ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Tuesday 19/06/2012/2012 Issue 14509 14509 الثلاثاء 29 رجب 1433 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

فقيد الوطن

      

لقد كان نبأُ الوفاة زلزلةً هزَّت أركان البلاد، وصدمةً ربكت المشاعر، وطوفاناً غمر السكون. في هذه الظروف الحالكة المسالك، المدلهمة الأرجاء، المضطربة الأحوال، فوجئ الشعب السعودي بنبأ وفاة الأمير نايف بن عبدالعزيز (1353-1433هـ) بكل ما يحمله من مسؤوليات، وبكل ما يتوفر عليه من نجاحات، وبكل ما يسده من ثغرات. وحين يفاجأ الآمن بمثل هذا النبأ يفزع بآماله إلى التكذيب، وهل أحد أقوى عزيمة من عمر بن الخطاب، ومع ذلك كاد يفقد صوابه وحسن تصرفه حين نزل عليه نبأ وفاة الرسول كالصاعقة، ومن نحن إزاء هذا الحدث، وإلى جانب هذا العظيم.

إنها زلزلة على مستوى العالم العربي تجتاح النفوس الآمنة المطمئنة التي عرفت رجلاً عاش حضوراً فاعلاً على مدى ستة عقود، وأدار الأزمات المحلية والعربية بحكمة وروية وحنكة، وقضى نحبه في ساعات العسرة.

الأمير نايف بن عبدالعزيز فاجأت وفاته المواطن السعودي في وقت هو أحوج ما يكون إلى مثله، ولم يعد بالإمكان احتمال الصدمة الكبرى دون الإيمان والتسليم والرضى بقضاء الله وقدره، إذ لكل أجل كتاب، والمؤمن يلوذ بالتسبيح والصبر والاسترجاع وسد الثغرات التي سيتركها الفقيد، كي يظفر بوعد الله.. من هداية وصلوات ورحمة.

وحق الوطن على أبنائه أن يتجاوزوا الصدمة، وأن يلتفوا حول قادتهم لتطويق هذا الحدث الجلل، في ظرف لا يحتمل الخور.

لقد كنا نرقب عودة سموه ليشد عضد أخيه ويباشر مهماته الجسام، فإذا بنا نفاجأ برحيله إلى دار البقاء، تاركاً وراءه ثغرات مهمة ومتعددة.

لقد شكَّل هذا النبأ صدمة مذهلة لأهل الحل والعقد في البلاد، لأن رحيل مثله سيترك فراغاً هائلاً أجزم أن رجالات الأسْرة سيملؤونه بالسرعة الممكنة، فالوضع العربي والعالمي لا يحتمل التردد ولا البكاء على فقيد أعطى كل ما يملك:

إذا طُلَّ منا سيدٌ قام سيدٌ

قؤول لما قال الكرامُ فَعُول

وحق الفقيد علينا أن نملأ الأفئدة الفارغة بالدعاء الصادق والترحم، فالفقيد قضى حياته في خدمة أمته العربية والإسلامية، وقدَّم من جليل الأعمال وعظيم النجاحات ما يستحق معه الوفاء له وللبلاد بتلقي الراية بثبات وصدق، فسعادته في قبره أن نخلفه في مهماته الجسام.

لقد كان -رحمه الله- رجل أمن يتمتع بالحكمة والحلم والأناة وبُعد النظر، واستطاع أن يوجه أحلك الظروف بتصرف نوعي حسم به تلك الظواهر غير السوية.

وسموه -رحمه الله- حقق نجاحات كثيرة ولكنه امتاز بإدارة ثلاثة ملفات ساخنة ومصيرية:

- ملف الحج والعمرة، ولا سيما أن بعض المريدين للظلم فيه اقترفوا خطيئة التسييس للشعائر وتحويل المشاعر إلى ساحات للتعبير عن المواقف السياسية، وفي ذلك إفساد وإيذاء وظلم، وهم على موعد مع وعيد الله لكل مريد للظلم.

- ملف الإرهاب، إذ لم يواجه العنف بعنف مضاد، ومن ثم حاول الاحتواء وطرح مشروع المناصحة والحوار، ولم يعاقب بالمثل، فكان أن أسقط في يد المتربصين.

- ملف المخدِّرات الذي يغزو البلاد من كل الجهات ومن كل المنافذ البرية والبحرية والجوية، وتمارسه عصابات ومنظمات تمتلك كل الإمكانيات وتتفنن في التمويه، ولما تزل الحرب مع تلك العصابات على أشدها.

لقد تحولت معالجته لهذه الملفات نظريات يأخذ بها المسؤولون عن أمن بلادهم، فثقافة الحشود من الظواهر الجديدة التي ترافق بعض التصرفات الجماهيرية وهي في المشاعر من أعقد الأحوال، وخلفيات سموه الإدارية أرست الكثير من القيم، ومكنته من توحيد الآراء حول كافة القضايا المختلف حولها.

وثقتنا التي لا تتزعزع أن البلاد فقدت الكثير من الرموز ولم تتعرض لأي فراغ ينعكس أثره على الأمن والاستقرار. وعندما تفقد البلاد رجلاً بحجم نايف بن عبدالعزيز فإنها لن تفقد المنجزات، ولن تفقد المقتدين بسيرته والمستلهمين لحكمته، وإذا غاب بشخصه فإنه سيظل حاضراً بمنجزاته وسيرته العطرة، وحاضر بالعاملين معه.

لقد أمسك ملفات كثيرة محلية وعربية واستطاع بخبرته الطويلة واحتكاكه المباشر بالملوك الذين عمل معهم بدءاً بالمؤسس وانتهاء بخادم الحرمين الشريفين أن يبلغ بها شاطئ السلامة، لقد شهد ببراعته كل الذين عملوا معه، وشاركوه في إدارة تلك الملفات مؤتمرين أو عاملين، وهو إذ شغله الأمن بمفهومه التقليدي طوال ستة عقود فقد امتد اهتمامه للأمن الفكري، ومن ثم عمد إلى دعم الكراسي البحثية في الجامعات،

ويكفي أن نشير إلى كرسيه لدراسات الأمن الفكري، وبخاصة ما يتعلق بالتطرف الذي نسل من عباءته الإرهاب العملي، وكذلك اهتمامه بالمؤسسة الوطنية لمكافحة المخدرات وغيرها من المؤسسات.

لقد كان -رحمه الله- رجل العدل والتسامح والاحتواء والمواقف الثابتة.

واختيار خادم الحرمين الشريفين له ليكون ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء أضاف إليه أعباء أخرى أسهمت في تجنيب البلاد ويلات الفتن التي اجتاحت الوطن العربي وعرضته لفراغات دستورية أدت إلى فقد الأمن والاستقرار وتفرق الأمة. ووزارة الداخلية لها علاقاتها المتعددة والمتجذرة في جميع مفاصل البلاد وإدارته لها في أحلك الظروف أكسبه خبرات متعددة المصادر، وتمرسه مكنه من إدارة الوزارة بكل اقتدار، إنه رجل دولة ورجل مهمات، والوظائف التي شغلها والملفات التي عالجها والمسؤوليات التشريعية والتنفيذية التي اضطلع بها صنعت منه شخصية فذة.

لقد كان -رحمه الله- من أحرص الناس على استبعاد الصورة التقليدية عن وزارة الداخلية، ومن ثم أحدث أساليب حضارية لمواجهة النوازل، وتمكن من تجفيف منابع كثيرة بأسلوب حضاري، ويكفي أن نشير إلى ظاهرة الإرهاب التي فاق في معالجتها كل مجايليه من مسؤولي الأمن في العالم.

وتحمله لتلك المسؤوليات الأمنية لم تحل دون إسهاماته الإنسانية، لقد قاد حملات الإغاثة الإنسانية بكل اقتدار واستطاع أن يأسو ويواسي ويتألم مشاركاً الأشقاء والأصدقاء مآسيهم.رحم الله الفقيد رحمة واسعة، وعَوَّض البلاد والعباد خيراً منه، لتواصل مسيرتها الآمنة المطمئنة بقيادة الرجال الأوفياء من أبناء البلاد وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين حفظه الله وشد عضده بالشرفاء من أبناء البلاد.

 

اطَّرحوا ذيول الصدمة وبادروا الثغور..
د. حسن بن فهد الهويمل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة