ارسل ملاحظاتك حول موقعنا   Friday 15/06/2012/2012 Issue 14505  14505 الجمعة 25 رجب 1433 العدد  

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

مرت الأندلس عبر تاريخها المديد بالكثير من المباهج والمآسي، وتراوحت بين الاقتتال، والاستقرار، والسلام، والقتال، وتنوع القائمون على شأنها من عرب، وأعراب، وبربر، ومولدين، وصقالبه، ومغاربة علويين، ونصارى، وحتى اليهود من خلال الوزارة كما هي الحال مع يوسف بن النفريله وابنه اسماعيل. وفي كل أحوالها كانت مرتعاً خصباً للعلم والأدب والشعر، والتدوين، والمصارحة والمطارحة، والتلميح، والتصريح، وبدأت بالفتح والاستقرار ثم المنازعات والحروب، بين اليمانية والمضرية، والعرب والبربر، وبعد ذلك دانت لبني أمية مع شيء من التنازع والمنازعة، والاختلاف في النهج كما هي الحال بين هشام بن عبد الرحمن الأول وابنه الحكم الربضى إلى أن وصلت الحال إلى مآل غير محمود ضاعت فيه دولة مستقرة قادرة على حماية الدولة، ورافعة شعار الإسلام، وحافظة لأصحاب الملل الأخرى مشاربهم الإيمانية. وورث ابن أبي عامر الدولة الأموية، ثم تلاه عصر الطوائف.

ولعلنا نقف عند عصر الطوائف لنذكر تلك الحرب المريرة بين المعتضد بن عباد والد الحاكم، والشاعر المشهور المعتمد، وجاره المظفر بن الأفطس، تلك الحرب التي قتل فيها الكثير من الطرفين، وتم استنزاف أموال الناس وأقواتهم، فكانت الفرص متاحة لأعدائهم للنيل منهم، وإضعافهم، ومن ثم القضاء عليهم، وكان ابن الأفطس يحاول ما وسعه أن يظهر لخصمه المعتضد رباطة جأشه وقدرته، وفي إحدى المعارك الكثيرة بينهما انهزم ابن الأفطس هزيمة قاسية وأراد أن يظهر لخصمه عدم اكتراثه، فحاول مجاراة خصمه في حبه للنساء والسبايا والقيان ودفع المبالغ الطائلة في طلبهن، فأرسل في طلب شراء قينة لدى الوزير عبد الرحيم الرميمي بقرطبة إثر وفاته، لما اشتهرت به من حذق المهنة، وهو بهذا يريد أن يري الناس أنه حريص على النساء غير مكترث بالهزيمة، لا سيما أن خصمه يشهد له القاصي والداني من أبناء عصره بحبه الكبير للنساء، وقدرته الفائقة التي يضرب به المثل، فاشتراها بسعر مرتفع، كان حديث الناس في عصره، فقالت الناس عنه ما أراد أن يوصله إليهم إلاّ أن العارفين ببواطن الأمور يدركون المقصود ويعرفون القاصد، وبعد شرائها لم يكن عليها بالحريص، فاستمرت عنده ردحاً من الزمن حتى جاء من ابتاعها منه.

وكان لابن الأفطس ولد اسمه القاسم اشتغل أول أمره بالزهد، وقراءة كتب التصوف، فقال له أبوه: يا بني، هذا الأمر ينبغي أن يكون آخر العمر، وأما الآن فينبغي أن تعاشر الأدباء والظرفاء، وتأخذ نفسك بقول الشعر، ومطالعة الأدب، فلما عاشرهم زينوا له الراح - حمانا الله وإياكم- فتهتك من الخلاعة، وفر من أشبيلية وتزوج بامرأة لا تليق بحاله، وصار يضرب معها بالدف، وهو ابن أحد حكام الطوائف، فكان رأي أبيه رأيا غير سديد، فكتب إليه أبوه:

يا سُخنةَ العينِ يا بنَيَّا

ليتكَ ما كنتَ لي بُنَيَّا

أبكيتَ عيني، أطَلْتَ حُزنِي

أمَتَّ ذكري وكان حيَّا

حَطَطْتَ قدري وكان أعلى

في كل حالٍ مِنَ الثُرَيَّا

أما كفاكا الزِّنا ارتكاباً

وشُرْبَ مشْمولةِ الحُميَّا

حتى ضربتَ الدفوفَ جَهرا

وقلتَ للشرِّ: جئْ إلينَا

فاليومَ أبكيكا مِلْءَ عيني

إن كانَ يُغني البُكاءُ شَيَّا

فأجب أباه بقوله:

يا لائم الصبِّ في التصابي

ما عنك يُغني البُكاءُ شيَّا

أوجَفْتَ خيلَ العتابِ نحوي

وقبلُ أو ثبتها إليَّا

وقلتَ: هذا قصيرُ عُمرٍ

فاربحْ من الدهر ما تهيَّا

قد كُنتُ أرجو المتابَ ممَّا

فُتنت جهلاً به غيّا

لولا ثلاثُ شيوخِ سوءٍ

أنت وإبليسُ والحُمايَّا

وهكذا كانت حال ابنه القاسم بسبب نصيحته التي أسداها إليه، خوفا عليه من أقصى اليمين فأضحى في أقصى اليسار، وهكذا التطرف يمينا أو يسارا قد يؤدي بصاحبه إلى ما لا يحمد عقباه، ولهذا فإن ديننا قد أمرنا أن نكون أمة وسطاً، فعلينا أن نلتزم بهذا الدين الحنيف ونكون أمة وسطاً. فهل نحن مدركون؟

 

نوازع
بين اليمين واليسار
د.محمد بن عبد الرحمن البشر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعة حفظ ارسل هذا الخبر لصديقك  

 
 
 
للاتصال بنا خدمات الجزيرة جريدتي الأرشيف جوال الجزيرة السوق المفتوح الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة