ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 04/06/2012/2012 Issue 14494 14494 الأثنين 14 رجب 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

أطلق معالي وزير المياه والكهرباء المهندس عبد الله الحصين تحذيراً شديداً مفاده أن القطاع الزراعي في منطقة حائل استهلك خلال الأعوام الستة الماضية من الماء ما مقداره 14 مليار متر مكعب. وقال إن هذا الرقم يعادل استهلاك المنطقة والمواطنين من مياه الشرب في 400 عام!!، ولم يصب بتصريحه هذا المزارعين في حائل بالهلع والخوف فحسب، لكنه أصاب مستقبل الزراعة في الوطن في مقتل، وأعلن بدء مرحلة الخوف من المستقبل في الوطن، التي حسب تصريحه سنصل إلى حالة الهلاك خلال سنوات، ما لم تحدث معجزة ربانية تنقذ هذه البلاد من الجفاف القاتل، لكنني لا زلت كغير مختص أبحث عن مصدر لدراسات علمية موثقة عن مستقبل مخزون المياه الجوفية في الوطن، وهل هي خزانات ناضبة أم أنها مسارات مياه تأتي من مناطق بعيدة كما تحدث عنها مدير جامعة البترول والمعادن الدكتور بكر البكر خلال مرحلة زراعة القمح الشهيرة حسب الدراسات الجيولوجية آنذاك، وأنها تعادل إيراد نهر النيل ليس فقط لمدة 400 عام فقط، ولكن لمدة 500 عام!

لا زال المواطن يبحث عن الحقيقة بين تفاؤل الدكتور بكر البكر المفرط قبل ثلاثة عقود، وبين تشاؤم معاليه المتطرف، وقد يكون معالي وزير المياه محقاً، لكننا كمواطنين أرهقتنا استراتيجية التصريحات النارية، نحتاج الى براهين وإثباتات موثقة بالأساليب العلمية الصحيحة، وإن لم تكن كذلك، فلن يتم التعامل معها بجدية وبحذر من عواقب استنزاف المياه الجوفية، إذ ليس من السهل أن نطلق صفارات الإنذار ضد مجال حيوي مثل الزراعة، ليس فقط لضرورتها الحيوية، ولكن لارتباطها الرمزي بالأرض والوطن، ولأنها أقرب المفاهيم التقليدية للوطنية، فالمزارع يرتبط بأرضه مهما حدث، بينما يهرب غيره لأتفه الأسباب، خوفاً على أمواله أو تجارته. لذلك على معالي الوزير أن يقلل من نبرته التحذيرية للمزارعين، ما لم يقدم الأدلة العلمية للمزارعين البسطاء والمواطنين غير المختصين أمثالي، والذين قد يضطرون إلى بيع أراضيهم خوفاً من مستقبل الزراعة، ولو حدث ذلك، ولم تصدق نبوءاته سيتحمل معاليه تبعات تحذيراته.

المتابع للنشاطات الإعلامية لوزارة الزراعة ووزارة المياه قد يلاحظ نبرة الخلاف بين استراتيجيتهما تجاه استعمالات المياه للزراعة، وقد كنا ولا زلنا ننتظر أن يتكافآ في إطلاق مشروعات مشتركة تهدف لتعزيز الأبحاث العلمية التي تسهم في التغيير البيئي وإصلاح استعمالات المياه في الوطن، والدليل على ذلك غياب نهج استراتيجي زراعي منتج في المملكة إلى الآن، ومثال ذلك أن المملكة المترامية الأطراف والغنية بالسهول وزراعة النخيل منذ مئات السنين احتلت المرتبة الثانية عالميا في إنتاج التمور، بعد دولة الإمارات الحديثة في تجربة زراعة النخيل، التي نالت المركز الأول عالميا في إنتاج أفخر أنواعه حسب التقديرات الأخيرة، ويأتي عجبي عن أسباب هذا التقهقر أمام تجربة دولة الإمارات الحديثة، ودليل على أن الزراعة في بلادي ضحية لثقافة التصاريح وغياب البرامج الإنمائية، والاكتفاء ببث روح التشاؤم عن مستقبل الزراعة في الوطن.

أذكر جيداً منذ ثلاثة عقود أنه كان هناك أسبوع للشجرة في البلاد، يتعاون فيه الطلاب والمواطنون في غرس الأشجار في الشوارع من أجل ربط الإنسان بمفاهيم أصيلة لها علاقة بالإرث الوطني القديم، لكن ذلك النهج توقف، لتزداد ظاهرة التصحر خلال العقدين الماضيين رغم مضاعفة مشروعات تحلية المياه مئات الأضعاف عن فترة السبعينات، والسبب غياب الوعي البيئي، وعدم الاهتمام بالتشجير، وعدم وضع قوانين صارمة تمنع قطع الأشجار في الأودية والسهول والجبال، ومن يريد أن يدرك حقيقة خطورة التصحر فليذهب إلى الجنوب، ويشاهد كيف يتم اقتلاع الأشجار من رؤوس الجبال ثم بيعها في سوق الحطب في فصل الشتاء.

ما أردت الوصول إليه من بين هذه الكلمات أنه لا اختلاف حول أهمية المحافظة على الثروة المائية، لكن كلمات معالي الوزير تحمل في طياتها نبرة تشاؤم مثيرة للقلق، وتزيد من المشاعر السلبية ضد الأرض، وتدعو بشكل غير مباشر إلى التفكير في الهروب من حقول الزراعة إلى المدن، والانتظار في طوابير حافز، ولن يخفى على معاليه أن أرضاً بلا مستقبل زراعي ينتظرها الهلاك والموت، وعلى وزارتي المياه والزراعة أن تعملا أولاً على إثبات الحقائق حول مستقبل الحياة الزراعية في الوطن، وثانياً أن نبدأ مرحلة البحث عن حلول، ليس أحدها أن يترك الناس مزارعهم، ولكن أن يعدلوا من طرائق أساليبهم الزراعية، وقبل ذلك كنت أنتظر من معاليه أن يعلن بدء مشروعات الاستغلال الكامل للمياه الصحية المعالجة في الأغراض الزراعية في مختلف مدن المملكة، التي تعد الأقل استغلالاً في الوطن من بين دول العالم الحديث، في حين نحن الأشد حاجة لها، بينما تموت الأشجار واقفة.

 

بين الكلمات
حقيقة المياه الجوفية منذ تفاؤل د. البكر إلى تشاؤم معالي الوزير
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة