ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 25/05/2012/2012 Issue 14484 14484 الجمعة 04 رجب 1433 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

هو صالح بن عبدالله السكيني من أهل القويعية، ونزل شقراء، وكان حائكاً.. وهو شاعر غَزَليٌّ سياسي قروي.. كانت له مطارحات مع فهيد السكران، ولكنها من شعر الرد السريع؛ ولهذا فُقِدَتْ ولم تعلق بالأذهان.. وكان حُلْوَ الصوت جهوريَّهُ.. سمعتْ إحداهن صوته يُجَلْجِل في جبل كميت قرب القرائن في يوم غائم؛ فظنَّته رعداً، فقالت: (سبحان من سبح الرعد بحمده)!!.. فقيل لها: (هذا السكيني يرد على فهيد السكران)!!.. حدثني بذلك محمد ابن يُحَيَّان رحمه الله تعالى.. ومن بداهته أنه قفز في الملعبة؛ ليردَّ على ابن سكران، ويقول:

تشوفِ حالي كنَّها سنِّ مفتاحْ

وتْشوفِ حالكْ كنِّها هِرْشِ مشعابِ

فوقع عقاله؛ فقال قبل أن يصل إلى الأرض:

الا وا حسايفْ عقاليْ طاحْ

عسى الله يِظَفْظِفْ باقي اسلابي

حدثني بذلك أيضاً ابن يحيان، و(هرش مشعاب) كنايةٌ عن بعير مُسِنٌّ بَدينٍ يُسيِّره الضرب بالمشعاب، وهو عصىً غليظة لها رأس.. والخَضَر فتاة معروفة يتغزَّل فيها، وُيشبِّب بها أصحابه عبدالرحمن البواردي وحمد ابن بريثن (عوجان).. ولكنَّ شعر السكيني الغزلي خلص لها.

قال أبو عبدالرحمن: نحن نعرف أن الحب إذا نُكِحَ فسد، وأن تغنِّيهم بالخَضَر -أو تغنِّي السكيني نفسِه- دليلٌ على أن الأمر لم يتجاوز الحب والأماني؛ وبما أن طرحهم واحد، وألحانهم واحدة، وليلاهم واحدة: فإن الرواة ربما وهموا في الخلط بين شعرهم ونسبة شعر أحدهم إلى الآخر.. وأعزف (بالزاي) عما أعرفه -بالراء المهملة-، ما أعرف عن الخَضَر، وعن شعر السكيني السياسي.. ولا يُحفظ له تناوش لحماة الدعوة آل سعود؛ وإنما كان هروبه إلى الكويت (مع أن لسانه كان عفّاً) لثلاثة عوامل:

أولها: أن له حَظْوة إذا سار إلى الجبل مادحاً، فقد لا يجد هذه الحظوة بعد ذلك، والنفوس مع مَن أحسن إليها.

وثانيها: أنه خفيف الحمل كما قال في رثائه لعبدالعزيز بن متعب:

ما نابْ ابو عيلةْ ولا نابِ ملَّاك

ولا نابِ مربوطٍ برجلي هْجارا

انا خفيف الحمل وأسعى بالافلاك

والذِّلِّ يبرك فوق ولد الحبارى

والسكيني فقير، والكويت من منتجعات أهل نجد إذا ضاقت بهم الحال، والنجعة أمنية السكيني قبل الأحداث كما في قوله:

وراني ما أغَرِّبْ وَارْكبِ الغوصِ للبحرينْ

واخلِّي ديارَ الفقرِ يلعب بها الجنِّي

وهذا على اللحن الشيباني.

وثالثها: أن السكيني نفسه غير مستقر النفس في بلاده شقراء، فكان مُضايقاً من أهل الخير؛ لانغماسه في اللهو الغزلي وسهراته ومطارحاته.. يدلُّ على ذلك قصيدته التائيَّة، وبعد هذا كله فجيل السكيني وابن هويدي وأبو جراح والعِزِّي جيل ليس عنده وَعْيٌ سياسيٌّ يعرف أن عودة الملك عبدالعزيز عودةٌ لحكمٍ تاريخي وحكومة شرعية، كما أنه لا يلقي لخصائص الراعي بالاً: من كونه يؤسِّسُ أمة، ويوِّحد أشتاتاً، ويؤلف مُقَوِّماتِ حضارة، ويرتبط بهموم الرعية؛ وإنما مقاييس هؤلاء ما يجده الشاعر من كرم حاتمي إذا انتجع مادحاً، وما يجده من جبروت الفروسية الجاهلية.. والمادح إذا مدح الملك عبدالعزيزكان مديحه شكراً باسم الرعية، وأما مديح أولئك بمثل هذه المقاييس (يا مال طُوبى يا عشير السكارى) يعني الشجعان.. ولامية السكيني من الشعر الديواني على وزن (مفاعيلن - مفاعيلن - فعولن)، وقد كتب بها إلى أمير شقراء عبدالرحمن البواردي، وهي بروايتي عن عبدالرحمن الحمداني رحمه الله تعالى.. قال:

هلا بكتابِ ريفَ الموجفاتِ

على مثلَ التنايفْ نايفاتِ

يبيِّن لكْ عدوِّك من صديقكْ

الى استدعيتهم للنايباتِ

تَعَرْفَ الصاحبَ الصافي من اللي

عليك يدوِّرون الدايراتِ

الى جا واحدٍ ما حفْظِ عمَّ

تنصَّب للامور المعجزات

ومن جوره يجي في الصف الاول

وهو ذيبٍ تلبَّس جلد شاة

يبيه يقال إنه يصلي

ويعطونه من اطراف الزكاة

ومِنْهم من يفخرْ بْدينه

يِكفِّرنا وهي بالخاتمات

ولا يِدْرى شقيٍّ أم سعيدٍ

كِتِبْنا في بطون الامهات

فلولا الدين بيِّن والمشايخْ

كلونا هالمهسَّس بالشمات(1)

مطاييرٍ معاثير هداهد

هْسُوس ابليس واحدهم فلاتِ

والمطايير كناية عن التسرُّع بدون تأنٍّ، وفي القصيدة معانٍ كثير من الشعر الفصيح حصلت له بالثقافة المشتركة من التجرِبة.. وذكر لي أبو محمد ناصر العجاجي أن له قصيدة مطلعها:

قمْ يا نديبي ترحَّل فوقِ ضبَّاحِ

وافي الرِّمِامينِ والذرعانِ مبريَّةْ

ولم أعثر للقصيدة على خبر، وهي من الهجيني الطويل، وقد رويتُ ضميمة كثيرة من شعره.

قال أبو عبدالرحمن: والرواية الشفهية التي حفظتها في الصغر بشقراء أنه سار إلى الكويت بعد انضمام المجمعة، بيد أن قصيدته الكافية الرائية تنص على أن رحيله بعد ذلك، ولا أدري أين كان قبل انضمام المجمعة وقبل حادثة روضة مهنا، والمتوقع أن يكون بحائل، وكان يراسل أصدقاءه في شقراء من الكويت كما في القصيدة التي مَرَّ ذِكْرها.. ولا أدري متى مات، ووفاته بعد وفات صديقه فهيد السكران؛ فقد استفاض أنه رأى في المنام أن فهيد السكران قُتِل في اليوم الفلاني من الشهر الفلاني؛ فكتب الجمَّالون قولَه، ولما وصلوا إلى نجد حققوا الأمر فوجدوه كما قال؛ وبناء على قاعدة:

إني وكل شاعرٍ من البشرْ

شيطانه أنثى وشيطاني ذكر

قالوا إنه جاءه شيطان فهيد في المنام يعرض عليه أن يكون مُلَقِّنَه بعد موت فهيد!!.. ومنهم من يقول: كانت رؤيا بشقراء قبل رحيله.

قال أبو عبدالرحمن: لا أعلم تاريخ موت فهيد لأحقق الأمر..، وقيل: إنه توفي بالزبير ولا أحقق ذلك، وأستبعده.. وزعم الأستاذ فهد المارك رحمه الله تعالى أن هَّباساً أحد فرسان جراب [وهو جدُّ أخي متعب بن نايف بن هباس] روى له أبياتاً للشاعر صالح السكيني قالها في معركة جراب مطلعها:

ذيب يا للي بذَّني بعواه

دوك اهل لبدة يمين جراب

قال أبو عبدالرحمن: وهي من العَرْضَة، ولم يكن السكيني بنجد يوم معركة جراب، ولا ندري أكان على قيد الحياة أم لا ؟.. وذكر السكيني في عروسه أنه يجيد القراءة.

قال انْتِ عندكْ مَضْبِطَ الشعر والدِّيْن

قلتِ ايْ نَعَمْ يا زينِ عندي كتابَهْ

قال انت تقرا قلت انا اقرا الدواوين

اقرا المثل للصيد تِلْعٍ رقابه

قال أبو عبدالرحمن: إن صح هذا فهو من باب التهجِّي، أو ترغيب مليحةِ عروسِ الشعر.. وكثير من العوام يقرأون المصحف ولا يكتبون ولا يحسنون قراءة غير المصحف إلا بتهجٍّ وتلعثم ونطقٍ غير سليم.. ولقد لامه أخوه على وِجْهته بعد أن لمع نجم الملك عبدالعزيز رحمه الله فقال:

يا تايهَ الرايِ مالك واحدٍ دلَّكْ

لاعادِ لا لكْ ولا انت في البلد مالكْ

لبست ثوب وهو ماهوب ثوب لك

لاهوب لا لك ولا يصلح على امثالكْ

حدثني بهذين البيتين الشاعر رضيمان بن حسين الشمري، وأخبرني أن أخاه أرسلهما إليه من القويعية، وهي من ألحان الهجيني الطويل.. وأما لاميته فهي على وزن: (مفاعيلن - مفاعيلن - فعولن)، وهي على وزن (سقا صوت الحيا مزنٍ تهامَى) التي ذكرتها لابن لعبون فيما سبق من هذه الابتسامات، ولا تجري على لحنها إلا بتكلف؛ للفارق بين (مستفعلن)، و(مستفعِ لن)، وهي من الشعر الديواني ذي القافية الواحدة للبيت كله، ولكنها ذات لحن آخر يُسمَّى (الزَّوبِعيَّ).. حدثني بها الشاعر أبو ناصر عبدالكريم ابن جويعد ومحمد بن يحيان وغيرهما رحمهم الله تعالى، وكل واحد تكمل روايته رواية الآخر.. قال السكيني:

بكت عيني وقلت ابكي وهلِّي

على فرقا وزين الروح هلي

غزيرَ الدمعِ فوق الوجنتينِ

ولو يحفي نظيري جايز لي(2)

وهي ما تبكي الا من بكاها

ولا تلام لام الله عْذَاً لي(3)

يلوم العين ليته ما عَذَلْها

يِخلِّيها تهلّْ وتستهلِّ

على اللي صدَّ منه اليه ليته

يخبر هو جفا ولا تَغَلِّي(4)

انا ما جاه مني ما يغيظه

على طول السنين اللي مِضَنْ لي

الا يا واعجايبْ من سواته

ما اشوف اليوم خلي مثل خلي(5)

وهو لا من بغى شيٍّ حصل له

ونا لامن بغيته ما حصل لي

يقول أخاف يا صالح واداري

هَلِي والناسِ كلٍّ فاطنِ لي

وهو يوم البخت والحظ قايم

يجيني ما يهاب ولا يذلِّ

وِلا منِّهْ تباطَى جيِّتي له

على الرجلين جاني عانيٍ لي

والى غبنا نهارِ والتقينا

ضحك بالسوق واقبل لي يهلِّي

اخذنا بالهوى والغَيِّ سجَّةْ

انا واياه يومه صافيٍ لي

سقى الله بالحيا هاك الليالي

ليالٍ من شفاه اشْـرَبْ وَعَلِّ

فلاكنْ صاحبي تاليْ تنكَّرْ

غوى واغواه من صده عسى اللي

سعى بفراق خلٍّ مع خليله

بوسط النار يجعل له محلِّ

وبالدنيا فقيرٍ اصمِّ وابكمْ

كفيفٍ لا بغى بيتهْ يْدَلِّ

وتَقْلِبْ صورته يا رب خَلَّهْ

كما الخنزير وَصْفِهْ بالتحلي

وتخسف به وداره يا مجيبي

تجيب دعا مسلمٍ لك مصلِّي

وحقٍّ آتهضم من سواته

ما اشوف اليوم خل مثل خلي

والقصيدة جميلة بالذوق القروي؛ وبها تفرق بين الشعر القروي وشعراء البادية غير (الْقَعَدِية) الذين سكنوا القرى وبقوا بها كابن حصيص.. ومن الحضر مَن أكثر شعره بدوي لكثرة مداخلية وجهاءهم.

سَفْسَطةِ الاستدلال العددي:

قال الإمام أبو محمد ابن حزم رحمه الله تعالى في أحد براهينه العلمية: «مبتدئُ العالم واحد، أم أكثر من واحد ؟.. ومعرفة حقيقة هذا يقرب جداً؛ وذلك أنه لولا الواحد لم يوجد عدد ولا معدود؛ ففتَّشنا العالم كله: هل نجد فيه واحداً؛ فلم نجده أصلاً؛ لأن كل ما في العالم ينقسم أبداً؛ فهو كثير لا واحد؛ فإذن لا بد من واحد في العالم؛ فالواحِدُ هو غير العالَم.. وليس غير العالَم إلا مبتدئُ العالمِ؛ فهو الواحد الذي لا يتكثر.. لا واحد سواه»(6).

قال أبو عبدالرحمن: مثل هذا الاستدلال وَلَّد لأبي محمد شُبَهاً قرمطية في أسماء الله سبحانه وصفاته؛ فألغى معاني الصفات، وجعلها مترادفة للدلالة على الاسمية فحسب؛ ليفرَّ من خيالات التركيب والانقسام.. واستدلال أبي محمد قابل للتعديل بملاحظة أن الواحدية نسبيَّة، والمطلوب منها واحدية الكمال قدرة وعلماً وحكمة وهيمنة وإرادة.. إلخ.. إنها واحدية الكمال وحسب، وعليها يقوم برهان التمانع العتيد، والبراهين العلمية من الأنفس والآفاق.. وأبو محمد غير قادر على تفتيش العالَم، وانقسامُ واحدٍ من المخلوقات إلى أجزاء لا ينفي واحدية هويته.. واستدلال أبي محمد رحمه الله تعالى غير معقول التصوُّر؛ فهناك واحد في حرفةٍ مُعَيَّنة، في وقت معيَّن، في مكان معين، بِقُوىً ومهارةٍ معينتين.. وهذا لا يقتضي بالضرورة وجود ثانٍ وثالث في الأمور المذكورة (أحوالاً، وزماناً، ومكاناً)، كما أن العدد صورة ذهنية لِـما تحصيه عدّْاً بأصابعك أو بقانون رياضي، ولا يتصوَّر الذهن -بعد الصِّفر الذي لا يعني شيئاً- إلا الابتداءُ بما اصطُلِح عليه بالواحد الذي هو أول العدد؛ فحصولي على ريال واحد لا يقتضي وجودَ ريالات كثيرة عندي؛ وإنما اقتضى ذلك المشاهدةُ الحسية على وجود أكثر من ريال عند غيري، وبالاصطلاح بالأعداد لغة؛ لِيُدْرج فيها كل ماكان من شأن العادِّ أن يحصيه بالعدد مما يجده من الأشياء.. وأبو محمد خلط بين الانقسام بالأعداد وبين الأجزاء المُفْردة المُقطعة من المعدود.. ووجود ريالات كثيرة هو وجود لواحد وأكثر، وليس في هذا الواقع دلالة على أنه لولا الواحد لم يوجد عدد ولا معدود، بل ما يقبل العَدَّ موجود وإن لم يوجد من يحسن إحصاءه بالعدد، والحق أنه لولا ربنا الواحد سبحانه الذي لا يوجد غيره بصفات الكمال المطلق: لم يوجد شيئ قابلٌ العدَّ ألبتة.

المجاز بتصوُّرٍ غيرِ مطابقٍ الواقع:

مَن يعدُّ المجاز طاغوتاً جاء حُكْمُه نتيجة تصوُّرٍ خاطئ.. قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى «في مقدمةِ تأصيلِه: «فمنهم من يقول: (الحقيقة هي اللفظ المستعمل فيما وضع له أولاً)، ومنهم من يقول: (الحقيقة هي المعنى الذي وضع له اللفظ أولاً، والمجاز استعمالٌ فيما وضع له ثانياً)؛ فههنا ثلاثة أمور: لفظ، ومعنى، واستعمال؛ فمنهم من جعل مورد التقسيم هو الأول، ومنهم من جعله الثاني، ومنهم من جعله الثالث.. والقائلون: (حقيقة اللفظ كذا، ومجازه كذا) يجعلون الحقيقة والمجاز من عوارض المعاني؛ فإنهم إذا قالوا مثلاً: (حقيقة الأسد هو الحيوان الشجاع) جعلوا الحقيقة والمجاز للمعنى لا للألفاظ؛ وإذا قالوا: (هذا الاستعمال حقيقة وهذا الاستعمال مجاز) جعلوا ذلك من توابع الاستعمال، وإذا قالوا: (هذا اللفظ حقيقة في كذا، ومجاز في كذا) جعلوا ذلك من عوارض الألفاظ، وكثير منهم يوجد في كلامه هذا وهذا وهذا»(7).

قال أبو عبدالرحمن: ههنا وقفات:

الوقفة الأولى: أن الاستعمال ليس قسماً ثالثاً، وليس هناك جهة قسمة تجعله الثالث بعد اللفظ والمعنى؛ وإنما اللفظ والمعنى موضوعان للاستعمال.

والوقفة الثانية: أن المعنى واللفظ ليسا قسمين في محل النزاع الذي هو إثبات المجاز أو نفيه، بل هما معاً موضوعان للتقسيم؛ إذ التقسيم إلى حقيقة ومجاز من جهة معاني اللفظ الواحد أو الكلام المُرَكَّبِ؛ فالحقيقة تعني دلالة اللفظ على معناه، والمجاز يعني علاقة المعنى في الاستعمال الحادث له بالمعنى الحقيقي الأوَّلي الوضعي الأصلي الجامع الذي هو دلالة على معناه قبل الاستعمال الحادث(8).

والوقفة الثالثة: أن المراد بالاستعمال معنى اللفظ المستعمل؛ فالإشارة والمشار إليه في قولهم: (هذا الاستعمال) عائد لمعنى اللفظ؛ لأن المعنى بلفظه الدال عليه هو المستعمل.. أي موضوع الاستعمال؛ فالتمسك بهذه التقسيمات - مما هو نزاع لفظي - مع معرفة وجه الدلالة مغالطة غير مقصودة إن شاء الله.

والوقفة الرابعة: أنهم لمَّا أشاروا إلى اللفظ،ثم قالوا عنه: (حقيقة في كذا، ومجاز في كذا) عُلم أن الإحالة إلى المظروف، وهو المعنى المدلول عليه بالظرف (في كذا).. ولا يُتصوَّر الحكم بالحقيقة أو المجاز لِلَّفظ وحده، بل المجاز والحقيقة للمعنى المدلول عليه باللفظ، والمراد أن الحقيقة والمجاز للمعنى؛ لأن المعنى غير مُتَصَوَّر إلا بلفظ.. بخلاف اللفظ فإنه متصور بغير معنى في الكلمات المهملة التي لا معنى لها مثل (ديز) بالدال المهملة والياء المثناة من تحت والزاي، وقد يوجد للمهمل فيما بعد معنى يستجدُّ برمز أو تسمية أو حكاية صوت، والتسمية قد تكون ارتجالاً بلا معنى سابق من غير ذي علم بالعربية.. المهم أن الحقيقة والمجاز ليسا من توابع الاستعمال، ولكنهما موضوعان للاستعمال، والحقيقة والمجاز ليسا من عوارض الألفاظ كما أسلفت، بل هما من عوارض المعاني بعد استقرار المعنى الحقيقي الذي يدل عليه اللفظ دلالة مطابقة كلية.

والوقفة الخامسة: دعوى (أن اللفظ هو الحقيقة، والمجاز هو الاستعمال) دعوى ما هو محال لم يقل به أحد؛ فالحقيقة والمجاز في المعاني، واللفظ دالٌّ عليهما، وهما موضوعا الاستعمال.. ولو قال بذلك أحد لكان الواجب ردُّ تعريفه لا ردُّ ثنائية المجاز والحقيقة المتواترة التي يُعَدُّ مخالفها شاذاً عن أهل الخبرة وعن البرهان بلا خبرة ولا برهان.. ثم إن المنصف يذكر ما عليه الجمهور، ولا يتمسَّك بعبارة واحدٍ أخطأ في التعريف على فرض أن أحداً قال بذلك الخطإ.

والوقفة السادسة: أن المجاز معنى وضعي لاحقٌ لم يقل به أحد، بل الأمركما أسلفته في الوقفة السابقة بتمامها، والمغالطة بهذا التقسيم المفترض أو الواقع من بعضهم عن جهل إنما هو شغب.. ويجب النص على من قال بذلك:

ونصَّ الحديث إلى أهْلِهِ

فإن الأمانة في نصِّهِ

والوقفة السابعة: دعوى (أن اللفظ قسمان معنى واستعمال) دعوى لم يقل بها أحد من ذوي الاختصاص، ولا أعلم أحداً قال بها من غير ذوي الاختصاص؛ وذلك تقسيم غير مُتصوَّر، بل اللفظ دال على الحقيقة والمجاز، والاستعمال موضوعهما.

والوقفة الثامنة: دعوى (أن المعنى قسمان لفظ واستعمال) تقسيم غير مُتَصوَّر، ولم يقل به أحد.

والوقفة التاسعة: أن القول بأن الاستعمال لفظ ومعنى هو الحق، وهو قول العلماء المفكرين ذوي الاختصاص، وهو قول الجمهور، وهو الذي لا يُعقل غيره في التصور؛ لأن الاستعمال للفظ بمعناه، ولكن هذا التقسيم الصحيح ليس هو محل النزاع؛ وإنما الصحيح القسمةُ في محل النزاع، وهي أن اللفظ المستعمل بمعناه قسمان: حقيقة ومجاز.. وهذا صحيح فيما استعمله الناس من كلام العرب.

والوقفة العاشرة: أصاب وفلج ووُفِّق جمهورُ العلماء المفكِّرين النحارير بكلام تبهر أنواره، وهو أن المجاز من عوارض المعاني؛ لأن المعنى الحقيقي انتهى بدلالة اللفظ عليه دلالة مطابقة؛ فلا يتجدَّد، والمجاز عارض للمعاني يتجدَّد فيها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ونموُّ اللغة سُنَّة كونية من تدبير ربنا سبحانه وتعالى.

ابن خلدون وعين الوجود:

شذَّ الإمام الفحل ابن خلدون رحمه الله تعالى؛ فقال: «الوجود عين الموجود»(9).

قال أبو عبدالرحمن: المخلوق موجود وهو عنده عين الوجود، والخالق موجود وهو عنده عين الوجود؛ إذن اشترك الخالقُ والمخلوق في أنهما عين الوجود تعالى الله عن ذلك، وهذا يُسَهِّل الأمر على فسقة أهل الحلول والاتحاد الذين قالوا (لا خالق، ولا مخلوق)، بل المخلوق من تجليات الخالق.. والمحقق أن (الوجود) وصف معروف الصفة، متعدِّد الصفات.. والوصف إذا تحقق فهو عين الصِّفة التي اتَّصف بها الموصوف؛ فيكون هو العين الحاملةُ تلك الصفة والمراد معنى الوصف.. وصفة الوجود أنواع للموجود؛ فمنها موصوف ذو بداية ونهاية، ومنها ما يحاط به مكاناً وإدراكاً، ومنها ما صفات الوجود فيه معدومة أو ذات نقص كموجود لا يحيط بالكون، وموجود محدود الإدراك في البصر، وموجود ضعيف البصر لما هو تحت إدراك بني جنسه.. ولا وجود بصفة الكمال المطلق اللانهائي [الذي لا يقبل إضافة] إلا الله وحده.

فواصل في مأزق الربيع العربي:

قال لويس التاسع ملك فرنسا الذي أُسِرَ في دار ابن لقمان بالمنصورة في وثيقة محفوظة في دار الوثائق القومية في باريس: إنه لا يمكن الانتصار على المسلمين من خلال حرب؛ وإنما يمكن الانتصار عليهم بواسطة السياسة باتباع ما يلي:

1 - إشاعة الفرقة بين قادة المسلمين، وإذا حدثت فليعمل على توسيع شقتها ما أمكن حتى يكون هذا الخلاف عاملاً في إضعاف المسلمين.

2 - عدم تمكين البلاد الإسلامية والعربية أن يقوم فيها حكم صالح.

3 - إفساد أنظمة الحكم في البلاد الإسلامية بالرشوة والفساد والنساء؛ حتى تنفصل القاعدة عن القمة.

4 - العمل على الحيلولة دون قيام وحدة عربية في المنطقة.

5 - العمل على قيام دولة غربية في المنطقة العربية تمتد ما بين غزة جنوباً وأنطاكية شمالاً، ثم تتجه شرقاً، وتمتد حتى تصل إلى الغرب(9)، والله المستعان، وإلى لقاء عاجل إن شاء الله، وعليه الاتِّكال.

****

الحواشي:

(1) قال أبو عبدالرحمن: المُهَسَّسُ جمع مهسوس وهو المُوِسْوِس.. والهساهس في الفصحى الوساوس، والأصل فيه أن الهسهسة عامة في كل ماله صوت خفي، ومن ذلك هساِهس الجن بمعنى عزيفها.

(2) جايز لي: مناسب لي وأكون راضياً به.

(3) عذَاً لي عذال، وهذه الصيغة بمعنى ذوي عذل.

(4) منه إليه بمعنى يفعله بنفسه وبباعثِ من نفسه دون مؤثر من خارج.. أي بحريته.

(5) يعني ليس محبوبي كما عهدته؛ فقد تنكرَّ بالجفاء.

(6) التوقيف على شارع النجاة ضمن رسائل ابن حزم 3/136 - 137.

(7) مختصر الصواعق المرسلة ص231/ نشر عباس الباز بمكة المكرمة / دار الكتب العلمية ببيروت/ طبعتهم الأولى عام 1405هـ.. قال أبو عبدالرحمن: بينت الـمُحال من التقسيمات التي ذكرها، ولم يقل بها أحد ألبتة؛ فيا ليته ذكر من قال بتلك التقسيمات المحالة؛ ليكون استعمال المحال محققاً في كلام بعض العلماء.

(8) لباب المحصَّل ص25.

(9) قادة الغرب يقولون ص43 - 44 عن العدد 2106 آخر ساعة، 5 آذار 1975م من خطبة أميرالحاج المصري لعام 1975م الوزير أحمد كمال وزير الري المصري.

 

ابتسامات ثقافية وفكرية
السُّكَينيُّ ولاميَّته (الجزء الثالث)
ابو عبد الرحمن بن عقيل الظاهرى

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة