ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Tuesday 29/05/2012/2012 Issue 14488 14488 الثلاثاء 08 رجب 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

بُعيد “انتحار” الاتحاد السوفياتي، خاطب أحد مستشاري غورباتشوف، في شماتة مُستفزة، الزعماء الأمريكيين، بالقول: “نحن نُسديكم هدية رهيبة. إننا نحرمكم من الأعداء”.

في رواية لرشيد ميموني، يقول الراوي، في حزن فاضح: “بعدما حُرمنا من الأعداء، أصبحنا على أتم الاستعداد لتوجيه أفواه بنادقنا، بعضنا ضد بعض”.

هل ثمة حالة لا إمكانية فيها حتى لتصوّر وجود “الآخر”، ولكن غير العدو؟ بلى.

يُمكن أن نجد هذه الحالة عند المجانين، والمتعصبين من راسخي الاعتقاد بأنهم، وحدهم، من “يمتلكون الحقيقة المطلقة”، فتتعدد وسائلهم لاستئصال الآخر، أي آخر، لغاية واحدة هي نفي وجوده.

أبرز المجانين، في الماضي، هو دون كيشوت، الذي وعى فقدانه لهويته، وسط عالم يُنكره، مُتسلحاً بقيم كتب بالية، ثم المُمتنع العاجز عن بلوغ أي سلطة، رغم حلمه اليقظ بمُنجزاتها، بسبب قراءته العالم بعيون هي بالية أيضاً كتلك الكتب البالية.

أبرز مجانين العصر هو النظام العلوي في سورية الذي يتعرّى بسحق البشر، لأنه المحكوم بإنتاج الفواجع، والغارق في عتمات الخرافات ووحول الإجرام والبغض والتعصب والانحراف والعمالة والخيانة والتبعية والاستباحة والدعارة، والفساد والإفساد، والمتقيء كل صنوف الإرهاب المزيّف منها والحقيقي، بحثاً مستميتاً عن “هويته”، التي لم يستطع “القبض” عليها حتى بدعم إيران وروسيا وحزب حسن نصر الله.

يُماثل تعرّي نظام بشار الأسد تعرّي كلّ من المصرية (علياء المهدي) والإيرانية (غولشيفيتا فاراهاني)، جسدياً، أيضاً في بحث عن الذات، بسبب شعورهما بفقدان الهوية، في نطاق موقف استثنائي متطرّف، لا أحد يؤيّده، حتى في الغرب الذي أخذ يزدري التعرّي، ويعتبره ضرباً من ضروب التسليع الإنساني للمرأة. يقول أدوارد سعيد، عن أكثر العلاقات تجسيداً للآخر، في العصر الراهن: “أزمة الهوية لا تظهر إلا في المجتمعات التي تدخل في ديناميكية الحداثة”.

“ الأزمة” هنا مفهومة على أنها مجرد بدء الجهد المُؤلم، أو المُفرح، في تحديد الذات. غير أنها لم تبدأ إلا بالحداثة، أو باكتشاف الغرب.

هي، إذن، وظيفة “هوَوَية”، عند طرفي الآخر: الغالب والمغلوب.

بيد أن الفارق يكمن في كون الغالب، الواثق من هويته، هو المُبادر والقادر على طرحها، جاعلاً من هذه الوظيفة، لدى المغلوب، “أزمة” تدوم، بدوام قصور وعيه بـ”هويته”، وبالتالي إصراره على إقصاء “الآخر”، أو نفي وجوده.

تحدث شوبنهاور كثيراً عن تلك “الحياة”، البلا هوية، التي ترتدي الأكفان.

Zuhdi.alfateh@gmail.com
 

في أزمة الهوية
زهدي الفاتح

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة