ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Tuesday 19/06/2012/2012 Issue 14509 14509 الثلاثاء 29 رجب 1433 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

فقيد الوطن

      

رحمة الله على نايف بن عبدالعزيز، الرجل الحكيم الإنسان المتواضع الكريم، الذي قلب صورة رجل الأمن النمطية من القسوة والتجهم والجلافة إلى الليونة والبشاشة والتسامح، من النقيض إلى النقيض.

نايف فاصلة مهمة في تاريخ المملكة، عاصر أشد الأزمات الأمنية وقادها باقتدار وحكمة وقوة، فهو من أحكم الحصار على الفئة الضالة التكفيرية الأولى جماعة جهيمان عام 1400هـ واقتلعها من جذورها، وهو من قاد مواجهة محاولات التخريب الإيرانية الفارسية بواسطة عملائها من متطرفي المذهب عام 1407هـ في مكة المكرمة، وغاز نفق المعيصم عام 1410هـ وتفجير الخبر عام 1415هـ وهو من قاد الأمن في فترة حرجة إبان غزو العراق للكويت، وهو من واجه بذكاء وخبرة إدارية عتيقة وكياسة في المعالجة الفئة الضالة التكفيرية الثانية «الإرهابية» التي بدأت أولى جرائمها عام 1416هـ بتفجير العليا إلى أن قضى عليهم بعام 1427هـ وأخرجهم من بطون الأرض من مخابئهم حتى اضطروا إلى الهروب إلى المنافي في كل أصقاع الأرض ليقدموا أنفسهم شهية للموت الذي عشقوه واختاروه بوعي أو بدون وعي، مجانا أو برسالة مبنية على مفهومات مغلوطة خاطئة عن الجهاد الشرعي في الإسلام؛ فتقطعت بهم السبل أو لاقوا المصير الذي اختاروه في العراق واليمن وأفغانستان.

نايف هو الرجل المتمرس الفطن القوي الذي أحبط أكثر من مائتي عمل إرهابي خططت له الجماعات الإرهابية كان يمكن أن يذهب ضحيتها آلاف الأبرياء، وهو إلى ذلك المحاور الذكي ورجل الأمن الدبلوماسي الذي يجلس إلى من يحمل فكرا آخر معارضا؛ فيحاوره ويلجمه الحجج، ويسعى إلى استمالته بالحكمة والمنطق والإكرام، فإن أبى وركب رأسه واجهه بما يحكم به القضاء وضوابط الأمن وقوانينه.

ومن هذا المنطلق الحواري الواعي أنشأ فكرة المناصحة لإبانة المفهومات الشرعية المغلوطة في أذهان نفر من الشبان والمتعجلين واللاهثين خلف أصحاب الدعوات المضللة المشبوهة الذين يرفعون راية الدين ويزينون خطاباتهم بمقولات شرعية وهم في واقع الأمر يسعون إلى مطامع شخصية أو أحقاد ذاتية أو تنفيذ أجندات خارجية، ونجحت المناصحة في عودة مئات من المغرر بهم إلى جادة الصواب، وإطلاق سراح من أوقف لالتباس في المفاهيم الدينية لديه قبل أن يتورط في القيام بما يخل بالأمن، ولنجاح هذه التجربة طلب من المملكة نقل هذه الخبرة الممتازة إلى دول أخرى تعاني من مشكلة التطرف وعجزت عن كبح جماحه.

لقد تفوق نايف بما كان ينطوي عليه من خصال ذاتية نادرة؛ لا بقوة الأمن فحسب ولا بالقبضة الحديدية، فالبطش وحده لا يقيم العدل ولا يحفظ الأمن؛ ولكن مع القوة حكمة وإنسانية وعدل وتطبيق لأحكام الشرع.

ولقد كان الفكر الإرهابي ينوي قلب الحياة في بلادنا رأسا على عقب، وجعلها منطلقا للمواجهات والحروب والصدامات، وموئلا لإمداد كل حركات العنف والعداء مع الثقافات والحضارات، وبؤرة للتخلف والانكفاء على الذات؛ مما سيغير مسار الاعتدال والانفتاح على حضارة العصر وثقافاته الذي تنهجه المملكة بتؤدة وإصرار ووعي؛ فأحبط الله أعمال هذه الفئة الجاهلة الناكصة عن العصر المتقوقعة على ذاتها المستفتية لنفسها بإصرار وقوة وصلابة نايف بن عبدالعزيز.

ولئن رحل نايف إلى جوار ربه؛ فأرضنا لم تعقب إنتاج الرجال، هذه الأرض الطيبة المباركة نجابة ولادة:

إذا مات فينا سيد قام سيد

قؤول لما قال الكرامُ فعولُ

وما مات فينا سيد حتفَ أنفه

ولا طُلَّ منا حيث كان قتيل

يقرب حبُّ الموتِ آجالنا لنا

وتكرهه آجالُهم فتطول!

مات من قبل نايف الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - فخشي من خشي على هذه الدولة، ومات من خلفه من بعده من الملوك من أبنائه رحمهم الله جميعا وظن المتربصون ظنونا خائبة، فقاد المسيرة رجال أفذاذ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وخاضوا بسفينة الوطن ما أحاط بالمنطقة خلال ستين عاما من أمواج وأعاصير سياسية وفكرية، وجنبوا بلادنا بما تفيض به المدرسة السياسية السعودية من دهاء وقاد مواجهات حربية حمقاء كانت تُجر لها البلاد جرا، ولكن دهاء المدرسة السعودية يخرج بهذا الوطن سالما من كل أزمة عاصفة مرت، ولعل أصعب وأنكى وأشق أزمة كانت يمكن أن تجر إلى تدخل أجنبي ما جرت إليه أحداث 11 سبتمبر من تداعيات سياسية وعسكرية تولى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله - حفظه الله - حلحلة تلك المعضلة العويصة ومعالجتها بالحوار والتشاور والحكمة، ثم تولى الجهاز الأمني بقيادة نايف استقصاء بؤر هذا الداء المتطرف إلى أن أمن العالم وآمن بقوة هيمنة الدولة السعودية على ضبط الحالات الفكرية الشاذة التي قد تكون بحماقاتها وجهلها المركب كما القاعدة وقودا لحروب ومصادمات.

لئن مات رجل كبير كنايف وقد أدى دوره ورسالته كاملة غير منقوصة؛ فإن رجالا كبارا يديرون دفة قيادة هذا الوطن الراسخ الكبير برسالته وقيمه وتضامن أبنائه مع قيادته الموفقة.

لقد أثبت هذا الوطن العظيم أنه البنيان الراسخ الذي لا تهزه العواصف، ولا تحرفه الأحداث والضغوطات عن أداء دوره في هذا الكون؛ لأنه منطلق رسالة السماء، ومهوى أفئدة أكثر من مليار مسلم، ومخزن تراث وتاريخ وبطولات الأمة العربية والإسلامية، وأصل وفصل العروبة التي ادعاها زورا وكذبا وخانها كثيرون ممن ارتموا في أحضان أعداء الأمة من فرس وغيرهم. فهنا الأصالة والتاريخ والقيم والشيم، وسيزول الأدعياء وكل علقمي خائن بإذن الله؛ لأن الله تعالى تكفل بحفظ رسالته وحفظ من يحفظ هذه الرسالة (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاة فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ).

هذا وطن نجاب يعلم الحكمة والقيم ويهديها إلى العالم.

moh.alowain@gmail.com
 

أسرة ولاّدة تُعلّم الدهاء ووطن نُجَّاب يُهدي الحكمة!
د.محمد عبدالله العوين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة