ارسل ملاحظاتك حول موقعنا   Friday 15/06/2012/2012 Issue 14505  14505 الجمعة 25 رجب 1433 العدد  

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

تستقبلنا العطلة الدراسية الصيفية بثغر جميل مبتسم. ذلك لأنها تبدأ بالفرح، فمن الناس من يفرح بانقضاء وقت الاختبار وهمومه، ومنهم من يفرح بحزم الحقائب إلى بلاد ذات جو لطيف. ولكن الأسعد منهم أولئك الذين يفرحون بعرسهم. ومثل هؤلاء

نفرح - كلنا - معهم، ونتمنى لهم البركة وديمومة المودة والهناء. نعم الديمومة، فلا أحد يسعده أن يسمع أو يقرأ عن حالات انفصام لهذه الرابطة المقدسة. لكن الأماني تصطدم أحياناً بالوقائع التي تكدر الخواطر. ما أكثر ما سمعنا عن حالات طلاق حصلت في ظروف متنوعة. حالة طلاق بعد مضي أسبوع على الزواج، حالة طلاق بعد العودة من شهر العسل، حالة طلاق في أثناء البعثة الدراسية، حالات طلاق في أول عهد الزواج قبل إنجاب الأطفال، وحالات أخرى عقب إنجاب طفل أو طفلين.

فهي إذن حالات طلاق تحدث بين الشباب المتزوجين حديثاً. أما حالات الطلاق التي تحدث بعد سنوات طويلة من العشرة فهي مجموعة أخرى تختلف من حيث أسبابها عن المجموعة الأولى، إذ إنها تحدث بين شخصين ناضجين قد عرفا وعركا بعضهما وتحمل كل منهما الآخر ثم فاض بأحدهما أو كلاهما الكيل فطلب الطلاق. ويختلف الأمر - حسب اعتقادي - عند النظر إلى قضايا الطلاق في مجموعة الشباب التي تمثل أغلب حالات الطلاق في المملكة- كما يذكر الباحثون. وقد لخص عضو مجلس الشورى الدكتور طلال البكري أهم الأسباب المؤدية إلى الطلاق في نظره في ما يلي:

- عدم إدراك أهمية الزواج.

- عدم التهيئة المناسبة للزواج.

- اختلاف الطباع وعدم التوافق المعيشي بين الزوجين.

- عدم الشعور بالمسؤولية وانعدام التعاون.

- هذا إلى جانب ضغوط الحياة بما فيها غلاء المعيشة.

وهذه الأسباب كلها تنطبق على الشباب المتزوجين حديثاً، إلا أن هناك ما يدعمها ويزيد من تأثيرها. وعلى سبيل المثال، فإن الشاب ربما يقدم على الزواج في مرحلة عنفوان شبابه مدفوعاً بالرغبة الجنسية، فيفاجأ بعد أن اعتاد على إطفائها بما لم يحسب له حساباً من أعباء الزواج ومتطلباته. كذلك فإن الفتاة المتزوجة حديثاً -في عصرنا الحاضر- لم تعد كما كانت أختها بالأمس راضية صامتة. فإنها بسبب التعليم والعمل ومستوى الوعي قد أصبحت عزيزة النفس لا تقبل الاستهانة بها وعدم

مراعاة مشاعرها. وفي أحيان غير قليلة يكون اتخاذ قرار الزواج نتيجة لضغط الأهل وإلحاحهم على تزويج أولادهم في سن مبكرة - خاصة بعد التخرج من الدراسة أو بدء الالتحاق بالوظيفه بالنسبة للأبناء أو بعد مرحلة البلوغ بالنسبة للبنات (ولا أعني هنا السلوك الشاذ بتزويج البنت وهي لا تزال على مقعد الدراسة المتوسطة)، وربما يقف وراء ذلك قناعات دينية أو عائلية.

لكنها مثال على تأثير البيئة الاجتماعية التي قد لا تتوافق في بعض الأحيان مع قناعات الأولاد، ولكنهم يوافقون على مضض إرضاء لوالديهم. وبصرف النظر عن ظروف اتخاذ قرار الزواج- سواء كان برغبة عاطفية أو بتأثير الأهل أو باختيار مدروس - فإن الفترة الفاصلة بين اتخاذ القرار (أو الخطبة) وما نسميه (الملكة) وبين الملكة والزفاف في غاية الأهمية. ذلك أنها تمنح الفرصة لمزيد من التعارف وهي بمثابة فترة اختبار يتبين منها مدى الانسجام وتقارب الطباع أو العكس مما يقلل احتمالات الانفصال بعد الزواج. وعلى الرغم من أهمية الظروف المصاحبة لاتخاذ قرار الزواج في جلب السعادة إلى الحياة الزوجية، فإن تأثير المجتمع الموازي لا يقل عن ذلك في الأهمية. هذا المجتمع ينشئه الشباب (وليس الشباب فقط ولكن هم مدار الحديث) موازياً للمجتمع التقليدي العائلي والمحلي الذي لا يجدون لأنفسهم مكاناً فيه، حين يرون أنه لا يستجيب لحاجاتهم وتوجهاتهم في أسلوب قضاء الوقت ولا يتقبل عاداتهم وأذواقهم ولا يتخلى عن أسلوب الوصاية عليهم، فيعملون على تكوين (شلل) تقضي الوقت الفائض عن وقت النوم والدراسة أو العمل كل ليلة خارج المنزل في استراحات على أطراف المدينة، ويعودون أنفسهم على نمط من الحياة الاجتماعية الشللية (المجتمع الموازي) تبعدهم عن مسؤولية الحياة العائلية وبيئة المنزل وعلاقة الجوار.

لذلك فإنهم حين يتزوجون يكونون غير مهيئين للزواج ولا مدركين لأهميته وأعبائه، فلا ينفكون عن محيط الشلة ولا يقاومون جاذبيتها فتصرفهم عن الاهتمام بشريكة العمر ويخيم على حياتهم الزوجية ظل من خيبة الأمل والتباعد والهشاشة مما يجعل العلاقة الزوجية عرضة للتمزق في أي ظرف. وفي هذا السياق يمكن اعتبار تقنية التواصل الاجتماعي الحديثة والقنوات الفضائية - إذا أسيئ استعمالها - جزءاً متمماً ومعززاً للمجتمع الموازي. ليس من المستبعد أن يخف تأثير وصاية المحيط العائلي أو جذب المجتمع الموازي إذا كان هناك قبول عام لتأخير سن الزواج بمقدار عدد السنين الكافي للوصول إلى درجة من النضج تؤهل لإدراك أهمية الزواج وتحمل مسؤولياته. إن الشاب صغير السن أكثر قابلية للتأثيرات الخارجية ولكنه أيضاً أكثر قابلية للتوجيه الرشيد. وليس هناك من شك في أن الأسباب المؤدية إلى الطلاق كثيرة وأن النتائج المترتبة على ذلك مؤلمة - سواء للأطفال أو للأسرة كلها. ومشكلة الطلاق ليست ظاهرة شبابية فقط، بل هي تمس جميع الأعمار وتهم المجتمع بأسره، وتستحق كل ما يبذل لها من جهود لمعالجتها - سواء من أئمة المساجد أو قضاة الأنكحة أو مكاتب الصلح أو لجان إصلاح ذات البين أو الجهات التي تقوم بأنشطة تثقيفية. لكن هناك أمور - وإن كانت ليست غائبة عن اهتمام الجهات ذات العلاقة- يجدر ذكرها من باب التذكير:

1- تعزيز دور التوعية قبل الزواج بشتى الوسائل المتاحة والتوجه بصفة خاصة إلى الأهل من حيث التفاهم مع أولادهم بشأن اختيار الوقت المناسب والشريك المناسب في الظرف المناسب قبل الإقدام على الزواج، وتشجيع إنشاء مكاتب الاستشارات الأسرية (الأهلية والحكومية) والإعلان عنها.

2- ضرورة الجدية وسرعة البت في القضايا المتعلقة بتبعات الطلاق - حتى لو تطلب ذلك الاستعانة بالسلطات- حفظاً للحقوق وردعاً للمتهاونين.

3- ضرورة توثيق الطلاق في المحكمة مع اشتراط حضور كلا الطرفين وعلمهما واعتباره نافذاً من الناحية القانونية من وقت التوثيق (ولعل بالإمكان تكييف ذلك من الناحية الشرعية)، مع معاقبة الزوج الذي لا يبلغ الزوجة بالطلاق عقوبة رادعة.

4- ما تقدم ذكره في 2 و3 يساعد على التمهل وتقدير العواقب قبل الإقدام على الطلاق.

5- القيام بدراسة الحالة الاجتماعية وتقديم المشورة لكل طالب طلاق من قبل أخصائيين اجتماعيين مؤهلين لذلك تعينهم المحكمة أو يعملون في مكاتب استشارية متخصصة، واعتبار ذلك خطوة لازمة قبل النظر في طلب الطلاق.

 

الطلاق: نهاية خلاف شخصي أم تباين اجتماعي؟
عثمان عبدالعزيز الربيعة

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعة حفظ ارسل هذا الخبر لصديقك  

 
 
 
للاتصال بنا خدمات الجزيرة جريدتي الأرشيف جوال الجزيرة السوق المفتوح الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة