ارسل ملاحظاتك حول موقعنا   Friday 01/06/2012/2012 Issue 14491  14491 الجمعة 11 رجب 1433 العدد  

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

كتاب نزهة الألباب سبق تحقيقه ونشره، وكاد أن ينفد فقيض الله له أحد الأصدقاء الذي قام بإعادة تحقيقه وطبعه ونشره، وقد قرأته واستهوتني بعض القصص الواردة فيه، لكنني توقفت كثيرا عند عدد غير قليل من الحكايات والنصوص التي أوردها المؤلف لغرابتها وعدم توافقها مع المنطق كما هي الحال في قصة “يعقوب” عليه السلام وأخيه “عيصو” كما يدعي صاحب الكتاب، ونقاشهما وهما في بطن أمهما، حيث قال أحدهما للآخر افتح لي طريقا لأخرج قبلك، فقال الثاني لأن خرجت قبلي لأخرجن من خصرها بعد شق بطنها. فقال الأول: أخرج قبلي ولا تقتل أمي، فخرج الأول فسمته “عيصو” لأنه عصاها في بطنها. وخرج بعده الآخر فسمته يعقوب لأنه خرج عقب الأول. ونشأ “عيصو” على الفظاظة والغلظة، ونشأ يعقوب عليه السلام على الرحمة واللين. والقصة طويلة ليس هذا مقام إيرادها. والحقيقة أن الكتاب يحوي مثل هذه القصة الكثير، وجلها تدل على ماحدث ويحدث من أحاجي يسطرها المؤلفون في كتبهم فتصل إلينا لتعطي من أراد البحث زادا علميا يمكن التعرف من خلاله على ما تحمله ثقافة شعوب تلك الأزمان من أفكار قد لا تتفق مع واقع حال زماننا الذي يستند في معظم أحكامه على المنطق قولا وقد لا يكون عملا وتطبيقا.

ومن تلك القصص ما أورده صاحب الكتاب من أن الحاكم بأمر الله العبيدي الفاطمي الذي حكم مصر في العصر الفاطمي، كان يفرض على أهل مصر أمورا ثم يعدل عنها، ومن ذلك أنه أمر بقتل الكلاب ثم نهى عن ذلك، ومنع صلاة التراويح لعشر سنين ثم أباحها وبنى المدارس، وجعل فيها العلماء ثم قتلهم، كما أنه أمر بغلق الأسواق نهارا وفتحها ليلا ثم عدل عن ذلك.

ونقل صاحب الكتاب عن ابن كثير أن الحاكم بأمر الله نهى عن بيع الملوخية والجرجير وعلل ذلك بميل معاوية بن أبي سفيان إليهما، وأطلع على جماعة من أهل عصره أكلوا شيئا من الجرجير، فضربهم بالسياط وطاف بهم في القاهرة ثم ضرب رقابهم على باب زويلة المشهور في زمانه. ونهى عن بيع الرطب وجمع منه شيئا كثيرا واحرقه، ثم عاد عن ذلك، ونهى عن بيع العنب، ونهى عن بيع السمك الذي لا قشر له. وهو في كل ذلك يأمر ثم يعدل عن أمره بعد حين، فكان أمره غريبا عجيبا. ولو صح ما نسب إليه فقد كان في أمره هذا ما لم يسبقه فيه أحد، وإن كان قد سبقه غيره من غرائب الأحكام كما هي الحال في قصة السمؤال مع المنذر، حيث كان له يوم سعد ويوم شؤم من كل عام، وكان يقتل من قدم إليه يوم شؤمه. وقد قيل إن أحد حكام العرب الراحلين قد منع استيراد الثوم أو زراعته لأن رائحته كريهة، كما منع استيراد الشوكلاته لأن التمر يغني عنها، وهي منتج وطني في بلاده، بينما لا يوجد التمر في كثير من الدول، لكنه فيما يبدو عدل عن ذلك.

وهناك من يفعل فعلا مشابها لفعل الحاكم مع أسرته، كمن يحرمهم من زيارة الأهل والأصدقاء والأقارب إلا في النادر، أو ذلك الذي يبيح لنفسه السهر ليلا والخروج مع أصدقائه بينما لا يبيح ذلك لزوجته وبناته، وهناك من لا يتوقف عن الترحال، يتنقل بين البلدان ما شاء، بينما يضن على أهله بقضاء وقت جميل داخل البلاد أو خارجها. ومن الناس من يلبس أفخر الثياب ويركب أفضل السيارات ومع ذلك فلا يجيز لذويه الاستمتاع بما يمتع به نفسه، ومثل أولئك كثير.

في هذه الدنيا عجائب وغرائب ومقياسها ما يتوافق مع المنطق أو ما لا يتفق، والمنطق اتفاق إنساني على مبادئ تنطلق من العدل والحق والتسامح والتعاطف والصدق والوفاء وغيرها من مكارم الأخلاق، وهذه القيم جاءت بها الكتب السماوية وتوافق معها العقل البشري في الغالب، كما هي الحال في أفكار الحكماء مثل طاو، وكونفشيوس، وبودا وأرسطو، وأفلاطون، وغيرهم كثير. ليس من الحكمة أن تفرض على الناس ما نريد، لكن من الحكمة أن تكون منطقيا في طرحك حتى يكون مقبولا لدى الآخرين، ويمكن لمعظمهم قبوله، أما الإجماع على أمر بذاته فذلك صعب المنال، ولهذا فلابد له من رأي مخالف طالما أنه لا يؤدي إلى إيذاء الغير، ولا يتناقض مع القواعد العامة التي تلتزم بها كل مجموعة ذات ثقافة معينة.

 

نوازع
نزهة الألباب
د.محمد بن عبد الرحمن البشر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعة حفظ ارسل هذا الخبر لصديقك  

 
 
 
للاتصال بنا خدمات الجزيرة جريدتي الأرشيف جوال الجزيرة السوق المفتوح الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة