ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Tuesday 29/05/2012/2012 Issue 14488 14488 الثلاثاء 08 رجب 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

من المسلمات غياب الإبداع الأدبي في المملكة العربية السعودية عن المشهد الأدبي في الوطن العربي. وهو غياب نسبي, أحس به الأديب السعودي في وقت مبكر, وامتعض منه,

ولقد يكون من المسلمات -أيضاً- حضور الآداب العربية كافة في مشهدنا المحلي, واندياح هذا الحضور بشكل ملفت للنظر, وبخاصة [الأدب المصري] حتى إن إلمام الأديب السعودي بهذا الأدب يفوق إلمامه بأدب بلاده, الأمر الذي حفز بعض الجامعات المحلية على تدريس [الأدب السعودي] وتغليبِه على كافة الآداب العربية, وإنشاءِ مادة خاصة به, وتجنيدِ المتخصصين فيه لتدريسه, وتحريضِ طلاب الدراسات العليا على اتخاذه موضوعاً لرسائلهم. هذا الشعور المبكر حمل طائفة من رواد الأدب السعودي على توصيله عبر عدة قنوات، ولربما يكون الأستاذ [عبدالله عبدالجبار] رحمه الله, رائداً في عملية التوصيل من خلال كتابه [التيارات الأدبية في قلب الجزيرة العربية] بجزئيه عن الشعر والنثر, ومن قبله كانت هناك محاولةٌ متواضعةٌ لـ[عبدالله بالخير وعبدالمقصود خوجه] في كتابهما [وحي الصحراء] الذي قدمه [محمد حسين هيكل], وبعد تلك الريادة, جاءت مبادرات متعددة, وتنوعت قنوات التواصل, بحيث قام المبدعون والدارسون بإهداء أعمالهم لعمالقة الأدب في مصر, وطلب تقديمها, ومن قبل تلك المحاولات جاءت الدراسة التاريخية لـ[طه حسين] عن [الحياة الأدبية في جزيرة العرب] رائدة للتواصل. وإذ بدأ التواصل في وقت مبكر, إلا أنه كان متواضعاً, ومتقطعاً, وغير كاف لإعطاء صورة كاملة عن تلك الحركة الأدبية. والتقصير في التواصل والتوصيل مسؤولية الأدباء, ودور النشر, وسائر المؤسسات الثقافية في البلاد, ولاسيما أن مشاهدنا ظلت متاحة لكل الأدباء العرب, وكانت مهمة الأديب السعودي مقتصرة على الاستقبال والاستهلاك, ولم يكن الإحساس بأهمية التفاعل والتبادل كافياً، هذه الأجواء تركت أدبنا ردحاً من الزمن خارج دائرة الضوء, على الرغم مما يتوفر عليه من إمكانيات المشاركة والتكافؤ. وإدراكنا لسلبيات ذلك الغياب ينداح عندما يتاح لنا حضور المؤتمرات والمهرجانات في الخارج, حتى إن النقاد العرب يفاجؤون بما يشاهدونه, ويستمعون إليه, ولا يترددون في توجيه اللوم عن هذا التقصير, إلى أنفسهم, وإلى من حولهم من المسؤولين, وظل حسيس التذمر يتسع, ليتحول إلى محاولات جادة من كل الأطراف, ولكنه تحول مشتت المسار, لا تحكمه منهجية, ولا توجهه [إستراتيجية], وإنما ظل يراوح بين الإقدام والإحجام.

ولو نظرنا إلى زمن العمالقة في مصر, ومدى احتفائهم بآداب الأمة العربية, لوجدناهم أكثرَ الناس عزوفاً عن أدبنا, وأكثرهمَ تصديراً لآدابهم الإقليمية. ولا عبرة لبعض الدراسات والمقدمات التي كتبوها على عجل لبعض الإبداعات الشعرية, التي طُلب منهم تقديمُها, ولقد يكون من الإنصاف الإشادة ببعض الأدباء الذين ابتعثوا للتدريس في بعض العواصم العربية, فكان أن عاشوا حضوراً فاعلاً, نجد ذلك عند “زكي مبارك” و”أحمد حسن الزيات” حين ابتعثا للتدريس في العراق, ولقد كان لمن دونهم إسهامات مشهودة في [المملكة العربية السعودية], ممن سنعرض لهم في ثنايا هذا الحديث؛ والعلاقات المبكرة والوطيدة التي أقامتها طلائع الشباب في المملكة مع عمالقة الأدب في مصر, لم يكن لها أدنى أثر, وإن كان اهتمام الأدباء السعوديين بمن تعالقوا معهم واضحاً. نجد ذلك عند “أحمد عبدالغفور عطار” مع “عباس محمود العقاد” فما كتبه “العطار” عن “العقاد” لم يكافأ بالنزر اليسير من “العقاد” لا عن “العطار” ولا عن الأدب السعودي. وهذا العزوف البين عوره, ترك استياء في الأوساط المحلية, وحفز طائفة من الأدباء إلى محاولة تصدير أنفسهم, فضلاً عن الهجرة المبكرة لبعض الأدباء السعوديين إلى مصر,ومشاركتهم المتميزة في الحركة الأدبية, نجد ذلك عند “عبدالله عبدالجبار” و”حمزة شحاتة” و”إبراهيم فلالي”, ومن بعد أولئك بزمن “سعد البواردي” و”حسن القرشي” وهذا التواصل الذاتي لم يحرك ساكناً, بل ظل العزوف الذي أقض مضاجع الأدباء والمبدعين السعوديين, وحملهم على التحرف الجاد لإسماع الصوت, وإثبات الوجود.

ولقد يكون من العدل الإشادةُ بدور “نادي جدة الثقافي” ورئيسه الأستاذ “عبدالفتاح أبي مدين” في تجسير الفجوة بين أدباء المملكة وأدباء الوطن العربي, وبخاصة في مصر والمغرب, إذ تبدت أواصر العلاقات الفاعلة عبر الملتقيات والمحاضرات والملفات والمجلات, ولست بهذه الإشادةُ أغمط الإسهامات المذكورة والمشكورة لقطاعات وأناسِيَّ, ولكن من حق المتميزين الإشادة بهم, بوصفهم مثلا يحتذى, لقد كان لـ[قراءة النص] التي يُستقطب لها لفيف من كبار النقاد في الوطن العربي, وتكون من بين القراءات قراءة لنصوص إبداعية محلية أثرها الفاعل. هذا فضلاً عن تجسير الفجوات بين الحركة الأدبية في المملكة وسائر الآداب العربية, التي كان أدبنا في معزل عنها، وتلك المبادرة إضافة فاعلة, ما كان لها أن تتحول إلى شكليات, لا تحمل وهج القراءات السالفة، ولربما تكون الأندية الأدبية ومختلف المؤسسات الثقافية مسؤولة عن مثل هذا التواصل, إذ لماّ يزل أدبنا يفتقر إلى التصدير, وأخذ حقه. فلقد كنا الأكثر حماساً في استقبال آداب الأمة العربية, وتسويقها, والأقل حماساً في المبادلة بالمثل, ولا سيما أن الأدب السعودي شب على الطوق, واستطاع أن يكون بمستوى الآداب العربية: كماً وكيفا. والتقصير في التصدير من نقص القادرين على التمام, إننا بلد غني, واستقبالنا للثقافة العربية عبر معارض الكتاب والمهرجانات والجامعات وسائر المؤسسات الثقافية لا يدانيه مستقبل آخر. وحقنا أن نتحرف لتوصيل أدبنا إلى المثقف العربي, الذي ربَّما يتخيلنا دولة نفط وثراء واسترخاء. وما نحققه من حضور وانتشار, لا يمنع من طلب المزيد. فالإمكانيات والأهلية والحق, كل ذلك متوفر, وأي تقصير في التصدير يكرس حرمان أدبنا من الحضور المشروع. وإذ أشرت إلى جهود [نادي جدة الثقافي], وتميزه في تكثيف التواصل مع أدباء الوطن العربي، فإن من حقي, وقد أحسست في وقت مبكر بأهمية تجسير الفجوات, وإبلاغ صوتنا لآفاق الوطن العربي, أثناء دراستي العليا في مصر, وأثناء قيامي برئاسة [نادي القصيم الأدبي] إذ ليس هناك ما يمنع من الإشارة إلى إسهامات النادي المتواضعة في هذا المجال, فقد طبع النادي سبعة كتب تمثل التواصل, هي:

1- دراسات أدبية ونقدية لمجموعة من الدارسين العرب.

2- سوق الأدب والنقد في القصيم.

د. دريد يحي الخواجه.

3- العناصر البيئية في الفن القصصي في المملكة العربية السعودية.

د. طلعت صبح السيد.

4- اللغة العربية والتعبير الاصطلاحي.

د. أحمد يوسف علي.

5- محمد هاشم رشيد: شعره وشاعريته.

د. مرزق محمد سيد أحمد داوود

6- الأدب السعودي بأقلام الدارسين العرب.

د. محمد عبد الرحمن الربيع وآخرين

7- ظاهرة الخلط في التراث النقدي وفهمه.

د. عبدالحكيم راضي

وكانت رسالتي للماجستير في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر عن الشعر السعودي.

وبعد مماطلات وممانعات، وجد النقاد والدارسون العرب ألاًّ مناص من تناول الإبداعات الأدبية في المملكة بالدراسة والنقد والتأريخ والمعجمة. غير أن هذا الفيض من الدراسات لم تتهيأ له فرصة الانتشار والوصول إلى يد القارئ العربي, وتلك من إشكاليات المشهد الأدبي, وعلى الرغم من تصدي الدولة لكافة المناشط, وتحملها لكافة النفقات, وإقامتها للمعارض الدولية, ومشاركتها المتميزة في مختلف المهرجانات, إلا أننا لما نزل نحس بأننا أقلُّ حضوراً, فالجهل بأدبنا ظاهرةٌ يتداولها الأدباء والنقاد عند كل لقاء, والدارسون العرب الذين فرغوا لدراسة الإبداعات الشعرية والسردية في المملكة بحاجة إلى مزيد من الدعم, لتسويق إنتاجهم في بقاع كثيرة من وطننا العربي، وما لم نجد أطرافاً من الإبداعات متداولة في مناهج التعليم, فإننا سنظل كما كنا من قبل, ذلك أن مدرِّسي مادة الأدب الحديث في المدارس والجامعات العربية, لا يمرون بشيء من الأدب ولا عنه, فيما يجدون آداب الدول العربية ماثلة أمامهم. والدارسون والنقاد العرب الذين حدتهم الرغبةُ والترغيبُ لتناول الإبداعات الأدبية خلَّفوا دراسات متعددة, تتباين في جديتها ومنهجيتها ومستوى نتائجها، ولسنا نشك أن شطراً من تلك الدراسات لم تكن جادة, ولا ذات منهجية, ولكنها قائمة ومندرجة ضمن تلك الظاهرة التي نحن بصدد استكناهها, على أن هذا النَّزْر من الدراسات, لم يُواجه كله بالترحيب, بل وُوْجه بعضه بردود أفعال, قد لا تكون مقبولة بجملتها, ولكنها تكشف عن بعض التقصير. والمتصدون لبعض هذه الدراسات, وصفوها بالمجاملة والتسطح والابتسار, وإن كان بعضها كذلك, فإن البعض الآخر يرقى إلى مستوى الجودة, وعلى كل الأحوال فإننا أمام ظاهرة نقدية لا يستهان بها، ولا يمكن أن نقلل من شأنها. والدارسون للأدب السعودي لم يكونوا سوا,غير أن المصداقية تقتضي التفريق: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} فإذا قصَّر أحد من الدارسين أو داهن فإن آخرين اتسمت دراستهم بالجودة والعمق, والأصالة والمنهجية, وليس من العدل ولا من الإنصاف الإطلاقُ والتعميمُ في الأحكام. واستعراضُ الدراسات على مستوى الرسائل الأكاديمية والكتب والدراسات والبحوث الأخرْى يؤكد أن ثمة إسهاماً متميزاً, بادر إليه عدد من الدارسين والنقاد, وأصبح في مجمله عملاً يستحق الإشادة.

يتبع...

 

اتجاهات النقاد العرب في دراسة الإبداع السعودي 1 / 2
د. حسن بن فهد الهويمل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة