ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Sunday 27/05/2012/2012 Issue 14486 14486 الأحد 06 رجب 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

العالم لا يصغي إلا للقوة والدول لا تستطيع تحقيق أهدافها وتحويلها إلى واقع مادي إلا بالقوة.. وهي أداة رئيسية من أدوات السياسة والعلاقات الدولية ويدخل في حسابات موازين القوة اقتصاد الدولة والموقع الجغرافي والموارد الطبيعية والمساحة والسكان والقوة العسكرية.. إلخ.

فعامل القوة حساباته دقيقة في عالم جديد يسيطر عليه قطب واحد يملك أكبر قوة اقتصادية وعسكرية عرفها التاريخ الإنساني خلق من الاقتصاد أساساً في القوة في جميع مناحيها وقد تستثمر قوة الاقتصاد لتكون سبباً في انهيار اقتصاديات دول أخرى أو حتى قوتها العسكرية، كما حدث في الاتحاد السوفييتي السابق، وكما حصل في أواخر التسعينيات في شرق آسيا أو النمور السبع وما نشاهده اليوم في اهتزاز الاقتصادات الدولية بعد الإعصار الاقتصادي عام 2008 الذي هب على الاقتصاد الأمريكي وانتقلت شرارته سريعا إلى دول العالم، وها هي دول قوية مثل اليونان ترزح تحت وطأة الإفلاس.

والحرب في العالم الذي نعيشه اليوم تعتمد على (قوة) الإلكترونيات والتكنولوجيا والرياضيات المتطورة التي بإمكانها أن تحسم المعارك قبل أن تبدأ، ويتحدث العالم اليوم بعد حرب النجوم التي روج لها الرئيس الأمريكي السابق ريجن، عن المظلة الإلكترونية والنمل الجاسوس والحائط الخفي في ميدان العلوم العسكرية المليء بالمفاجآت المذهلة.

ولا توجد سياسة وعلاقات دولية لا تحتوي بين طياتها على القوة و(القوة) على رغم أنها قد تستخدم في قهر الآخرين والبطش بهم، إلا أنها شرط ضروري من شروط الوجود، فهي عنصر أساسي لتحافظ الدولة على نفسها وسيادتها، كما أنها الوسيلة الوحيدة التي تمكنها من تحقيق أهدافها، فإذا افتقرت إلى القوة جار عليها الأقوياء وداسوا على مبادئها وأهدافها وفقدت استقلالها وكرامتها بل وهيبتها.

والقوة شديدة الارتباط بالتقدم العلمي والتطور التكنولوجي، كما أن العلم أصبح في عصرنا هذا من الناحية العسكرية أهم من الجنود وكثرة الآليات والمعدات الحربية، وبالتقدم العلمي تستطيع دولة أن تقهر دولة أخرى أقل تطورا علميا وتهزمها من دون أن تجيش الجيوش أو تحرك الجنود في ظل معايشة العالم للتطور العسكري الهائل، فالحرب في عصرنا هذا تعتمد على الإلكترونيات والتكنولوجيا والرياضيات المتطورة والمعقدة التي يمكنها أن تحسم المعارك في ساعات معدودة.

هذا يؤكد أن القوة في الألفية الثالثة لا تكمن فقط في المكانة الاقتصادية والقوة العسكرية التقليدية ولكن في المعرفة Knowledge فالقوة العسكرية ترتبط بشكل وثيق بالقدرة التكنولوجية التي أصبحت أهم المعايير التي تقاس بها (القوة) وكان تشرشل على حق عندما توقع بأن تكون (إمبراطوريات القوة هي تلك الإمبراطوريات المعتمدة على الفكر).

ما حفزني على كتابة هذا المقال عن سحر (القوة) المعتمدة على (العلم) الصراع بين باكستان الشقيقة والهند الصديقة على امتلاك ناصية القوة، الهند انضمت إلى النادي النووي وباكستان احتضنها نفس النادي في أواخر التسعينيات من ذلك القرن عندما ردت على تفجيرات الهند النووية في تلك الفترة من التاريخ 1998، ففي الحادي عشر من مايو 1998 افتتحت الهند فرد عضلات القوة بخمسة تفجيرات نووية، وأعلن رئيس وزرائها آنذاك في كبرياء نجاح بلاده في دخولها النادي النووي وفي لهجة قوة واستعلاء واستكبار وجه تحذيرات مباشرة لباكستان التي خاضت معها ثلاث حروب اثنتين منها على كشمير المتنازع عليها.

كانت باكستان على الجانب الآخر ترقب المواقف بحذر (القوة) القوة التي تردع (القوة)، ولم تلتقط الهند أنفاسها ولم تنته أفراحها وأهازيجها، ووسط غمرة البهو والعلو والكبرياء الهندي ردت باكستان بخمسة تفجيرات وأكملت عقدها بالتفجير السادس، خمسة تفجيرات هندية.. قوبلت بستة تفجيرات باكستانية، هذه القوة.. وأي قوة.. وأعلن رئيس وزراء باكستان تفجيرات بلاده بفخر وكبرياء واعتزاز وصفق له الشارع الباكستاني وانقطعت مسيرة أفراح الهند!!

واستمر صراع القوة بين الدولتين الجارتين ففي شهر أبريل الماضي أعلنت الهند نجاح تجربتها لصاروخ بعيد المدى يتمتع بقدرات نووية قادر على ضرب أهداف على الأرض الصينية، ولم تهنأ الهند في إعلانها ذلك وأفراحها بنجاح التجربة الهامة في تاريخ الاستراتيجية العسكرية الهندية حتى ردت باكستان بإعلانها نجاح تجربتها لإطلاق صاروخ بالستي قصير المدى قادر على حمل رؤوس نووية تقليدية، ليعلن الجيش الباكستاني قوته الضاربة، وصفق الشارع الباكستاني لنجاح دولته بسكانها 160 مليون نسمة في بناء (القوة) المقابلة لقوة الهند بسكانها الذي تجاوز بليون إنسان.

القوة هي التي جعلت الهند اليوم تنزل إلى طلب مفاوضات حل صراعها مع باكستان حول كشمير بالسلم لا بالحرب، بل وترفض تدخل طرف ثالث، نحن في عالم لا احترام فيه للضعفاء ويخضع للأقوياء بعيدا عن السلم والعدل والحق الذي تنادي بها الأمم المتحدة ووثقته في ميثاقها.

وحقيقة الأمر أن باكستان والهند انضمتا إلى النادي الدولي وعملا كل ما في وسعهما لدعم أمنهما واستقرارهما بل وتحقيق طموحاتهما وهذا (قوة)، فباكستان حققت التوازن الإستراتيجي عن طريق القوة وأصبح نشوب حرب نووية بين الدولتين مستبعدا إلى حد كبير.. كما أصبح تهديد الهند باحتلال الجزء الذي تشرف عليه وتديره باكستان من كشمير في عداد الماضي.

وإذا كانت مشكلة الصراع الباكستاني - الهندي قد مهدت لحله القوة فإن على العرب التسلح بالقوة لمواجهة التهديدات التي تواجه العرب والمسلمين وأكبر مثل لها إسرائيل التي بدأت سلسلة صراعاتها مع العرب منذ عام 1948 وما زالت تعربد وتصول وتجول، فبعد احتلالها لفلسطين شنت حرب 1956 ثم حرب 1967 وتبع ذلك حرب 1973 ثم حروبها على لبنان 1982، 1996، 2006، ومحرقة غزة 2008، والمخطط الرهيب مستمر ونتنياهو مع إطلالة كل يوم يزداد تعنتا وتشنجا وصراع السلام أو محادثات السلام يتلاعب ويماطل بها.

وإذا كان هذا هو حال العرب مع إسرائيل منذ تأسيس هذا الكيان العنصري على أرضهم الذي خرج من رحم وعد بلفور (اللعين)، فإن حال أمتنا العربية مع إيران الشاه ثم إيران الخميني وحتى اليوم لا يختلف وضعه عن صراع العرب مع الدولة العبرية، فإيران في عهد الشاه الذي كان رجل أمريكا الأول (شرطي) الخليج وفي عهد الشاه احتلت جزر الإمارات العربية طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة أبو موسى وترفض فترة عهد الخميني رفضاً قاطعاً المفاوضات المباشرة مع الإمارات لاستعادة الجزر كما ترفض اللجوء إلى التحكيم الدولي ناهيك عدم تلبيتها لنداءات مجلس التعاون الخليجي وجامعتنا العربية الداعية لإيران لحل مشكلة الجزر بالطرق السلمية طبقا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والشرعية الدولية.

وهاهي إيران الطامحة لامتلاك القوة النووية تغازل المجتمع الدولي وتهدد بإغلاق مضيق هرمز رئة العالم النفطية إذا ما دخلت حربا مع الولايات المتحدة وإسرائيل والناتو عموما، ولم تفعل أمريكا والاتحاد الأوربي سوى إصدار قرارات تتعلق بتطبيق بعض العقوبات الاقتصادية على طهران والتي ستمضي في برنامجها النووي قدماً خاصة بعد فشل الدول الست الكبرى التي اجتمعت أواخر الأسبوع الماضي في بغداد لإقناعها بقبول مقترحات الدول الكبرى حول برنامجها النووي، وستستمر بتهديداتها للأمن القومي الخليجي والعربي عموما، لتصبح دولنا العربية المجاورة لإيران وإسرائيل بين مطرقة القوة الإسرائيلية وسندان القوة الفارسية، التي لها اليوم القدح المعلى في إيران الذي قدمته لها صديقتنا (ماما أمريكا) على طبق من ذهب.

وما تمارسه الدولة العبرية من مماطلات وتلاعب فيما يخص عملية السلام، والترفع الذي تفاوض به، ولهجة الاستعلاء التي تتحدث بها، كل ذلك يعكس شعور إسرائيل بالقوة، وامتلاكها عنصر التفوق من خلال هذه القوة وقدراتها على فرض شروطها على العالم العربي.

وهكذا فإن العالم العربي لا يفيق من ضربة من ضربات الدولة العبرية حتى يتلقى ضربة غيرها، وإذا كان يقال إن التجربة معلم قاس يثربك ثم يعطيك الدرس، فالواضح أن العالم العربي لم يتعلم حتى بعد أن أخذ ما يكفي من الضربات، ولم يفهم ما تريد أن تقوله التجربة وهو أنكم لن تنالوا حقا من دون أن تمتلكوا القوة.

dreidaljhani@hotmail.com
رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية
 

القوة تردع القوة..!!
د.عيد بن مسعود الجهني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة