ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Sunday 03/06/2012/2012 Issue 14493 14493 الأحد 13 رجب 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

بعد ستة عشر شهراً من قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير (2011م) الشبابية، وبعد إنجازها الرائع في إسقاط رأس النظام السابق وحزبه ورموزه ورجالاته.. فاقتياد الكثيرين منهم إلى المحكمة لتأخذ العدالة مجراها فيهم..

أخذ “الزمام” يفلت من أيدي الثوار والثورة رويداً.. رويداً، وفي المقابل أخذ (المجلس العسكري الأعلى) يتقدم بثبات وهدوء.. ليحتل موقع الرئيس المخلوع، ويباشر صلاحياته الدستورية في اتخاذ كبرى القرارات السياسية المصيرية وأهمها.. بينما ظل ثوار “الميدان” يواصلون مليونياتهم بهدف (تعجيل) المجلس العسكري في اتخاذ القرارات التي قامت من أجلها الثورة (الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ومحاكمة قتلة الثوار ومطاردة لصوص النظام حتى يتم استرداد أموال مصر المنهوبة)، أو (تعديل) قراراته لصالح الثورة وأهدافها كلما انحرفت قرارات (المجلس) عن مسارها الثوري المأمول.. وهم يتأرجحون حقيقة مع بقية أبناء الشعب المصري بين “الحب” للمجلس العسكري وكراهته، أو على وجه الدقة بين: (الترحيب) المطلق بـ(المجلس العسكري) وقراراته.. من منطلق إيمانهم بـ(وطنية) جيشهم الذي أعيد بناؤه مع ثورة يوليو 52م.. والأدوار المشرفة التي قام بها في حماية مصر، وتمكينها، وصد العدوانات الإسرائيلية المتكررة عنها، إلى جانب إيمانهم بأن (الجيش) هو في البداية والنهاية يتكون من آبائهم وأعمامهم وخيلانهم وأبنائهم وبناتهم.. وبين (التشكيك) في المجلس العسكري وفي قراراته التي بدأت تأخذ شكل قطع (الإسفنج) العازلة لـ “الثورة” وقراراتها، و”الماصَّة” لحماس ثوارها.. بحجج (العقلانية) مرة، و(المصلحة الوطنية العليا) لمصر.. مرة أخرى، وبأن مصر (العظيمة) لابد وأن تبقى عظيمة.. سواء ببدن ثائر أو مستقر، وأنه لابد لها.. وفي كل الأحوال من (رأس مدبرة)، وأن “المجلس العسكري الأعلى” -الذي حمى الثورة من رصاص جنوده الذين يأتمرون بأوامر قادتهم- هو تلك الرأس المدبرة.. التي ستتولى حراسة الثورة حتى تحقق أهدافها، بينما كان المجلس العسكري وأعضاؤه يتكتمون ولاءهم القديم لـ (الريس).. ويقدمون -في ذات الوقت- بعض ما يرضي الثورة والثوار.. كـ”قبولهم” باختيار جماهير ميدان التحرير لـ”الأستاذ الدكتور عصام شرف” ليرأس أول وزارات ثورة الخامس والعشرين من يناير، إلا أنهم كانوا يسعون بذات التكتم والهدوء لـ”إنفاذ” أجندتهم.. أجندة الولاء للرئيس المخلوع وحزبه ونظامه وسياساته، ولذلك لم يكن عجيباً.. أن يدعو (المجلس العسكري) جماهير الشعب المصري لـ”الاستفتاء” على تعديل بعض بنود دستور عام 71، بحجة أنه جرى تعديلها من قبل لصالح (مبارك) ونظامه وتوريث ابنه.. وانطلت (الحجة) على ثوار التحرير الذيكانت تنقص شبابهم “الخبرة” الكافية بدهاليز السياسة المصرية، ليتسابق المواطنون على ذلك الاستفتاء.. الذي جرى بعد شهر من إزاحة (مبارك)، بينما كان واجب ثوار يناير.. الدعوة للامتناع عن المشاركة في ذلك الاستفتاء، والإصرار على البدء.. بالتحضير لكتابة دستور جديد، يعبر عن الجمهورية الثانية.. التي شهد المصريون والعالم ولادتها الباهرة في ميادين “التحرير” و”الرمل” و”الأربعين” و”الساعة”.. ورأى تباشير قيامها على صرح (المواطنة) والمساواة بين طبقات الشعب على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم في ظل دولة مدنية يسودها العدل والقانون ودستور الأمة. لقد كانت المشاركة في استفتاء لتعديل الدستور القديم.. إحدى خطايا ثورة يناير.. التي اكتشفها الثوار قبل سواهم، عندما تبين لهم بأنها تعديلات.. مليئة بـ(المطبات) والمهالك، التي يجيد صياغتها “ترزية” القوانين في مصر..!!

* * *

على أن المجلس العسكري.. الذي فتح أبواب ميدان التحرير لكل المصريين.. لينضموا إلى ثواره، بحجة أن مصر الثائرة هي لكل المصريين وفئاتهم.. وليست وقفاً على شباب (الفيس بوك) و(التويتر) وحدهم، بينما كان يعمل بكل تؤدة ودهاء على تبريد الثورة.. وتفريغها من شحنتها الأولى.. بإحضار الرئيس وابنيه وأعوانه ورموز حكومته إلى محكمة جنايات القاهرة في أغسطس الماضي استجابة لتلك المليونيات الهادرة في ميدان التحرير وغيره من ميادين مدن مصر، وهو يطرح -في أعقابها- “إشكالية” أيهما أولاً: (كتابة) دستور جديد.. أم (إجراء) انتخابات تشريعية (؟) تقيم كياناً برلمانياً ليدير شؤون مصر الداخلية والخارجية.. التي فرغت جعبتها مع قيام الثورة من أي كيان سياسي شرعي منتخب يتولى قرارها ويتحدث باسمها؟ فكان أن تدافع (أصحاب المصلحة).. من المدربين سياسياً وتعبوياً.. ممن لحقوا بالثورة واستظلوا بأعلامها ولم يقوموا بها.. ليقولوا: (نعم) وبالفم المليان لـ (إجراء) الانتخابات التشريعية.. و(إرجاء) كتابة الدستور (!!) وهم يدركون بحساباتهم البريئة وغير البريئة.. بأن الغلبة ستكون لهم في هذه الانتخابات.. بينما رأى شباب الثورة بنقائهم الثوري في تأييدهم لإجراء الانتخابات التشريعية أولاً: فرصة ذهبية لـ”الخلاص” من المجلس العسكري.. أو على الأقل تحجيم دوره السلطوي في إصدار القرارات ورسم سياسات الدولة في ظل وجود مجلس تشريعي منتخب من الأمة (!!) ولكن (البرلمان) بأغلبيته (المفاجئة).. من حزبي (الحرية والعدالة) الإخواني، و(النور) السلفي.. لم يستطع أن يحقق حلم (الإسلاميين) مجتمعين في الاستحواذ على قرار مصر الإداري، أو رسم سياساتها الخارجية.. بدليل عدم قدرته على (سحب الثقة) من حكومة الدكتور الجنزوري المعينة من قِبل (المجلس)، أو أن يوقف مهزلة السماح بمغادرة الأمريكيين التسعة عشر.. الذين أمرت (النيابة) بحبسهم وتقديمهم للقضاء في قضية معونات جمعيات المجتمع المدني، كما لم ير الثوار بعد قيام البرلمان الجديد.. أي قدر من (التحجيم) لسلطات المجلس العسكري الأعلى.. فضلاً عن الخلاص منه، ومن هيمنته.. بعد انكشاف حقيقة الدور التكتمي الذي كان يلعبه في حماية الرئيس المتنحي ونظامه ورجاله.. واقعياً، والادعاء -في ذات الوقت- بـ(حماية) الثورة والثوار.. إعلامياً!! لقد كانت خطيئة الثوار الثانية.. أنهم أعطوا موافقتهم على إجراء الانتخابات التشريعية أولاً (قبل.. كتابة ادستور).. ليفاجئهم برلمانه (أو برلمان ثورة الخامس والعشرين من يناير) بـ (اقتراحه) المرفوض من قِبل الأمة بـ “اقتسام” جمعية المئة لصياغة الدستور الجديد بـ(خمسين في المئة) من أعضائه، وخمسين في المئة.. من خارجه، متناسياً وثيقة الأزهر الجامعة لرأي الأمة.. والمانعة لأي اختلاف حول أهم نقاط الدستور وركائزه التي وقع عليها، وهو يتقاعس.. أمام قانون العزل السياسي الذي رأى مقدموه من داخل البرلمان والساعون له من خارجه -وهم على حق- استبعاد كل مَن لم تمض عليه عشر سنوات من العمل مع الرئيس المتنحي وحكوماته من العمل السياسي أو الترشح لـ(عضوية) البرلمان فضلاً عن الترشح للانتخابات الرئاسية.. الأمر الذي جعل الفريق أحمد شفيق ينجو من قانون العزل السياسي.. بل ويرشح نفسه لرئاسة الجمهورية، وهو الذي عمل رئيساً لوزراء.. آخر وزارات الرئيس المتنحي في الحادي عشر من فبراير من عام 2011م..

* * *

وسط هذا الخلل والإرباك المقصود، والمجدول، والإرهاقات المعيشية المتواصلة التي أخذت تتدافع تباعاً على المواطن المصري الواحدة تلو الأخرى والتي لم يكن يعرفها من قبل.. استطاع (المجلس العسكري الأعلى) أن يشغل الأمة -للمرة الثالثة- عن كتابة الدستور بجدل عقيم حول (ماهية) أعضاء الجمعية التأسيسية التي ستتولى كتابته: أهي بـ(الانتخاب) أم بـ(التوافق).. أم هي من أساتذة القانون الدستوري الذين تزخر بهم كليات الحقوق بالجامعات المصرية (أخبرني أحد الأصدقاء من أشقائنا المصريين.. أن بمصر أربعمائة أستاذ متخصص في كتابة الدساتير، تستعين بهم كثير من الدول).. أم يكتفي بـ”تمثيل” النقابات والأحزاب والجمعيات والاتحادات فيها، ليتوقف كل ذلك بعد حكم محكمة القضاء الإداري ببطلان الجمعية التي رآها برلمان الإخوان والسلفيين.. ليتم إرجاء كتابة الدستور إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية.. بينما كان يجري التوجيه -من قِبل “المجلس” أيضاً- بسرعة الاستعداد لإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد (23، 24 مايو).. على أن تجرى انتخابات الإعادة -إن قضت الضرورة بإجرائها- في السادس عشر والسابع عشر من الشهر الذي يليه (يونيه) حسب الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس العسكري الأعلى.. حتى يتمكن المجلس من تسليم (سلطاته) للرئيس المنتخب ويعود إلى ثكناته..!!

ورغم ضيق الوقت إلا أن الإغراء بعودة العسكريين إلى (ثكناتهم).. كان يدفع الأطراف جميعها، وفي مقدمتهم (ثوار التحرير) بقبول كل مصاعب ومتاعب ضيق الوقت ثمناً للخلاص من المجلس العسكري والعسكريين بصفة عامة.. وعودة السلطة إلى المدنيين، لكن (نقبهم.. طلع على شونة) كما يقول المثل العامي، فبعد الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية.. كانت نتائجها تقدم لهم -مجدداً- الفريق أحمد شفيق (العسكري) الذي يتهدد الثورة والثوار ويتوعدهم، وهو يعلن صراحة بأن لا رئيس إلا مبارك.. كـ(فائز) ثان في سباق الإعادة! والدكتور محمد مرسي -رئيس حزب العدالة والحرية- الإخواني.. الذي وعد حزبه المصريين -بعد فوزه بالأغلبية البرلمانية- بـ(عدم) الترشح لمنصب الرئاسة، ولكنه سرعان ما أخلف.. ودخل هو وثلاثة آخرون من جماعة الإخوان حلبة السباق في جولتها الأولى، ليجد المصريون أنفسهم ثواراً وغير ثوار -وبتدابير المجلس العسكري الأعلى- عند خوضهم لجولة الإعادة.. إذا قدر لها أن تتم أمام خيارين: (أحلاهما.. مر).. كما تقول الأكثرية: (عسكري) من فلول النظام السابق الذي قامت الثورة.. من أجل الإطاحة به وبكل ما يمثله ومن يتصل به، و(إخواني) ذرائعي متقلب حتى ولو حمل (الدكتوراه) من الولايات المتحدة.. يقول في النهار عكس ما يهمس به في الليل، ويكفي أن نذكر ما أدلى به (المرشد العام) للجماعة لصحيفة الأهرام.. عندما فُتح موضوع ترشح (الجماعة) للرئاسة من عدمه.. عندما قال من (أن منصب ومكانة المرشد أهم وأعلى من مكانة الرئيس)، وهو ما يعني.. أن مصر الحضارة والتاريخ، ورائدة الثقافة والآثار والفنون والآداب.. ذاهبة إلى واحد من اثنين: إما إعادة (الحزب الوطني للوجود.. أو استنساخ دولة (ملالي) في مصر بأسلوبها..؟!

لقد ظهرت صورة هذين (الخيارين).. جلية لأبناء الشعب المصري وفطنته وذكائه، ليسير المتظاهرون في شوارع مصر وميادينها يهتفون كعادتهم: (عسكر. إخوان.. الاثنين ملهمش أمان)..!!

فإذا قال المدافعون عن (المجلس الأعلى العسكري).. بأنه لم يختطف ثورة الخامس والعشرين من يناير، وسلمنا بذلك.. فإنه فعل ما هو أسوأ (!!) فقد قادها في النهاية إلى عنق زجاجة أخطر وأمر من اختطافها، وهو ما قد يدفع الجموع إلى هيجان مدمر لا يعرف أحد نوعه أو مداه خلال أيام الأسبوعين القادمين.. لـ”تعطيل” دورة الإعادة أو لـ”إعادة” تطبيق العزل السياسي الذي فر منه مرشح الحزب الوطني المنحل، أما إذا سارت الأمور كما يريد لها المجلس العسكري الأعلى، فليس لكل العقلاء في داخل مصر وخارجها إلا أن يرددوا ما قالته صحفية (الأخبار) الأستاذة آمال عبدالسلام: (لك الله.. يا مصر)!؟

dar.almarsaa@hotmail.com
 

مصر وعنق الزجاجة
د.عبدالله مناع

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة