481 14481 الثلاثاء 01 رجب 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

ببالغ الاستغراب اطلعت على الانتقاد الناري والاستفزازي الذي أطلقه الوزير السابق للتربية والتعليم، محمد بن أحمد الرشيد، في محاضرته في (خميسية) حمد الجاسر الثقافية في الرياض يوم الخميس 26-4-2012م، التي تناقلتها بعض وسائل الإعلام، والذي أورد فيه جملة من الانتقادات اللاذعة لوضعية الجامعات السعودية، ولا أتصور أن أحداً يقر له بها، خاصة في ظل التحولات النوعية والحراك التعليمي والثقافي والعلمي الواسع الذي تشهده الجامعات السعودية؛ ما أهلها إلى أن تتبوأ مكانة عالمية مرموقة، يشهد بها القاصي والداني عبر أرجاء المعمورة.

اتهم الدكتور الرشيد الجامعات السعودية بالهرطقة الإعلامية، وأن الجامعات مكبَّلة بقيود تمنع انطلاق العقول العلمية فيها، ووصف المناهج العلمية في الجامعات بالمحزن، وأن عدداً من الجامعات انخرط بالهرطقة الدعائية الزائفة بقصد البهرجة والظهور، وأن المؤتمرات الجامعية لا فائدة منها.

وبصفتي شاهداً على الجامعات السعودية منذ ما يقارب ثلاثة عقود من الزمن حتى الوقت الراهن أجد صعوبة كبيرة في فَهْم أو تقبُّل هذه الطروحات غير الموضوعية، التي أستغرب أنها صدرت من رجل من رجالات التربية، عايش الجامعات، وتابع مسيرتها، وربما كانت له بصمات هنا وهناك من أجل تطوير وإصلاح التعليم، إلا أن الدكتور الرشيد يأبى إلا أن يعطي نفسه الحرية المطلقة في النقد والانتقاد مجافياً في كثير من الحالات الموضوعية والدقة والمنهجية العلمية في الطرح؛ فكنتُ أتمنى لو أنه دلل على أقواله بحجج وبراهين مقنعة ودامغة، أو حتى إحصائيات أو مؤشرات تثري أطروحاته، لكنه أطلق كل هذه المرئيات على عواهنها متناسياً أن جمهور القراء اليوم أصبح أكثر حصافة في قبول الآراء والادعاءات، خاصة عندما يكون الرأي المطروح يرتبط بقطاعٍ، منسوبوه يمثلون النخبة المجتمعية. وفي رأيي أن هذه الآراء والادعاءات التي ذكرها الدكتور الرشيد هي اجترار للتقرير السيئ الذي نشرته مجلة الساينس جورنال ظلماً وعدواناً، والذي تجنَّت فيه على جامعتَيْ الملك عبدالعزيز والملك سعود، قبل أن تعتذر عما جاء فيه من مغالطات في مرحلة لاحقة، بعد أن فنَّد ما ورد فيه علماء بارزون من أرجاء المعمورة كافة.

ولا أدري حقيقة لمصلحة مَنْ يقول الدكتور الرشيد ما قاله عن الجامعات، الذي ابتعد في أقواله عن الحكمة المأمولة من رجل مرَّ بتجارب، وتقلَّد مناصب رسمية وعلمية ذات بال.

إن أسلوب النقد والانتقاد الذي مارسه الدكتور الرشيد ضد الجامعات السعودية هو الأسلوب ذاته الذي استخدمه ضد وزارة التربية والتعليم بعد أن ترجَّل عن الوزارة؛ ففي مناسبات كثيرة استغل كل مناسبة لتوجيه أقسى الانتقادات وأكثرها حدة لواقع التعليم في المملكة العربية السعودية، وهذه الانتقادات لم يكن يذكرها الدكتور الرشيد حينما كان على رأس الوزارة، وكأن لسان حاله يقول «ما لم أكن على رأس هذه الوزارة فلن يصلح حالها»، وهذه - بلا شك - نرجسية عالية ممجوجة.

إنني، وأنا أسطر هذه المقالة، لا أعارض حرية الرأي أو التفكير أو الانتقاد، لكنني أعارض - وبشدة - النقد غير البنَّاء، والنقد الجارح، والنقد غير المبرر وغير المقنع، الذي يسيء إلى الرجال المخلصين في المواقع العليا والمتوسطة والتنفيذية؛ فلا يساورني شك أن ما أطلقه الرشيد من تصاريح فيه هضم واستنقاص وإساءة للنجاحات الواعدة التي حققتها الجامعات السعودية، ولا شك أن الإساءات تطول جميع العاملين فيها، بدءاً من مديري الجامعات ومعاونيهم وأعضاء هيئة التدريس والطلاب الدارسين في هذه الجامعات، وتطول الوطن بأكمله.

وفي البدء أود أن أذكِّر الدكتور الرشيد بأن الجامعات في بلادنا منارات عِلْم وثقافة، وقد استطاعت خلال السنوات المحدودة الماضية تحقيق إنجازات وطنية، ربما يدركها الدكتور الرشيد أكثر منا. وأذكِّر الزميل محمد الرشيد أن الجامعات السعودية استطاعت أن تحقِّق مراكز متقدمة في المؤشرات الرتبية بين الجامعات العالمية، وبشهادة مرجعيات الاختصاص الدولية، كمؤشر شنغهاي والمؤشر الإسباني، وغيرهما من المؤشرات العالمية، وحققت كثيرٌ من الكليات العلمية والإنسانية متطلبات الجودة والاعتماد الأكاديمي بشهادة مرجعيات عالمية كذلك، وتبنَّت كثير من الجامعات مشروعات تقنية وبحثية وعلمية لتحقيق متطلبات مجتمع واقتصاد المعرفة، ويوجد في جامعة الملك سعود ما يزيد على 130 كرسي بحث، تتمحور أنشطتها حول البحث والتطوير في المجالات الطبية والهندسية والعلمية والزراعية والإنسانية والاقتصاد وترشيد الطاقة الكهربائية وأبحاث البهاق ومعالجة السمنة واضطرابات الصوت وأبحاث البوليمارت، وكذلك في مجال دراسات الحسبة والسُّنة والأمن الفكري، وسجَّل كثير من الأساتذة براءات اختراع في مجالات كنا نخالها حلماً من الأحلام في أزمنة سابقة، ونشروا أبحاثهم في أرقى أوعية النشر العلمي. ولا يخفى على الدكتور الرشيد أن الجامعات السعودية أعطت أولوية للبحث العلمي ولدعم الأساتذة وتدريبهم وتطوير مهاراتهم، وللشراكة المجتمعية المحلية والعالمية، وتبنت أساليب راقية لنقل المعرفة والتقانة بأسلوب عصري وفريد من نوعه.

وحرصت الجامعات على عقد الندوات والمؤتمرات العلمية ذات النفع والفائدة، على عكس ما يتصوره الدكتور الرشيد؛ فالمؤتمرات والندوات تتيح تلاقح الأفكار والتعارف بين الباحثين وطرح النتائج التي يتوصل إليها العلماء الذين يتقاطرون من أرجاء المعمورة كافة للمشاركة فيها. وهذه المؤتمرات ليست ترفاً بل جهداً أصيلاً من رسالة الجامعة، ولا تُقَرّ إلا بعد دراسة معمقة لأهدافها ونتائجها المتوقعة. وأستغرب أن يقول الدكتور الرشيد أن هذه المؤتمرات لا فائدة منها، وهو كان من أكثر المهتمين بالمؤتمرات، سواء إبان عمله بالجامعة أو في مكتب التربية العربي لدول الخليج، بل لعله من أكثر من يشارك في المؤتمرات؛ فإن لم يكن لها فائدة كما يقول فلماذا يهتم بها؟!

وأذكر أيضاً أن الجامعات السعودية في أداء أعمالها تنطلق من رؤية موسعة، تبتغي فيها التميز والعالمية والمنافسة الجادة مع نظيراتها عالمياً؛ فلذلك حرصت الجامعات على استضافة كبار العلماء والمتميزين من الباحثين لإثراء التجربة الأكاديمية السعودية، وللاستفادة من تجاربهم والاشتراك معهم في أبحاث مشتركة ذات نفع وطني وعالمي، ولئلا يظل الأستاذ الجامعي السعودي متقوقعاً على ذاته، لا يختلط أو يتعامل مع باحثين لهم إسهامهم على المستوى العالمي. ولا أنسى في هذا الصدد أن أذكر أن الجامعات السعودية بدأت بالتفكير في استخدام وتوظيف البحث العلمي والتقانة، واستثمارها فيما يعود على الجامعات بموازنات إضافية، توظفها في تحقيق رسالتها لخدمة المجتمع. ونظرة فاحصة للحراك الواسع في مجال إنشاء الأوقاف الجامعية وكراسي البحث الممولة من رجالات الأعمال والاقتصاد وإنشاء مدن التقانة توضِّح التغيُّر النوعي الذي حدث في بنية الجامعات السعودية قولاً وعملاً، وليس هرطقة كما يدعي الدكتور الرشيد.

إن هذا العمل الجبَّار الذي تقوم به الجامعات كان محل تقدير مليك البلاد - حفظه الله - وسمو نائبه - أيده الله - اللذين عبَّرا في كثير من المناسبات واللقاءات عن اعتزازهما بما تقوم به الجامعات من أدوار حضارية راقية. ولعل إسهامات هذه الجامعات وإنجازاتها كانت من بين المبررات التي دعت اليونسكو إلى منح مليكنا الغالي - أيده الله - أرقى وسام لليونسكو لرعايته العلم والعلماء على جميع المستويات.

وفي الوقت الراهن، الذي وفَّرت فيه الجامعات الحوافز المادية والمعنوية كافة لأعضاء هيئة التدريس، إلى درجة أن بعض أعضاء هيئة التدريس يتقاضى أكثر من ضِعْف راتبه نتيجة الحوافز المتاحة، ويشارك العضو - كما يعلم الدكتور الرشيد - في ثلاثة إلى أربعة مؤتمرات سنوية خارجية، وتُتاح له فرص حرية التفكير والتعبير عن الرأي، إلا أن الدكتور الرشيد يصرُّ على أن الجامعات مكبَّلة بقيود تمنع انطلاق العقول العلمية فيها؛ فأود أن أذكِّر الدكتور الرشيد بجملة من الحقائق.

أولاً: إن الجامعات تتصف اليوم بذهنيات إدارية مرنة للغاية، أزالت كل القيود البيروقراطية السابقة، وتوفِّر منابر ثقافية وفكرية ودينية لجميع المرجعيات العلمية والثقافية دون استثناء أو تمييز؛ ما يجعلها منارة حاضنة لرجالات الإبداع والثقافة؛ ما يثري الحياة الجامعية لجميع منسوبيها، خاصة الطلبة. وحرية واستقلالية الفكر والرأي متاحة للجميع، إلا ما كان يتعارض مع ثوابت الدين والثقافة والعُرْف السائد.

أما وصفه المناهج بالمحزن فأكاد أجزم بأن هذا القول ليس في مكانه الصحيح، وربما أتى نتيجة لابتعاد الدكتور الرشيد عن الجامعات وأروقتها لسنوات طوال جداً. ولو كانت المناهج محزنة كما يقول فكيف استطاعت أن تكتسب استحقاقات الجودة والتميز والاعتماد الأكاديمي التي تمنحها مؤسسات أكاديمية وراقية ومحايدة؟ إلا إذا كان الدكتور الرشيد لا يعترف بهذه المرجعيات الدولية وشهاداتها، فهذا أمر آخر.

أن المساحة المتوافرة في هذه الجريدة لا تمكِّن من طرح كل الأدلة الدامغة على جودة وتميز الجامعات السعودية، وطموحاتها وإنجازاتها، لكنني - وفي عجالة - أسطر بعض الإنجازات النوعية لجامعة الملك سعود للتدليل على العمل الجاد والدؤوب للجامعات السعودية؛ فلقد احتلت الجامعة المركز 200 عالمياً، أي أنها من أفضل 200 جامعة على مستوى العالم، وحققت مركزاً متقدماً في مجال استخدام التقنية على مستوى العالم، كما أنشأت مركز الملك عبدالله لتقنية النانو، ومعهد الأمير سلطان للتقنيات المتقدمة، ومركز الأمير نايف للعلوم الصحية، ومركز الأمير سلمان لريادة الأعمال، وكرسي الأمير خالد بن سلطان لأبحاث المياه، ومشروع شركة وادي الرياض للتقنية، ومركز التصنيع المتقدم، ومشاريع استراتيجية عديدة، وأنشأت أوقافاً للجامعات، أصولها المالية 3 مليارات ريال، وأودعت الجامعة 138 براءة اختراع لأعضاء هيئة التدريس و90 طلب براءة اختراع، وبلغ عدد الأبحاث المنشورة في قواعد (ISI) ما يقارب ألفَيْ دراسة، وحصدت الجامعة 19 جائزة عالمية في معرض جنيف الدولي للمخترعين، ويوجد للجامعة محفظة استثمارية عقارية تُقدَّر بـ500 مليون ريال، تُصرف عائداتها على الكراسي البحثية، ووقَّعت الجامعة مذكرات تفاهم علمية مرتبطة ببرامج ومشاريع تنفيذية مع كبرى الجامعات العالمية، وابتكرت عضو هيئة التدريس بالجامعة أماني عواد علاجاً جديداً يداوي قرحة المعدة، وأجرت الجامعة أبحاثاً علمية مرتبطة بمجال حصد وخزن مياه الأمطار، وسجلت 138 جيناً في بنك الجينات الدولي، وانتقلت في تعاملاتها الإدارية من التعامل الورقي إلى التعامل الإلكتروني. ويُضاف إلى ذلك أنه استُحدثت آليات عمل وبرامج فاعلة في مجال الملكية الفكرية وبرنامج الطاقة، والتوأمة العالمية، واستقطاب العلماء المتميزين، وإنشاء حاضنة الرياض للتقنية، وأسست صندوق الاستثمار المعرفي (تمكين) بميزانية تفوق 160 مليون ريال أسوة بما يحدث في الجامعات العالمية الرائدة، التي أثرت إيجابياً في اقتصاديات أوطانها، وعملت على إنشاء جمعيات علمية، بلغ عددها أكثر من 30 جمعية، تقوم بأدوار محمودة في تطوير أداء منسوبيها، وفي توسيع الجوانب العلمية والبحثية لتخصصاتها، وفي ربط الجامعة بالمجتمع.

هذا غيض من فيض مما قامت به جامعة الملك سعود، وأشاد به رؤساء دول وشخصيات عربية ودولية، أمثال فخامة رئيس وزراء الهند مانموهان سنغ والرئيس التركي عبدالله غول والبروفيسور أحمد زويل، والكثير غيرهم.

إن هذه المشروعات والإنجازات التي تقوم بها جامعة الملك سعود تدلل بكل وضوح على أن العمل الدؤوب فيها عمل معرفي جاد بكل وضوح، وواعد، وينطلق من رؤية ثاقبة وموسعة، سيكون لها دورها الرئيس في بناء مجتمع المعرفة واقتصاد المعرفة وإحداث قفزات نوعية في البنية التنموية للمجتمع. والجامعات الأخرى، القديمة والحديثة منها، تقوم بأدوار تتقاطع بشكل أو بآخر مع المجهودات العملاقة التي تقوم بها جامعة الملك سعود، فهل هذه المجهودات هي مجرد هرطقة إعلامية زائفة كما يقول الدكتور محمد الرشيد؟! وهل جامعات مكبَّلة بالقيود تستطيع أن تنجز ما أنجزته جامعة الملك سعود؟! وهل جامعة مناهجها محزنة تستطيع أن تتبوأ المكانة التي وصلت إليها جامعة الملك سعود؟ أو جامعة الملك فهد للبترول والمعادن؟ أو جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية؟

إن المنطق السوي يقول لا، وألف لا؛ فجامعاتنا - والحمد لله -جامعات عملاقة، تقوم بدور أساسي في بناء الحضارة وتطوير الأمة، ولا يجوز المساس بإنجازاتها أو محاولة تقزيمها والتقليل من شأنها.

وإذا كانت هذه هي حقيقة الجامعات السعودية، أوليس من حقها أن تُعلن إنجازاتها من خلال وسائل الإعلام المختلفة، ليس للتباهي، إنما لنشر هذه الحقائق التي تُفرح المواطنين، وتُشعرهم بالدور العالمي الذي تقوم به الجامعات؟ ولا أدري ماذا يريد الدكتور الرشيد من هذا الأمر؟ وأستغرب من موقف الرشيد من الجانب الإعلامي الذي توظفه الجامعات، لا لشيء إلا لأنه من أكثر المؤمنين بالدور الإعلامي في تحقيق رسالة المؤسسات، ومن أكثر الممارسين له عندما جنَّد أشخاصاً كثراً لتغطية نشاطاته وتحركاته عندما كان وزيراً للتربية، حتى أن ولعه بالإعلام أصبح مضرباً للمثل عند الناس، وكنت أتمنى ألا يستخدم الدكتور الرشيد مصطلح الهرطقة الإعلامية؛ لأن هذا الاستخدام يدلل على وجود موقف مسبق للدكتور حول التعليم العالي والجامعات، ولِمَ لا يكون هذا الموقف هو الذي أفرز كل هذه الآراء والانتقادات الحادة؟

وعلى أية حال، أود أن أهمس في أذن الدكتور الرشيد بأن الجامعات السعودية منظومة استراتيجية من المشروع النهضوي والتنموي للدولة، وتشرف عليه بكل جدارة وكفاءة وتميز وزارة التعليم العالي ووزيرها المتميز معالي الدكتور خالد العنقري، بمؤازرة الجامعات ذاتها. وهذا الأنموذج، أنموذج تبعية الجامعات لوزارة التعليم العالي، هو أنموذج شائع الانتشار في أرجاء المعمورة كافة. ويوفر هذا النموذج قوة دفع وتمكين للجامعات متى ما توافرت الشفافية، والعلاقات الحسنة. ولعل تجربتنا في المملكة من أروع الأمثلة لجودة هذا الأنموذج؛ فالحراك العلمي والثقافي في الجامعات السعودية ما كان له أن يتحقق إلا بالله ثم برؤية الدولة - وفقها الله - والعلاقات المتينة والأخوية التي تربط مديري الجامعات بوزير التعليم العالي. أما الدعوة لاستقلالية الجامعات، وفك الارتباط بينها وبين وزارة التعليم العالي، فلا أجد لها مسوغاً معقولاً في الفترة الراهنة، خاصة في ظل وجود عدد من الجامعات الناشئة، التي هي بأمسّ الحاجة إلى المؤازرة والمساندة والرعاية من جهات أعلى.

وعلى الرغم من كثرة الانتقادات التي وجهها للجامعات السعودية إلا أنه طالب باستقلالية الجامعات، وأن يشرف عليها مجلس أمناء تكون له صلاحيات موسَّعة لتعيين مديري الجامعات والوكلاء، وهكذا.

وفي ظني أن هذه مثالية تتعارض مع الثقافة الاجتماعية السائدة وطبيعة الجامعات. هذا من جانب، ومن جانب آخر أجد في هذا الطرح تناقضاً مع الوضعية التي وصف بها الدكتور الرشيد مشهد الجامعات السعودية؛ فإذا كانا الوضع كما وصفه فمن غير المنطقي أن ننتقل إلى وضعية ونمط إداري ربما تكون فيه الفرص مهيأة أكثر للتسيب والانفلات.

إنني أتفهم الغيرة والشعور الوطني الواقف خلف أطروحات الدكتور الرشيد، لكن هذه الغيرة وحسن النوايا لا تجيز له التجريح أو التقليل من إسهامات الآخرين أو إنكار إنجازاتهم المشهودة. وأقول إنه لما كانت لدى الدكتور الرشيد الجرأة في طرح آرائه وانتقاداته فلتكن لديه الجرأة في الاعتذار للجامعات ومنسوبيها على ما بدر منه من تصريحات مجانبة للصواب.

إنني أقولها بكل صراحة: لو أن هذه التصريحات أتت من خارج الوطن لعرفنا دوافعها وبواعثها، ولو أتت من رجل قليل الخبرة والدراية لاعتبرناها من منظور الجهل أو حب الظهور، لكن أن تأتي من قِبل قامة كبيرة بحجم الدكتور محمد الرشيد فهذه كبيرة لا تُغتفر.

وفي الختام، أود أن أذكِّر بأن رسالة الجامعات السعودية اليوم تتمحور حول تقديم تعليم متميز، وإنتاج بحوث إبداعية تخدم المجتمع، وتسهم في بناء اقتصاد المعرفة، من خلال إيجاد بيئة محفزة للتعلم والإبداع الفكري، والتوظيف الأمثل للتقنية والشراكة المحلية والعالمية الفاعلة. وتنطلق هذه الجامعات في تحقيق رسالتها من منظومات قيمية منبثقة من القيم الإسلامية الحنيفة والثقافة العربية الأصيلة، ولعل أهم هذه القيم قيم الجودة والتميز، والعمل بروح الفريق، والحرية الأكاديمية والعدالة والنزاهة، ودعم التعليم المستمر داخل الجامعات وخارجها، بما يحقق النمو الفكري المستمر ورفاهية المجتمع المستدامة. ولكل جامعة اليوم خطتها الاستراتيجية الرامية إلى تحويل هذه القيم والأفكار إلى برامج عمل ومشروعات، تصبُّ في تحقيق رسالة الجامعة ورؤاها وأهدافها الطموحة. إن التفكير الاستراتيجي للجامعات لا يمكن إلا أن يوجهها الوجهة الصائبة والطموحة، التي يرضى عنها الله ثم ولاة الأمر والمجتمع السعودي النبيل.

هذا، والله من وراء القصد.

أستاذ التربية والتعليم المستمر - كلية التربية، جامعة الملك سعود
 

ولا تبخسوا الناس أشياءهم يا معالي الدكتور!
عبدالعزيز بن عبدالله السنبل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة