ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Sunday 27/05/2012/2012 Issue 14486 14486 الأحد 06 رجب 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

من أهم الكتب التي قرأتها على الإطلاق كتاب بعنوان «الغوريلا الخفي» للكاتب كريس شابري بالتعاون مع دانيل سايمونز، كلاهما أستاذ في علم النفس في الجامعة. الهدف من الكتاب توضيح وإثبات النقص العظيم الذي يعتري العقل البشري حتى في أشياء نظنها مضمونة، كالذاكرة والإبصار وغيرهما من المهام العقلية، واعتمدَ الكاتب على مزيج من الدراسات السابقة وتجارب حديثة أجراها بنفسه، وأظهر الكتاب أن العقل البشري قاصر لدرجة مذهلة لا يكاد يتخيلها الإنسان، ولتوضيح الفكرة صَنَع الأستاذ تجربة بسيطة لكن نتائجها مدهشة، فسجَّل مقطعاً مرئياً قصيراً عبارة عن مجموعة صغيرة من الناس بعضهم في لباس أبيض، وكان معهم عدة كرات، فكان ذوو اللباس الأبيض يناولون بعضهم تلك الكرات باليد، والفريق الآخر يصنع نفس الشيء، كلاهما مختلطان. أخذ الأستاذ بعض المتطوعين وأخبرهم أنه سيريهم مقطعاً وأن عليهم أن يحسبوا المرات التي قام أهل الفريق الأبيض بمناولة الكرة فيما بينهم، ثم يشغّل المقطع ويتابع الشخص باهتمام وهو يحسب عدد المناولات، حتى إذا مضت 30 ثانية انتهى المقطع، وسأل الأستاذُ المتطوعَ عن عدد المرات التي انتقلت فيها الكرة بين أيدي أصحاب الملابس البيضاء، فيجيب المتطوع «كذا مرة»، حينها يسأل الأستاذ هذا الشخص: «هل رأيتَ شيئاً غريباً في المقطع؟»، فيرد المتطوعون عادة بالنفي، حينها يسألهم الأستاذ أن يعصروا ذاكراتهم ويحاولوا ، فيجتهدون أن يتذكروا فلا يتذكرون أيّ شيء غريب، بعدها يأتي السؤال الكبير: «ماذا عن الغوريلا؟»، حينها يسألون بدهشة «الـ...ماذا؟».

ماذا قَصَدَ الأستاذ بذلك السؤال؟.. شيء بسيط: في الفيديو، وأثناء مناولة الناس بعضهم تلك الكرات، أتى غوريلا من يمين الشاشة، ثم وقف في منتصف المكان والتفت نحو الكاميرا وضرب صدره بيديه ثم أكمل مشيه حتى خرج من يسار الشاشة، ومع ذلك غفل عنه الكثير من المشاهدين! هذا الشيء المدهش الذي يسعى الكتاب لتوضيحه، فالغوريلا واضح (كان شخصاً يلبس زيّ غوريلا تنكّري)، ورغم هذا فإن الناس انشغلوا بالعد وغفلوا تماماً عن شيء أمام أعينهم بشكلٍ بالغ الوضوح. لقد وقعوا ضحية لشيء شائع بين الناس وهو ما يُسمى «وهم الانتباه»، فالبشر يظنون أنهم ينتبهون للأشياء الواضحة التي تَمثُل أمام أعينهم، ولكن الحقيقة أن الواقع والبرهان يُثبتان عكس هذا، خاصة إذا كان الشخص مُركِّزاً على شيء آخر. المقطع موجود على الإنترنت، وقد شاهدتُه لأعرف ما يتكلم عنه الأستاذ فأدهشني ما رأيت، فقد استغرق دخول الغوريلا إلى خروجه 9 ثوانٍ كاملة، ومشيه بطيء، وقال الأستاذ إن النتيجة كانت دائماً واحدة: نصف المشاهدين ينتبهون للغوريلا والنصف الآخر يغفل عنه. أردت تجربة الأمر بنفسي، فطلبت من شخص أعرفه مشاهدة المقطع وأن يركز فقط على لابسي الأبيض وأن يعد الكرات التي يتقاذفونها بينهم، فلما انتهى المقطع وسألته عن عدد المناولات قال «ستة عشر»، وعندما سألته عما إذا كان رأى أي شيء خارجاً عن المألوف قال لا، ولما أريته الغوريلا الذي فاته اتسعت عيناه وسقط فكه مشدوهاً! ظل يستغرب ويقول «كيف فاتني هذا!»، وكررت التجربة حتى صار العدد الإجمالي اثني عشر شخصاً، سبعة منهم غفلوا عنها تماماً وفوجئوا لما أريتهم الغوريلا لاحقاً، والخمسة الآخرون انتبهوا لها، ولكن اثنين منهم لم يستطيعا أن يتذكرا إلا بصعوبة بالغة!

المسألة لا علاقة لها بالذكاء. حتى الذين ينتبهون للتفاصيل وأصحاب البديهة السريعة والعقول الحادة دائماً يغفلون عن مثل هذا، ومن المعروف أن النساء عادةً أفضل من الرجال في الانتباه للتفاصيل والدقائق وحتى هن جرى عليهن نفس الأمر، ففي تجربة الأستاذ وجد أن نصفهن غفل عن الغوريلا والنصف الآخر انتبه. والتجربة الأصلية كانت في جامعة هارفارد المرموقة، وكُرِّرَت التجربة في أماكن كثيرة أخرى تتفاوت فيها درجات الذكاء ورغم هذا ظلت النتيجة ثابتة: النصف ينتبه والنصف يغفل. هذا العمى اللاشعوري ليس بالضرورة سيئاً، بل هو وسيلة هامة تنفعنا في التركيز على ما نود عمله، فلو أنك لم تستطع تركيز انتباهك على اللاعبين في تلك التجربة لصعب عليك العد، وهو ما كنت ترغبه أصلاً.

سنكمل عن وهم الانتباه في الموضوع المقبل، وسنتأمل في مواضيع مقبلة إن شاء الله أوهام أخرى يناقشها الكتاب.

 

الحديقة
«الغوريلا الخفي».. الجزء الأول
إبراهيم عبد الله العمار

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة