ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 16/06/2012/2012 Issue 14506 14506 السبت 26 رجب 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لنسمّها “حياة”؛ وهي فتاةٌ عشرينيةٌ تعلمتْ في الغرب الأميركيّ على بعد أمتارٍ من المحيطِ الهادئ؛ تعيش في شقةٍ قريبةٍ من جامعتها “سان دييغو الحكومية SDSU” في منطقة “الكهون”، أما الزمن فهو أوائلُ الثمانينيّات الميلادية.

* ولمن لم يعشْ هذه الفترة فقد انحصرت وسائلُ الاتصال بالهاتف الثابتِ “الشحيحِ” هنا وإن توافر هناك؛ وكان ذا تكلفةٍ باهظةٍ تنوءُ بها مبتعثةٌ لا تتجاوز مكافأتها الشهريةُ ثمانيَ مئة دولار، وكان البريدُ وسيطًا والأشرطةُ المسجلةُ وسيطًا آخر، ويمضي الشهرُ والشهران والمغتربُ لا يعلمُ تفاصيلَ المتغيرات في حياةِ أهله وذويه، ويذكر مثلا غيرَ عابر حين لم يعرف عن وفاة جدته “نورة العبدالله الخراز-” وهي الأثيرةُ المؤثِرةُ رحمها اللهُ - إلا بعد أيام.

* لنعد إلى “حياة”؛ فلم تكن متزوجةً، وليس معها محرمٌ أو رقيب، ولم تكن موجةُ الصحوةِ قد آذنت باستهلال، والحياةُ لـ”حياة” منفتحةٌ كيفما تشاء، وفي “ولاية كاليفورنيا” كلُّ أنواعِ البهجة والملذات.

* لم نكن نرى امرأةً محجبةً إلا نادرًا، لكن “حياة” كانت محجبةً وملتزمةً ومتفوقةً في مشروعها البحثيّ لدرجة “الدكتوراه”، وكانت شقتها موئلا للأخوات الأميركيات اللاتي يردن الاستفسارَ عن الإسلام، وتحول عددٌ منهن إليه على يديها، وصارت فتاةُ الوطن القادمةُ من “جدة” رمزًا للطهر والاستقامة والتركيز العلميّ والنجاح الاجتماعيّ وأداء حق الله وعباد الله.

* مثلٌ يؤكد تهافتَ نظرية الأبوية المجتمعية التي تفترض الاستقامةَ مع الرقابة والانحلال مع الغفلة والمرأةَ بحاجةٍ لظل الرجل؛ لا كما يحتاج إليها أمًا وزوجًا وأختًا وبنتًا، بل من أجل أن تستطيعَ السيرَ على قدميها والحركةَ بيديها.

* ثمة خيط فاصلٌ بين الحرية والعبودية، وبين الاندلاق والانغلاق، أو بين إلغاء الفعل من ذاتٍ عاقلةٍ واعية وبين تركِها في مهب الريح؛ لا يفترق في ذلك رجلٌ عن امرأة، وصغيرٌ عن كبير، ومحليٌ عن عربي عن دوليّ؛ فلكلٍ قيمُه، وافتراض التمايز كما التمييز خطأٌ في المقدمة يتبعه خطأٌ في النتائج.

* “حياة” مثل من الأمس صدّقه اليوم حين أصبحت بناتُنا اليوم قادراتٍ على العيش بمفردهن في بيئاتٍ مختلفةٍ دون أن تُستلب؛ تمامًا كما الشاب؛ لتوشك أزمنةُ الوصاية والريبة على الإيذان بوداع، ولتبقى التربيةُ في الصغر مفتتحَ الثقة.

* لا يحتاج هذا النموذجُ لمقابلته بنماذجَ مضادةٍ ممن عاشوا أو عشن في بيئاتٍ مقفلة وانفتح البابُ أمامهم أو تسوّروه فضاعوا وأضاعوا، ولولا الخوفُ من سلطة الخاصة والعامة لظهرت أصواتٌ وصورٌ لا يُتخيلُ وجودها في بيئةٍ مسكونةٍ بتوجهٍ إجباري ومدرسةٍ ذات لونٍ واحد.

* أثبتت “حياة” أن الحياة تستقيمُ دون تدخلات، ولا ينسى أن وصيةَ والده الوحيدةَ له حين اغترب صغيرًا ألا يقترضَ مالا من أحد، ولم يضف - حفظه الله- إليها وصايا فاكتفى بها ثم وعى مضمونها ورعاها.

* الحياة استقلال.

ibrturkia@gmail.com
t :@abohtoon
 

الاغتراب الجميل...
د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة