ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 16/06/2012/2012 Issue 14506 14506 السبت 26 رجب 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كتبت في هذه الجريدة سابقاً عن عزم وزارة العمل ممثلة بالإدارة العامة للفحص المهني تطبيق نظام التراخيص المهنية والذي يتم بموجبه تأهيل المهنيين للعمل، ذلك على غرار الأطباء والصيادلة وغيرهم ممن تتطلّب منهم فحصاً معيّناً قبل السماح لهم بمزاولتهم لمهنهم تلك.

وقد أحسنت وزارة العمل صنعاً حينما أقرّت تطبيق ذلك النظام، وزاد حُسن صنيعها حينما أقرّت تطبيقه بشكل تدريجي اختياري خلال فترة محددة، ليصبح بعدئذ نظاماً إجبارياً يفرض قوانين من أجلها تنظيم مزاولة الوظائف في مختلف المهن، لكنني وكغيري من الناس لم نشاهد تطبيقاً حتى اللحظة لهذا النظام، ولا أعلم الأسباب التي أوقفت أو أبطأت مشروعاً وطنياً يُعَد مطلباً حضارياً كهذا.

فإقرار نظام للفحص المهني لعمري لا يُعتبر قراراً عشوائياً بل قرار تتطلّبه معطيات الساعة التي بات معها الكثير يعملون في كل شيء، وقرار كهذا لا شك سيلبّي توجُّهات الكثير ممن طالبوا بوضع آلية معيّنة لكبح جماح طموح العديد من الأفراد ذوي الصنائع السبع الذين لا همّ لديهم سوى جمع المال بكل السبل والوسائل وخلال فترة زمنية محددة. وإصدار نظام كهذا لا يتم بعجلة دونما المرور بعدد من الخطوات اللازمة، لذا كان إصداره لاحقاً لعدد من الخطوات التي يُفترض إنجازها ليكتمل العمل ويقل الخلل.

لقد جُبلنا دوماً على التعجُّل في تطبيق قرارات وأنظمه ما نلبث اكتشاف عدم واقعية تطبيقها، فنعود لتغييرها عبر تعطيلها وتوقيفها ريثما يتم دراسة البدائل، ما يوقع الجهة المصدّرة لتلك القرارات في حرج كبير مع من تضرّروا، فضلاً عن تشكيل انطباع سلبي عن القائمين عليها في تعجُّلهم وسرعة اتخاذهم لقرار سرعان ما يثبت فشله. لكن ما حدث مع إقرار مشروع نظام الفحص المهني يختلف كثيراً، فقد تم وضع هدف معيّن يُراد الوصول إليه، ومن ثم بدأت دراسة الأساليب المثلى للوصول إليه وتحقيقه، عبر وضع ورسم عدد من الآليات والوسائل الكفيلة بتحقيقه دونما خلل، فتم رسم خطة عمل واضحة الملامح لدراسة المشروع، بدءًا من تشكيل فرق عمل لدراسة تجارب الدول الأخرى مروراً بالاستعانة بالمعايير المهنية ونظام المؤهلات الوطنية، إلى تصميم وبناء دليل للاختبارات، وصولاً إلى وضع صيغة نظام نهائي مرن لاستخراج الرخصة المهنية، يتناسب مع وضع سوق العمل السعودي، ذلك بناءً على ما يقتضيه تنفيذ قرار مجلس الوزراء بتاريخ 4-3-1428هـ بهذا الصدد.

الفحص المهني كما تم تعريفه من قِبل الإدارة العامة للفحص المهني على موقعها الإلكتروني، بأنه عملية جمع الإثباتات وإصدار الأحكام تجاه حيازة الكفاءة. والاجتياز يعني أنّ المتقدم قادر على الأداء وفقاً للمعايير المهنية المعتمدة في سوق العمل، ويحق له الحصول على الرخصة المهنية الوطنية لذات المهنة.

يأخذ الفحص المهني من المعايير المهنية ونظام المؤهلات الوطنية مقياساً، للحكم على مدى تخصص العامل في مهنة معيّنة ومدى قدرته على ممارستها، وتوظيف تلك القدرات بما يؤهله لإنجاز ما يُوكل إليه من عمل بدقة وجودة عالية، وقد هالني حقيقةً دقة المعايير والمحاك التي تم وضعها للاحتكام إليها في تقويم العامل وقياس مهنيته وكفاءته، ما يبشر ولله الحمد بنجاح هذا المشروع على المديين القصير والبعيد.

علينا أيضاً أن نعي أنّ نظاماً كهذا من أجله ليس فقط تحسين بيئة العمل، بل وتحسين ورفع جودة الخدمات المقدمة، وحينما نقول تحسين بيئة العمل، فإننا بلاشك نقصد إيجاد بيئة مثالية لمزاولة المهنة سواءً من قِبل العامل الوافد أو الوطني، عبر ما توفره تلك البيئة من محفّزات كثيرة تساهم في إغراء الكثير من الشباب السعودي المؤهّل للعمل في مجال المهنة التي تعلّمها ودرسها وتدرّب على ممارستها، وهو يعي تماماً الأدوات التي يوفرها هكذا نظام من تنافسية شريفة تعتمد المهنية مقياساً والتخصص أسلوباً، تؤمن بأنّ الوظائف الحالية والمستقبلية لا يمكن أن تنفصل عن المهن التخصصية.

نظام كهذا لا يقتصر هدفه على العمل على رفع جودة الخدمة المقدمة وتوفير البيئة العملية المثالية فقط، بل تمتد إيجابياته لتشمل المساهمة في تقليل البطالة كما ذكرنا آنفاً، من خلال استقطاب الشباب السعودي الذي تعلّم مهنة معيّنة ولم يمارسها، لمزاحمة العامل الوافد له وقبول الأخير بأجر يقل عن واقع أجر وقيمة الخدمة المقدمة، فضلاً عن قدرة النظام على اكتشاف المهارات والقدرات الكامنة لدى العامل أثناء خضوعه لاختبار وفحص قدراته المهنية. وأيضاً يساهم بشكل كبير في تقديم قاعدة بيانات عن المهارات الموجودة في السوق المحلية وما تحتاجه تلك السوق في الوقت الحالي والمستقبلي، وتقديمه لمعلومات عن الاحتياجات التدريبية المطلوبة في السوق، الأمر الذي سوف يساعد بشكل مباشر في تحسين مخرجات المؤسسات التعليمية والتدريبية بالمملكة. النظام يساهم بشكل غير مباشر في الحد من التداخل والتشابك في كثير من المهن وإيقاف التلاعب في ممارسة الكثير من الوظائف التي تتطلّب حدوداً دنيا من المعرفة والكفاءة. النظام يساهم في توضيح المسارات الوظيفية لكل مهنة على حدة، ما يساعد أيضاً على زيادة عملية جذب الشباب السعودي للانخراط في الأعمال التي تعلّموها وتدرّبوا عليها ولم يمارسوها لظنهم بمحدودية مسارها العملي، وبذلك يكون النظام قد ساهم أيضاً في زيادة التوظيف وقلّل بشكل مباشر من البطالة التي يعاني منها مجتمعنا.

بقي أن نقول إنّ نظاماً كهذا سيقضي لا محالة على عمليات التزوير في شهادات التخصص المهني التي باتت منتشرة بشكل نادى معه الكثير بضرورة وجود آلية لكشفها والحد منها، حفاظاً على جودة الخدمات المقدمة والمحافظة على المكتسبات الوطنية ورفع جودة الأداء والتنفيذ على جميع الأصعدة.

باختصار، الفحص المهني يقي مكتسباتنا الوطنية من العبث ويعمل على التأكد من جدارة وخبرة العامل المهنية، ويمنح المواطن الثقة الكاملة بمهنية وكفاءة العامل الذي كُلف بمهام معيّنة، خصوصاً أنّ تلك الكفاءة والمهنية يتم قياسهما عبر إدارة ممثلة عن وزارة العمل عملت بجهد واجتهاد خلال الفترة الماضية لإنجاح المشروع، والعمل على تطبيقه عبر عدد من الآليات التي كلفتها الكثير من الوقت والتدريب والجهد وبطريقة ذكية تضمن تطبيق نظام الفحص المهني بسلاسة، دون خلق ربكه أو ازدحامات غير مبررة وذلك عبر تطبيق أسلوب الفحص الإلكتروني وبعدد من اللغات التي تتناسب وجميع العاملين بالمملكة، إضافة إلى اهتمام إدارة الفحص المهني بإيجاد وسيلة لفحص من لا يقرأ ويكتب.

ألا يحقُّ لنا أن نفخر بإنجاز مشروع وطني كهذا؟ أليس من الواجب أن نعمل على تطبيقه وتسهيل تنفيذه بالشكل السليم، طالما كان المستفيد الأول الوطن والمواطن؟. أليس من الواجب تقديم الشكر والثناء لمن وقف خلف هذا المشروع، وأخيراً، ألا يحق لنا أن نتساءل عن ما آل إليه هذا المشروع وماذا تم حتى الآن تجاه تطبيقه وخروجه للنور؟ ... إلى لقاء آخر إن كتب الله.

dr.aobaid@gmail.com
 

أين وصل مشروع الفحص المهني؟
د.عبدالله بن سعد العبيد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة