ارسل ملاحظاتك حول موقعنا   Wednesday 13/06/2012/2012 Issue 14503  14503 الاربعاء 23 رجب 1433 العدد  

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

يتشبه الضمير بصحوها, يتشبه التواضع بزهوها، تتشبه الخيلاء بانثنائها، يغار الصبا من شبابها حتى بعد أن صارت جدة. تتحلى الكلمات الطليقة بشموخها. تتشبه الكرامة بعنفوانها, يتشبه النبل بصفحها, يتشبه الصبر بجلدها. يحسدها الغنى على سخائها. يتعلم الغي من جرأتها في الإبداع.

تتشبه البطولات بقوتها, يتشبه التسامح بأفقها, تتشبه عزة النفس بعفافها, يغبطها الغد على بصيرتها.

يتشبه الحزم بضراوتها، يتشبه الحنان بلمستها, تتشبه البساتين برهجتها, تلهث الأحلام خلف أخيلتها. وينهل الشعراء من إلهامها.

لكل ذلك وأكثر يستحيل التعرف على تلك السيدة المٌنوَرة دون أن نلتقي وجها لوجه مع الحق والعدالة والجمال بما أسكنه الله في روحها وسلوكها اليومي من أسرار الوجود السوي. كما يستحيل تمييز رائحة تلك السيدة من رائحة الحب والحرية والحنطة والماء الزلال التي تشكل أكسير الحياة الكريمة.

ليس لأنها أمي ولكن لأن نور الهاشمي امرأة تتميز بملكات العقل والقلب والبيان.

***

المليكة المكللة بالكفاح

من مطلع الشهر الماضي أعيش موزعة بين برزخ من نار وبرزخ من زمهرير، تتأرجح روحي بين التحليق في أعلى سموات الأمل وبين التطوح إلى أسفل أراضي الألم. أصحو على أخيلة نور وأنام، إن نمت, على أطيافها العديدة المديدة أبعد مما يرى النظر.

أرى تلك التي كانت تعض على رمانة كتفها وتتستر على وجع يشق عنان الفضاء. في ليالي هذه الفترة صرت أرى أمي سبع نساء كلهن نور لا يلبثن أن يصرن تسع إلى أن يصعب علي الإحصاء. كلهن نفس السيدة المنيرة، كل منهن تحمل نفس قسماتها المتوهجة التي لم تتغير منذ وعيتها وهي في العشرينات, كل واحدة منهن تلبس نفس ثوبها المخمل الكحلي الطويل المنثور بلون سماوي من النجوم البراقة، كلهن يلبسن تاجاً مرصعاً بشموس من زفير أزرق غامق. وكلهن تبدو عليهن سمات الكفاح بأكفهن المدعوكة برحيق العمل ووجوهن الملتمعة بنحاس شمس الصيف عندما تحط بشواظها على ظهور البيدر وصدور الحقول وقامات النساء المحتصدات. كلهن مكللات ببريق العرق وبروق التاج وكلهن يشتركن في كتابة نفس الصفحة البسيطة التي سبق أن أهدتها لي أمي، أول عهدي بالعمل معيدة بجامعة الملك سعود. وكتبت عليها “أنا سيدة أعمال وأعمل بيدي”. أصحو من المنام المتكرر بصيغ مختلفة مع احتفاظ أمي بطلتها في كل نسخه السابقة أو التي تكررت بعد ذلك, وأذهب لغرفة المكتب أقف طويلا أمام البرواز القديم المزين بخط أمي الفضفاض في تلك العبارة النادرة “أنا سيدة أعمال وأعمل بيدي صفر 1400هـ”. إلا أنه -ويا لا فطنتي الغرة- لم تخالجني قطرة شك وأنا أستعيد الذكرى البعيدة وأتعوذ من الوساوس بعد تكرار ذلك الحلم، بأنني في ظرف قصير سأقف أمام هذه اللوحة مرة أخرى وأجهش بالبكاء فيما تقتلع عيوني قسوة اليتم وتعصف بمشاعري لوعة الفراق، وكأنني لم أغادر رغوة طفولتي الأولى قط.

***

ريشا نظيفا للتحولات

يوم الاثنين 7-5-2012م، أُسلم مقالي الأسبوعي بالجزيرة وأرسل نسخة منه لنفسي على الجوال للطوارئ. أختم محاضراتي الإضافية في حلقة بحث وفي التحليل الاجتماعي السياسي لعينة من التحولات التاريخية منذ مرحلة الطفرة النفطية الأولى وسط السبعينات الميلادية إلى مرحلة الطفرة النفطية الثانية مطلع الألفية الميلادية الثالثة وأحس أنني ريشة نحيلة في أجنحة تلك التحولات ورياحها المتعاكسة وأمواجها العالية وزلازلزلها المستترة وبراكينها السافرة. أحمل الريشة بهيام من بين عشرات المهام الصغيرة إلى أمي فهي على سريرها في غرفة الإنعاش الأبرع في صهر تلك الريشة بما علق بها من لهب وفي تنقيتها مما لحق بها من شوائب, لإعادتي بابتسامة صافية من عينيها بنتاً جديدة أرف ريشا نظيفا يلمع في الظلام.

***

أنابيب الأجهزة كعلامات استفهام

الثلاثاء 8-5-2012م، لا أصدق بأنني انتهيت من المحاضرات السابعة مساء إلا وأولي وجهي صوب “خشم العان, أسابق دقات قلبي” لعنبر أمي بالعناية المركزة. أنثني على جرحي عند مصبات أوجاعها الصاخبة الصامتة. تلتف علينا أنابيب الأجهزة المؤلمة والمحاليل الشفيفة كعلامات استفهام مبهمة لأقدار قاطعة تتحرك بنا في اتجاهين متوازيين, إلا أنها بشجاعتها الفذة في مقاومة اختلاجات روحها تنجح في تضليل توجسي وتبديد خوفي. يكمل الأسبوع القادم بإذن الله.

Fowziyaat@hotmail.com
 

وجها لوجه مع جبروت الوداع في رحيل أمي
د.فوزية أبو خالد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعة حفظ ارسل هذا الخبر لصديقك  

 
 
 
للاتصال بنا خدمات الجزيرة جريدتي الأرشيف جوال الجزيرة السوق المفتوح الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة